5:48 مساءً / 15 فبراير، 2025
آخر الاخبار

خطة ترامب نكبة ثانية ، بقلم : د. عقل صلاح

خطة ترامب نكبة ثانية ، بقلم : د. عقل صلاح


تعمد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تكرار حديثه عن خططه وبرنامجه لتهجير الشعب الفلسطيني من خلال الضغط على دولتي مصر والأردن لاستقبال مئات الآلاف من قطاع غزة والضفة الغربية، وهذا بحد ذاته تمهيدًا لتنفيذ نكبة ثانية بحق الشعب الفلسطيني، مما يستدعي من الكل الفلسطيني والعربي وضع الخطط الاستراتيجية لإحباط وقوع نكبة جديدة من خلال العديد من الخطوات أولها الرهان على الشعب الفلسطيني وقدرته على مواجهة هذه المخططات، فالشعب الذي صمد على الرغم من حجم الكارثة والإبادة في القطاع قادر على إحباط مشروع الرئيس ترامب.

وفي المقابل، على السلطة الفلسطينية والفصائل ومنظمة التحرير الفلسطينية التوحد والاجتماع الفوري وبمشاركة حركتي حماس والجهاد الإسلامي والإعلان عن برنامج وطني في الداخل والشتات لدعم صمود الشعب الفلسطيني، والتحرك على المستوى العربي والإقليمي والدولي، وعلى السلطة طلب اجتماع قمة عربية وإسلامية فورًا واتخاذ قرارات داعمة للقضية الفلسطينية وللشعب الفلسطيني وصموده.


بالإضافة إلى التوجه إلى المنظمات والهيئات الدولية والمؤسسات التي تهتم بحقوق الإنسان واعتبار خطة ترامب مخالفة وتتعارض مع القوانين الدولية وسيادة الدولة وحق الشعوب بتقرير المصير والتحرر من الاحتلال، وإدانة هذا المخطط ورفضه والمطالبة بحل عادل للقضية الفلسطينية. ومطلوب من السطلة الفلسطينية والأردن ومصر تشكيل لجنة عليا لتنسيق الجهود والمواقف والتحركات من أجل أن يكون الموقف واضحًا وموحدًا، والطلب من الدول العربية التحرك والدعم المطلق في رفض هذا التوجه، واتخاذ خطوات جادة وفاعلة، ويجب أن تصل إلى حد قطع العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل ومشاركة المملكة العربية السعودية في الخطط والاتفاق معها على عدم التقدم بالتطبيع مع إسرائيل قبل إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية.


إن الشعب الفلسطيني اليوم ليس هو الشعب سنة 1948، فهو اليوم قادر على الصمود والمواجهة والتحدي وسيفشل مشروع ترامب وبنيامين نتنياهو كما أفشل صفقة القرن وأفشل تحقيق أهداف إسرائيل في حربها على غزة. ويذكر أن نتنياهو طالب بإقامة دولة فلسطينية للفلسطينيين في السعودية وهذا في الدرجة الأولى اعتداء على الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية ومن ثم اعتداء على سيادة وأمن السعودية.


على الرغم من حجم الضغوط والابتزاز الذي تتعرض له كل من مصر والأردن إلا أن موقف الجانبين رافض الضغوط ولمشروع ترامب، لكن هذا يتطلب تحشيد الساحة الأردنية والمصرية الشعبية والخروج بمظاهرات وحشود داعمة للموقف الرافض لمشروع ترامب وفتح المجال للشعب في التحرك الجاد، وعلى الدولتين التحرك المباشر الدولي والطلب من المنظمات الدولية اتخاذ قرارات داعمة لسيادة دولهم وعدم تعريض أمنهم القومي للخطر وإدانة خطط وتصريحات ترامب ونتنياهو، ويجب على الدولتين اتخاذ قرارات تجاه أمريكا وإسرائيل كونهما تقيمان علاقات سلام مع إسرائيل، والتحذير بحال تم الشروع في ذلك بقطع العلاقات وسحب السفراء وإنهاء اتفاقيات السلام. وهنا يبرز السؤال الجوهري هل قادة هذه الدول قادرين على كل ما سبق؟، أعتقد أن الأيام القادمة سوف تجيب عنه من خلال الخطوات المستقبلية العملية وليس من خلال تصريحات الشجب والاستنكار. وهنا لابد من القول أن مصر والأردن سوف ترفضان ولكن موقفهما ضعيف بدون موقف عربي فلسطيني أممي موحد.


