الأونروا على شفا الانهيار: تهديدات تتجاوز المساعدات الإنسانية وتطال الهوية الفلسطينية ، بقلم : سالي أبو عياش
تأسست الأونروا في عام 1949 لمساعدة اللاجئين الفلسطينيين الذين تركوا أو طردوا من منازلهم عام 1948، وفي عام 1967، حين سيطرت إسرائيل على القدس الشرقية والضفة الغربية وغزة، في ظل مشروعها الاستعماري الإحلالي دخلت الوكالة في اتفاق مع الحكومة “الإسرائيلية” لتقديم الخدمات للاجئين في الأراضي التي تسيطر عليها وشملت خدماتها توفير الغذاء والمساعدات الأساسية والرعاية الصحية والتعليم والمأوى وغيرها للفلسطينيين في جميع أنحاء الشرق الأوسط الذين نزحوا بسبب ذلك الصراع، فهي ليست مجرد منظمة إغاثية، بل هي شاهد سياسي وقانوني على قضية اللاجئين الفلسطينيين وحقهم في العودة، فوجودها يعترف رسمياً بمكانة اللاجئين الفلسطينيين وفقاً لقرار الأمم المتحدة رقم 194، الذي ينص على حقهم في العودة إلى ديارهم التي هُجِّروا منها عام 1948. وإذا توقفت عن العمل، سيواجه اللاجئون الفلسطينيون تحديات كبيرة في مجالات السكن والتعليم والرعاية الصحية، ويترك اللاجئين بدون دعم أساسي، ويضعهم في ظرف صعب يتطلب تفعيل جهود دولية ومحلية لتخفيف الآثار الإنسانية والاقتصادية لهذا القرار.
بالإضافة إلى ذلك، تتجاوز أهمية الأونروا بالنسبة للفلسطينيين مجرد الحصول على الخدمات الحيوية، فهم ينظرون إلى وجودها ككونه مرتبط بالحفاظ على حقوقهم كلاجئين وخصوصاً أملهم في العودة إلى ديارهم التي طردوا منها هم أو أسلافهم خلال حرب النكبة الفلسطينية لذا، وتوقفها عن العمل سيؤثر بشكل كبير على حياة اللاجئين الفلسطينيين وعلى حقوقهم التاريخية.
انتقد المسؤولين الإسرائيليين الأونروا وعملها لسنوات، زاعمين أن الوكالة تغذي المشاعر المعادية لها بين اللاجئين الفلسطينيين من خلال تشجيع حقهم في العودة، أما بعد أحداث السابع من أكتوبر أدانت الحكومة الإسرائيلية الأونروا لاختراقها من قبل عناصر حماس في غزة، وهي التهمة التي تنفيها الوكالة، لتقع بعد هذا الاتهام في خطر إنهاء عملها وإغلاق مكاتبها في القدس وقطاع غزة والضفة الغربية حيث أقر الكنيست الإسرائيلي قانوناً يحظر على وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى (الأونروا) العمل داخل إسرائيل(الأراضي الفلسطينية) لتذهب القضية الفلسطينية إلى مسارٍ صعبٍ وحالك جداً في تاريخها فالظروف الجيوسياسية الراهنة كلها تؤثر على فلسطين وقضيتها بشكل واضح ومتسارع.
يشكل وقف عمل الأونروا خطراً مباشراً على حق العودة الفلسطيني، إذ أن هذه المنظمة ليست مجرد جهة إغاثية، بل هي شاهد قانوني وسياسي على قضية اللاجئين الفلسطينيين وحقهم في العودة وفقا لقرار الأمم المتحدة رقم 194كما ذكر سابقاً، وإلغاء دورها يعني فقدان اللاجئين الاعتراف الرسمي بوضعهم القانوني، مما يسهل تصفية قضيتهم وتمهيد الطريق لتوطينهم في الدول التي لجأوا إليها، وهو ما تسعى إليه بعض الجهات لإنهاء المطالبة بحق العودة تدريجياً.
