12:49 صباحًا / 22 فبراير، 2025
آخر الاخبار

استراتيجية ترامب وفجوة القوة العربية: تهديد جديد للقضية الفلسطينية ، بقلم : سالي أبو عياش

استراتيجية ترامب وفجوة القوة العربية: تهديد جديد للقضية الفلسطينية ، بقلم : سالي أبو عياش


بعد تولي دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية مجدداً وما صرح به بعد ذلك من تصريحات بات يراه البعض أنه شخصية متهورة وينعته البعض ب(الأهوج)، وأنه يطلق تصريحات غير واقعية أو عقلانية، وربما غير قابلة للتنفيذ، كما هو الحال في مواقفه تجاه كندا، المكسيك، بنما، والصين، إضافة إلى تصريحاته حول التهجير الجماعي لفلسطينيي غزة، قد تبدو بعض تصريحاته عشوائية.


لكن فيما يخص القضية الفلسطينية، فإن الوضع يختلف بعض الشيء إذ يستغل ترامب حالة الضعف العربي والفلسطيني ليظهر بمظهر الرئيس القوي القادر على تنفيذ أهدافه الاستراتيجية، حيث إن موضوع التهجير الجماعي لسكان غزة، وما ترتب عليه من حالة رعب وارتباك في الأوساط العربية والفلسطينية، لم يكن مجرد فكرة عابرة أو تصريحاً متهوراً، بالنظر إلى التاريخ السياسي الأمريكي تجاه القضية الفلسطينية، نجد أن هذا الطرح يأتي في سياق مخطط متكامل، وليس مجرد تصريح أعوج، فالمواقف السابقة لترامب تدعم هذا التحليل، بدءاً من نقل السفارة الأمريكية إلى القدس والاعتراف بها عاصمة لإسرائيل، مروراً بموافقته على ضم الضفة الغربية، والدعم العسكري غير المحدود لإسرائيل في حربها على غزة، ورفضه قيام دولة فلسطينية مستقلة.

كما شمل نهجه وقف تمويل وكالة الأونروا، وإنكار الاحتلال الإسرائيلي للضفة وقطاع غزة باعتبارها أراضي “متنازع عليها” وليست محتلة.

كل هذه الخطوات تؤكد أن تصريحات ترامب حول التهجير ليست مجرد كلمات عابرة، بل جزء من استراتيجية واضحة المعالم يجب النظر إليها بعمق والتفكير فيها جيداً وحملها على محمل الجد.


لكن يبقى السؤال الأهم: لماذا يرى ترامب الوضع العربي والفلسطيني ضعيفاً إلى هذا الحد؟ رغم امتلاك الدول العربية لمقومات قوة هائلة، تشمل تعداداً سكانياً ضخماً، موارد اقتصادية واسعة، ومساحات جغرافية شاسعة، إلا أن هذه الإمكانيات لا تُترجم إلى نفوذ سياسي أو تأثير حقيقي؟


يكمن الخلل في غياب التماسك الداخلي، ضعف الديمقراطية، تفشي الفساد، وانعدام التخطيط الاستراتيجي، مما أدى إلى فجوة بين القوة الفعلية والقوة المحتملة، وعلى الجانب الآخر، تمتلك إسرائيل تحالفات قوية مع الولايات المتحدة وأوروبا، إلى جانب تفوقها في مجالات التكنولوجيا والتخطيط الاستراتيجي، مما يمنحها أفضلية في إدارة الصراعات وتحقيق أهدافها السياسية، وربما هذا التفوق عززته الاتفاقيات التي فرضت قيودا على امتلاك الأسلحة أو تطويرها وحظر استخدامها في العديد من الدول العربية.


فالمعضلة الأساسية تتمثل في سوء إدارة المتغيرات المادية، والتي تُدار أساسا من قبل السلطة السياسية، ورغم امتلاك الدول العربية للعوامل الأساسية التي قد تجعل منها قوى عظمى، إلا أنها تظل في معظمها، كيانات ضعيفة تُحكم من قبل أفراد أو عائلات تسعى للحفاظ على امتيازاتها وسلطتها، ولو كان ذلك على حساب شعوبها وقومية الوطن العربي باسره فالأنظمة السياسية السائدة في المجتمعات العربية تلعب دورا محوريا في غياب الديمقراطية.


مما يحول دون إسقاط الأنظمة الحاكمة، وتفشي الفساد الذي بدوره سيؤدي الى تدخلات خارجية لحله، هذه العوامل مجتمعة تخلق فجوة ضخمة بين القوة الفعلية والقوة المحتملة، وهي ما يمكن تسميتها بـ “فجوة القوة”، وتعود هذه الفجوة إلى سوء إدارة القوة داخليا وخارجيا من جهة، وإلى التفرق والتشتت وغياب الرؤية الموحدة من جهة أخرى.


خلال فترة رئاسة ترامب الاولى، تجلت فجوة القوة العربية في عدة محطات مفصلية، أبرزها قرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس في 2017 كما ذكر سابقاً، الذي شكل تحولاً خطراً في السياسة الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية. ورغم الغضب العربي، اقتصرت الردود الرسمية على بيانات الشجب، دون تحرك فعلي يعكس رفضاً حقيقياً، ثم جاءت صفقة القرن عام 2020، التي منحت إسرائيل شرعية السيطرة على مساحات واسعة من الضفة الغربية، ولم تستطع الدول العربية تشكيل جبهة موحدة لمواجهتها، بل إن بعض الدول سارت نحو تطبيع علاقاتها مع إسرائيل بعدما دفع بها ترامب الى ذلك المسار مستفيداً من الضغوط الاقتصادية والوعود السياسية، مما كشف ضعف القرار العربي وتباين مواقف الدول.