وفي الأساس يتطلب من الفلسطينيين على المستوى الشعبي الوعي والتمسك والصمود والمواجهة، وأن التعويل على الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية في إحباط هذا المشروع، كما أحبطته القدرة الشعبية الغزاوية من خلال مشاهد العودة من الجنوب إلى الشمال التي تؤكد أن الشعب الفلسطيني لا يمكن قلعه من أرضه رغم الكوارث وحجم الإبادة وحرب التجويع وتدمير غزة معماريًا وجغرافيًا، فالشعب الفلسطيني لا يمكن أن يكرر النكبة مرة ثانية، فالرهان على الهجرة تم إحباطه من قبل الشعب في القطاع.


وفي المقابل جميع الأحزاب والكتل البرلمانية الإسرائيلية رحبت بخطط ترامب، فقد رحب كل من بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش بمخططات ترامب لتهجير الفلسطينيين والسيطرة على غزة، وقد صرح سموتريتش قائلا “الآن سنعمل على دفن فكرة الدولة الفلسطينية الخطيرة بشكل نهائي”، أما نتانياهو فقد وصف فكرة ترامب بأنها “رائعة” وقال إنه يجب “درسها وتنفيذها”. وقد غادر نتنياهو واشنطن بعدما حصل على تأييد ترامب لمطالب اليمين المتطرف في حكومته، والتي تدعو إلى تهجير الفلسطينيين بشكل جماعي من غزة.


أما منظمة العفو الدولية، فقد صرحت بأن مقترحات ترامب بشأن القطاع عبثية وليست أخلاقية ولا شرعية، وهي ترفض عدم إنسانية مقترح ترامب والاستيلاء على الأراضي وسخريته من حق الشعوب في تقرير المصير. وعلى نفس المنوال أكدت جامعة الدول العربية أن طرح ترامب لتهجير الفلسطينيين من غزة وصفة لانعدام الاستقرار ولا يسهم في تحقيق حل الدولتين، وطرح ترامب ترويج لسيناريو تهجير الفلسطينيين المرفوض عربيًا ودوليًا والمخالف للقانون الدولي. وفي نفس الصدد، رد الرئيس الفلسطيني محمود عباس على تصريحات ترامب بشأن تهجير الفلسطينيين في غزة، حيث صرح “نرفض الدعوات للاستيلاء على قطاع غزة، ونرفض تهجير أبناء الشعب الفلسطيني وأرض فلسطين للفلسطينيين، وأن الشعب الفلسطيني لن يتنازل عن أرضه ووطنه وحقوقه”.


وأكّد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش “ضرورة تجنب أي شكل من أشكال التطهير العرقي، مذكّرا بحق الفلسطينيين في العيش ببساطة كبشر على أرضهم”. وحذّر الرئيسان الفرنسي إيمانويل ماكرون والمصري عبد الفتاح السيسي من أن أي تهجير قسري للشعب الفلسطيني في غزة أو الضفة الغربية سيكون غير مقبول”. ورفض الأردن والإمارات والسعودية وجامعة الدول العربية الخطة الأميركية، وكذلك الاتحاد الأوروبي. من جهتها، اعتبرت إيران أنّ طرح التهجير القسري لسكان غزة صادم، كما صرحت الخارجية الأندونيسية “نرفض بشدة أي محاولة لتهجير الفلسطينيين بالقوة أو تغيير التركيبة السكانية للأراضي الفلسطينية المحتلة”. وأدان حزب الله خطة ترامب، مؤكداً أنّ الاحتلال الإسرائيلي “لن يأخذ في السلم ما لم يأخذه في الحرب، تحت شعارات خبيثة ‏حمقاء، تريد أن ‏تستغبي شعوب العالم”.


أما على المستوى الرسمي الفلسطيني، يتطلب اتخاذ خطوات جادة أولها إتمام الوحدة الوطنية ووضع برامج داعمة لصمود الشعب الفلسطيني وتمسكه في أرضه ووقف التنسيق الأمني وقطع العلاقة مع الإدارة الأمريكية المشاركة في الحرب على الشعب والأرض الفلسطينية، والتحرك الفوري مع الأردن ومصر والدول العربية على جميع الصعد وبالتحديد دوليًا، وطلب عقد اجتماع فوري للقمة العربية الطارئة والتوجه إلى المنظمات الدولية واتخاذ قرارات جماعية من أجل فضح هذا المشروع المدمر المخالف لجميع القوانيين والأعراف الدولية؛ لأنه لا سمح الله إذا خضعت هذه الدول وتم تنفيذ هذا المشروع ستنتهي هذه الدول شعبيًا وسياسيًا وسياديًا، وسيسجل التاريخ أنهم شاركوا في تصفية القضية الفلسطينية.


