
الاستفتاء الشعبي الإلكتروني: خطوة نحو استعادة القرار الوطني أم ورقة ضغط سياسي؟ ، بقلم : م. غسان جابر
مدخل إلى المشهد السياسي الفلسطيني
شهدت الساحة الفلسطينية خلال الأيام الماضية حدثًا سياسيًا لافتًا، تمثل في انعقاد المؤتمر الوطني الفلسطيني في الدوحة، والذي طرح قضية إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية واستعادة دورها التمثيلي الفاعل. هذا المؤتمر جاء في وقت تتفاقم فيه الأزمات السياسية الداخلية، في ظل استمرار الانقسام الفلسطيني وتراجع الثقة الشعبية بالمؤسسات السياسية القائمة.
ورغم أهمية الطروحات التي قدمها المؤتمر، فإنه لم يحظَ بتفاعل رسمي أو فصائلي واسع، بل واجه انتقادات، أبرزها تصريح رئيس المجلس الوطني الفلسطيني، روحي فتوح، الذي اعتبره تجاوزًا للأطر الشرعية القائمة. أما بقية الفصائل، فإما التزمت الصمت، أو اكتفت بمتابعة الحدث دون إبداء موقف واضح.
ولكن السؤال الأهم هنا:
هل يمكن لهذا المؤتمر أن يؤسس لمرحلة جديدة؟ وكيف يمكن للشعب الفلسطيني أن يكون جزءًا من عملية الإصلاح السياسي؟
إرادة الشعب: البحث عن أداة تعبير جديدة
لطالما كان الشعب الفلسطيني هو المحرك الأساسي لأي تحول سياسي، سواء عبر الانتفاضات الشعبية، أو الانتخابات، أو الحراك النقابي والمدني. لكن مع غياب آلية واضحة لتحديد خياراته الوطنية في ظل الانقسام، تبقى الفكرة البديلة إجراء استفتاء شعبي حول القضايا المصيرية، مثل إعادة هيكلة منظمة التحرير، أو إنهاء الانقسام، أو وضع خارطة طريق جديدة لمستقبل النظام السياسي الفلسطيني.
وهنا يبرز التساؤل حول إمكانية استخدام التكنولوجيا لإجراء استفتاء إلكتروني، يكون أداة ديمقراطية لقياس المزاج الشعبي الفلسطيني.
الاستفتاء الشعبي الإلكتروني: هل يكون البديل؟
في ظل تعقيدات إجراء استفتاء تقليدي على الأرض، بسبب الانقسام السياسي، والقيود الأمنية، والاعتبارات الإقليمية، يمكن أن يكون الاستفتاء الإلكتروني حلاً عمليًا وفعالًا، بشرط توفر معايير الشفافية والمصداقية.
مزايا الاستفتاء الإلكتروني:
- مشاركة أوسع: يمكن لجميع الفلسطينيين، في الداخل والشتات، الإدلاء برأيهم دون قيود جغرافية أو سياسية.
- أداة ضغط سلمية: يمنح فرصة للتعبير عن إرادة الشعب دون اللجوء إلى المواجهات أو الانقسامات.
- توفير بيئة آمنة للتصويت: بعيدًا عن المخاوف الأمنية التي قد تمنع البعض من المشاركة في استفتاء تقليدي.
- تعزيز الشرعية السياسية: يمكن أن يكون الاستفتاء قاعدة لأي مشروع وطني جديد، مما يمنحه مصداقية شعبية واسعة.
التحديات:
هل يمكن الوثوق بالنتائج؟
لكن مقابل هذه الإيجابيات، هناك مخاوف حقيقية تتعلق بمدى نزاهة هذا النوع من الاستفتاءات:
إمكانية التلاعب الإلكتروني: هل ستكون هناك جهة موثوقة تشرف على المنصة لضمان عدم تزوير النتائج؟
رفض الاعتراف بالنتائج: في حال جاءت نتائج الاستفتاء معارضة لخط غزة و الضفة أو بعض الفصائل، فهل سيتم الاعتراف بها أم ستبقى مجرد ورقة ضغط؟
ضعف البنية التحتية الإلكترونية: لضمان نزاهة الاستفتاء، يجب أن تكون هناك منصة موثوقة ومحمية أمنيًا، وهو تحدٍ كبير في ظل الظروف الفلسطينية، لكن يمكن تحقيقه.
لذلك، فإن نجاح الاستفتاء يتطلب إشراف جهات مستقلة، مثل مؤسسات حقوقية أو مراكز بحثية فلسطينية ودولية، مع توفير ضمانات أمنية وتقنية تمنع التلاعب أو التأثير على إرادة الناخبين.
الاستفتاء:
وسيلة تغيير أم ورقة ضغط سياسي؟
في حال تم إجراء استفتاء شعبي إلكتروني ونال دعمًا جماهيريًا واسعًا، فإن السؤال الأبرز سيكون: كيف يمكن إلزام السلطة في الضفة وغزة بنتائجه؟
إذا كان هناك توافق بين الفصائل على مخرجات الاستفتاء، فقد يكون أداة حقيقية لإصلاح المشهد السياسي.
أما إذا رفضت الأطراف المتنفذة الاعتراف به، فقد يتحول إلى مجرد ورقة ضغط سياسية تستخدمها بعض الأطراف دون أن تحدث تغييرًا ملموسًا.
هل المؤتمر الوطني الفلسطيني امتداد لاتفاق بكين؟
يأتي المؤتمر الوطني الفلسطيني في الدوحة بعد أشهر من اجتماع الفصائل الفلسطينية في بكين، والذي كان يهدف إلى تحقيق مصالحة وطنية، مما يطرح تساؤلات حول علاقته باتفاق بكين:
هل هو محاولة لتطبيق ما تم الاتفاق عليه هناك، لكن من زاوية مختلفة؟
أم أنه محاولة لإنشاء إطار سياسي بديل عن الأطر التقليدية؟
إذا كان المؤتمر امتدادًا لمخرجات اتفاق بكين، فمن المفترض أن يكون هناك توافق وطني عليه، لكن في ظل الهجوم الذي تعرض له من بعض الجهات الرسمية، يبدو أن هناك خلافات جوهرية حول أهدافه وآلياته.
نقول: هل يكون الاستفتاء الشعبي بوابة الإصلاح؟
لا شك أن الأزمة السياسية الفلسطينية معقدة، والإصلاح ليس طريقًا سهلًا. لكن ما أثبته التاريخ هو أن الإرادة الشعبية قادرة على فرض التغيير عندما تجد الوسيلة المناسبة للتعبير عن نفسها.
قد لا يكون الاستفتاء الشعبي الإلكتروني الحل النهائي، لكنه قد يكون خطوة أولى نحو إعادة بناء الثقة بين القيادة والشعب، وكسر حالة الجمود السياسي.
السؤال الآن: هل يكون هذا الاستفتاء مجرد محاولة جديدة ضمن سلسلة مبادرات لم تكتمل، أم أنه سيمثل نقطة تحول في تاريخ النظام السياسي الفلسطيني؟
م. غسان جابر (قيادي في حركة المبادرة الوطنية الفلسطينية)