(إن اللاجئيين الفلسطينيين في دول اللجوء يعتبروا أحد أهم ركائز القضية الفلسطينية الخاصة بموضوع الديمغرافية والتي تسعى إسرائيل بشكل متواصل إلى استغلالها لصالحها فتسعى من خلال سياساتها إلى التقليل من عدد السكان الفلسطينيين وزيادة عدد المستوطنين الإسرائيليين في فلسطين من أجل قلب المعادلة القائمة على الكثافة السكانية حيث أن الكثافة الفلسطينية أعلى من الكثافة الإسرائيلية وحرمان اللاجئين من حقهم بالعودة وتوطينهم في دول اللجوء سيقلل الديمغرافية الفلسطينية بشكل كبير وبالتالي إنهاء المرتكز الأقوى وهو الوجود الفلسطيني).
كما أن إنهاء عمل الأونروا يخدم الرواية الإسرائيلية التي تدعي أن قضية اللاجئين لم تعد قائمة، مما يضعف الموقف الفلسطيني في أي مفاوضات مستقبلية علاوة على ذلك؛ فإن نقل مسؤولية اللاجئين الفلسطينيين إلى مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة بدلاً منها سيؤدي إلى التعامل معهم كلاجئين عاديين يمكن توطينهم في أماكن أخرى بدلاً من إعادتهم إلى وطنهم.
المطلع جيداً على تطور الأحداث السياسية على الساحة الفلسطينية منذ أكتوبر/2023 حتى يومنا هذا يدرك تماماً أن “شيطنة الوكالة ومحاولة إرضاخها مالياً والضغط عليها من أجل وقف خدماتها في الأراضي الفلسطينية ليست إلا محاولات تهدف لإلغاء الوكالة، والعمل على تحفيز التهجير الطوعي وتفعيل التهجير والترحيل القسري والقضاء على حق العودة كهدف أساسيّ ومركزي وضعه الكيان نصب أعينه برسم التنفيذ منذ عقود خلت وخير دليلٍ على ذلك ما نشاهده يومياً من تهجير وطردٍ للسكان الفلسطينيين من مخيمات اللجوء في محافظات شمال الضفة الغربية وتحويل منازل المواطنين إلى ثكناتٍ عسكرية أو تدميرها والقضاء عليها كما حصل في مخيم جنين ومخيم عين شمس ومخيم الفارعة في شمال الضفة الغربية وما شاهدناه أيضاً في حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة من تدميرٍ كامل لمخيمات اللجوء في قطاع غزة كمخيم جباليا والشاطئ والبريج، فإسرائيل من خلال هجومها على الأونروا من جهة وما تقوم به من أفعال وحشية تحت سياساتها بحق الفلسطينيين تحاول بالفعل إزالة اللاجئين الفلسطينيين وتاريخهم وهويتهم وحقهم غير القابل للتصرف في العودة إلى وطنهم وهو ما ضمنه لهم حق العودة.
ففي حال طبقت بالفعل تشريعات الكنيسيت الإسرائيلي بوقف عمل الأونروا في فلسطين وبعيداً عن دورها الذي تقدمه من خدمات إنسانية وصحية وتعليمية ووظائف إلى العاملين في مكاتبها وهو ضرر ربما قليل الأثر أمام أثر توطين اللاجئين الفلسطينيين في الدول التي يعيشون فيها إذ يشكل خطراً كبيراً على القضية الفلسطينية، لأنه يؤدي إلى تصفية أحد أهم عناصرها، وهو حق العودة، ويؤثر بشكل مباشر على الهوية الوطنية الفلسطينية والنضال السياسي من أجل استعادة الحقوق التاريخية، فعندما يتم توطين اللاجئين في الدول المضيفة مثل لبنان، الأردن، سوريا، وغيرها، فإن ذلك يعني إلغاء وضعهم القانوني كلاجئين فلسطينيين، مما يسهل إسقاط المطالبات الدولية بحقهم في العودة إلى ديارهم الأصلية في فلسطين المحتلة، فاللاجئ الذي يحصل على جنسية البلد المضيف لن يُعتبر لاجئاً بعد ذلك، وبالتالي لن يكون هناك مبرر سياسي أو قانوني لمطالبته بحقه في العودة إلى وطنه، فتصفية قضية اللاجئين تعني تفكيك أحد أهم عناصر القضية الفلسطينية، فبعد أن يتم إنهاء ملف اللاجئين، سيصبح من الأسهل على الاحتلال فرض رؤيته لحل نهائي يقوم على ما يتم التصريح به من قبل الحكومة الإسرائيلية من تهجير سكان قطاع غزة وتهجير سكان الضفة وضمها وازدياد البؤر الاستيطانية في الضفة الغربية وتوسيعها وما تسعى إليه في الإقليم بحد ذاته لتحقيق هدفها في الدولة اليهودية الكبرى دون الالتزام بقرارات الشرعية الدولية، مثل قرار الأمم المتحدة رقم 194، الذي ينص على حق العودة والتعويض.