ومن الضروري رفض جميع الإغراءات المقدمة من ترامب لكل من مصر والأردن من أجل استيعاب المهجرين الفلسطينيين مقابل دفع مئات المليارات لإنعاش اقتصاد هذه الدول وإجبارها على توطين الفلسطينيين النازحين والمشردين لديها. ونقلت القناة 14 عن ضابط الاستخبارات الأميركية السابق مايكل ميلستين إن ترامب بمقترحاته ربما يحاول الضغط على الدول العربية لتعزيز التطبيع بين إسرائيل والسعودية.


وعلاوة على ذلك، تم الإعلان عن تشكيل “مجموعة لاهاي” المكونة من تسع دول، دعمًا لفلسطين ولمحاسبة إسرائيل، وهذا بلا شك يمثلّ بارقة أمل، لأنّه أوّل تكتّل من نوعه على مستوى العالم يتشكّل لهذا الغرض. وفي المقابل، فإنّ المفجع في الخبر أنّ ما من دولة عربيّة بينها، والمجموعة تضمّ جنوب إفريقيا، وماليزيا، وكولومبيا، وبوليفيا، وكوبا، وهندوراس، وناميبيا، والسنغال، وجزر بليز، وتستند أهداف المجموعة إلى القانون الدولي، ومنها، العمل من أجل تقرير المصير وإقامة دولة فلسطينيّة، والالتزام بإنهاء الاحتلال ولا شرعيّة المستوطنات، ودعم تطبيق أوامر محكمة العدل الدولية ضد إسرائيل (التي رفعتها جنوب أفريقيا)، ودعم مذكّرة التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائيّة الدوليّة ضدّ نتنياهو، منع نقل الأسلحة والذخائر والمعدّات العسكريّة إلى إسرائيل، والتي قد تستخدمها في ارتكاب انتهاكات للقانون الدولي الإنساني والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وحظر الإبادة الجماعيّة، ومنع رسو السفن التي تُستخدم في نقل الأسلحة والوقود العسكري إلى إسرائيل في أيّ ميناء من موانئها، ودعت الدول الأخرى للانضمام إليها.


وفي العودة إلى الماضي الفلسطيني العريق في سنة ١٧٩٩ فقد تحطمت أحلام نابليون بونابرت على أسوار عكا وبقيت عكا وفلسطين ورحل نابليون الذي قال آنذاك “لقد تحطمت أحلامنا على أسوارك يا عكا”، واليوم يعيد الزمن نفسه من قبل ترامب الذي سيرحل كما رحل نابليون ورئيس وزراء الاحتلال الأسبق إسحاق رابين، الذي قال سنة 1992 “أتمنّى ذات مرّة أن أستيقظ من نومي فأجد غزّة قد ابتلعها البحر”، وكانت أمنيات إسحاق شامير، وشمعون بيريز، وأريئيل شارون، وشاؤول موفاز، وإيهود باراك وغيرهم، ولكن غزة هي التي ابتلعت الجيش الإسرائيلي، وسجلت المعجزة التاريخية في السابع من أكتوبر 2023، وستبقى غزة العزة، وغزة اليوم رغم الدمار والجريمة الكبرى ليست غزة سنة 1799 وسنة 1992، بل غزة التي صمدت سنة ونصف وأجبرت الاحتلال على إطلاق سراح الأسرى المؤبدات والموافقة على شروط المقاومة فهي التي انتصرت على مدار التاريخ وكانت مقبرة للغزاة سيرحل ويهزم ترامب، وستزداد غزة صلابة وقوة، وستتحطم مشاريعه على شواطئ غزة التي يطمع بغازها وموقعها هو ونتنياهو.
*كاتب وباحث فلسطيني مختص بالحركات الأيديولوجية

شاهد أيضاً

النضال الشعبي: نرفض أي محاولة لتجاوز المنظمة أو إنشاء أطر بديلة خارج إطارها

شفا – أكدت جبهة النضال الشعبي الفلسطيني على رفضها لأي محاولة لتجاوز منظمة التحرير الفلسطينية …