كما شهدت حروب غزة دعماً أمريكياً غير محدود لإسرائيل، في الوقت الذي اكتفت فيه الدول العربية بالتنديد الإعلامي دون اتخاذ إجراءات حاسمة، إضافة إلى ذلك، كان قرار قطع تمويل وكالة الأونروا عام 2018 والذي أدى الى تفاقم أزمة اللاجئين الفلسطينيين بشكل ملحوظ نتيجة غياب الدعم العربي لتعويض نقص التمويل، وقراره الأخير بوقف التمويل المالي للأجهزة الأمنية الفلسطينية.


وفي السياق نفسه، أدى انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني إلى تصاعد التوترات في المنطقة، مما كشف عن غياب التأثير العربي في رسم السياسات الدولية. لم تكن المشكلة في ضعف الإمكانيات العربية، بل في سوء إدارتها، الأمر الذي مكّن ترامب من استغلال الانقسامات العربية لصالح سياساته، ورغم امتلاك الدول العربية للموارد اللازمة، إلا أن غياب التخطيط الاستراتيجي والإرادة السياسية الفاعلة حال دون قدرتها على التأثير في مجريات الأحداث.


بعيداً عن التهديد الفعلي بالتهجير، حققت تصريحات ترامب أهدافاً خطيرة لا تقل عن التهجير نفسه، إذ أسهمت في إشغال العالم وإبعاد الأنظار عن جوهر الصراع المتمثل في الاحتلال الإسرائيلي والإبادة الجماعية والتطهير العرقي، كما أدت إلى تراجع الحديث عن الدولة الفلسطينية والتحالف الدولي لدعمها.


فهذه التصريحات غطّت على ما يجري في الضفة من تدمير وتهجير، ورسّخت احتمال ضم الضفة بموافقة أمريكية، مما كشف عن ضعف النظام الدولي وعجزه عن التصدي لخطاب يتناقض مع القانون الدولي، إضافة إلى ذلك؛ وضعت الدول العربية في موقف حرج، حيث جاءت ردود أفعالها مرتبكة وضعيفة، وسط ترقب لما قد تسفر عنه القمة العربية من خطوات عملية لمواجهة خطة ترامب.


أما على المستوى الفلسطيني، فقد بقيت السلطة في حالة جمود سياسي، إذ لم تحرك هذه التهديدات مواقف القوى السياسية في الضفة وغزة، بل استمرت الخلافات الداخلية على حالها، ما عزز تهميش القضية الفلسطينية حتى في اجتماعات الدول العربية. كما أكدت هذه التصريحات الهيمنة الأمريكية المطلقة على الشرق الأوسط، في ظل صمت الدول العربية ومحور المقاومة. وفي السياق ذاته، أثبت مخطط التهجير أن الحرب لم تهدف فقط إلى القضاء على حماس، بل كانت جزءاً من استراتيجية لإفراغ الأراضي الفلسطينية من سكانها لصالح مشروع الدولة اليهودية الخالصة.


يتجاهل ترامب في تصريحاته أن إسرائيل هي المسؤولة عن معاناة غزة وتحويلها إلى منطقة غير قابلة للحياة، وإذا كان يدّعي أن حركة حماس هي السبب، فلماذا لا يُطرح تهجير مقاتليها بدلاً من اقتلاع ملايين الفلسطينيين من أرضهم؟
مع تزامن تهجير سكان غزة مع عمليات التدمير والتهجير في الضفة، تتزايد المخاوف من محاولة تصفية القضية الفلسطينية بالكامل، وسط غياب رد فعل دولي حاسم لوقف هذه المخططات، ويزداد هذا الخطر مع التصعيد الإسرائيلي في شمال الضفة الغربية، حيث يتعرض سكانها لعمليات تهجير متواصلة، وتشهد المخيمات الفلسطينية موجات نزوح جماعي نتيجة الاقتحامات الإسرائيلية العنيفة، التي تستهدف هدم المنازل وتدمير البنية التحتية للمدن والمخيمات، هذه السياسة الممنهجة تكشف عن نية الاحتلال فرض واقع ديمغرافي جديد يخدم مصالحه التوسعية، وسط استمرار العجز الدولي عن اتخاذ خطوات حقيقية لوقف هذا التهجير القسري.


في الختام إن تصريحات ترامب حول التهجير لم تقتصر على التهديد المباشر، بل حققت أهدافاً خطيرة على عدة مستويات: فقد ألهت العالم عن جوهر الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي وأزالت الحديث عن قيام دولة فلسطينية، بينما ركزت الأنظار على تصريحات لا تتماشى مع القانون الدولي، من جهة أخرى أظهرت هذه التصريحات ضعف ردود الفعل العربية والدولية التي كانت مربكة وضعيفة. بالإضافة إلى ذلك، تزامنت هذه التصريحات مع تصعيد في الضفة الغربية وشمالها، حيث شهدت مناطق مثل المخيمات الفلسطينية عمليات تهجير قسري وهدم للمنازل والبنية التحتية، ففي ظل استمرار الصمت العربي والدولي أمام هذه المخططات سيؤدي إلى طمس القضية الفلسطينية أو القضاء عليها نهائياً
لنبقى أمام تساؤل هل سيتحرك العالم لمواجهة هذه المخططات، أم أننا أمام مرحلة جديدة من تصفية القضية الفلسطينية؟

شاهد أيضاً

تحقيقات إسرائيلية : الضيف تفوق استخباريا وأخّر "هجوم 7 أكتوبر" نصف ساعة

تحقيقات إسرائيلية : الضيف تفوق استخباريا وأخّر “هجوم 7 أكتوبر” نصف ساعة

شفا – كشفت تحقيقات أمنية إسرائيلية ملامح التفوق الاستخباراتي لدى محمد الضيف قائد كتائب القسام …