إن أحد أقوى الأوراق التفاوضية في القضية الفلسطينية هو تمسك الفلسطينيين بحق العودة ورفضهم لأي محاولات لإلغائه، وبمجرد توطين اللاجئين وتوزيعهم على دول مختلفة، ستضعف هذه الورقة، وسيتم التعامل مع القضية الفلسطينية باعتبارها قضية سكان يعيشون تحت الاحتلال، وليس قضية شعب مهجَّر وسلب حقه تاريخي في وطنه، إضافة إلى تفكيك الهوية الفلسطينية، فبدلًا من أن يبقى اللاجئون متماسكين ككيان له حقوق وطنية، سيتم تحويلهم إلى مجموعات مشتتة تندمج تدريجياً في المجتمعات المضيفة وبالإضافة إلى ذلك، فإن بعض الدول العربية التي تستضيف اللاجئين تواجه تحديات اقتصادية واجتماعية، وقد يؤدي الضغط لتوطين اللاجئين إلى توترات داخلية، ما يسهم في خلق بيئة تدفع اللاجئين لقبول التوطين كحل اضطراري، وليس كخيار يحفظ حقوقهم الوطنية، لذلك إن أي مشروع لتوطين اللاجئين الفلسطينيين وليس فقط اللاجئيين وإنما الكل الفلسطيني ليس مجرد حل إنساني، بل هو خطة ممنهجة لتصفية القضية الفلسطينية تدريجياً، تبدأ بإنهاء وضع اللاجئ، ثم إسقاط حق العودة، ثم فرض تسويات سياسية لا تلبي الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني لهذا السبب، يرفض الفلسطينيون التوطين، ويؤكدون على ضرورة الحفاظ على الأونروا كرمز دولي يعترف باستمرار وجود اللاجئين وحقهم المشروع في العودة إلى وطنهم.
وفي النهاية يبدو أن حق العودة للاجئين الفلسطينيين في خطر محدق … ومُخطط التهجير والتوطين ينفذ على نار هادئة… والأونروا في خطر وجودي وكارثي… والقضية الفلسطينية في مسارٍ صعبٍ للغابة وربما حالكاً ومصيرياً لإنهائها ولا حياةَ لمن تنادي…
فهذا السيناريو إن تم تطبيقه سيؤدي إلى تخلي المجتمع الدولي والأمم المتحدة عن مسؤولياتهما التاريخية تجاه الشعب الفلسطيني، ولا يمكن أن يؤدي إلا إلى مزيد من المعاناة وعدم الاستقرار في شرق أوسط يعاني من عدم الاستقرار المزمن، وأمام هذا السيناريو واقعاً يفرض تحركاً دبلوماسياً وشعبياً للحفاظ على الأونروا كمؤسسة دولية مسؤولة عن اللاجئين الفلسطينيين، وإيجاد مصادر تمويل بديلة للحفاظ على خدماتها وضمان استمرار الاعتراف الدولي بحق العودة، حيث إن بقاء الأونروا هو جزء أساسي من الحفاظ على الهوية الوطنية الفلسطينية ومواجهة أي محاولات لتصفية القضية الفلسطينية.