11:51 مساءً / 10 فبراير، 2025
آخر الاخبار

بين الحياة والموت.. معاناة طواقم الإسعاف في شمال الضفة ، بقلم : حسام احمد بني عودة

بين الحياة والموت.. معاناة طواقم الإسعاف في شمال الضفة ، بقلم : حسام احمد بني عودة

في شوارعٍ غارقةٍ برائحة البارود، وفي أزقةٍ تسكنها صرخات الاستغاثة، يمضي مسعفٌ يركضُ بحقيبته، يداوي الجرحى بعينٍ دامعةٍ وقلبٍ يعتصره الألم. على خلفية سُحب الدخان المتمايلة فوق المباني المهدّمة، تتراقص ظلال الذكريات المؤلمة وتخلّد كلّ خطوة تخطوها الأرواح الباحثة عن نجاة وسط ليلٍ دامس.

في كل زاويةٍ من زوايا الخراب، يقف البطل المجهول على مفترق طرق يصعب فيه تمييز الحياة من الموت. فهو يواجه كل عقبةٍ، سواء كانت حاجزًا من حديدٍ متصدعٍ أو جدار إسمنتي تحاصره شظايا الزجاج والخطر، متمسكًا بوصية الإنسانية التي تناديه بالمضي قدمًا رغم تعب الطريق. هنا، حيث يتعانق الألم مع الشجاعة، يصبح المسعف بمثابة شعلةٍ تتحدى ظلام الحرب، إذ لا يُعرف للاستسلام مكان في قلبه الذي ينبض بالأمل.

وفي المستشفيات، تنتظر أعين الأطباء والكوادر الطبية الأخبار كالشموع الصغيرة التي لا تزال تضيء رغم عواصف اليأس. تتعالى النداءات في قاعات الانتظار حيث يسجل كل صوت ارتجاف صدىً من الخوف والترقب، وتزداد الحيرة مع كل دقيقةٍ تمر دون أن تُفتح طرق الإنقاذ. بين ثنايا السكون المفزع للممرات، تتجمع أصوات الهمس والصلوات التي تدعو للشفاء، وكلها ترتسم على وجوه من تحملون راية الطب في وجه الجحيم.

أما الممرضون في الميدان، فهم الجنود الصامتون في معركة ضد الزمن. يضغطون على الجروح بيدين ترتعشان من شدة الإجهاد، لكنهم لا ينثنون؛ فهم يركضون بين الأزقة وكأنهم يحاولون طعن زر الزمن بعيونٍ مُتقدةٍ وبقلوبٍ لا تعرف الاستسلام. في كل حالة إنقاذ تُكتب قصة، تُضاف صفحة من البطولة تُخلّد في سجل الكرامة الإنسانية، حتى وإن باضت دموعهم على جبين المعاناة.

وفي غرفة التنسيق، حيث يُفترض أن تُفتح الطرق للمنقذين، تكتسي الأرقام والبيانات أبعادًا من الألم. عباراتٌ باردةٌ كالسكاكين تقطع شغاف القلب: “انتظروا… سنرى”، فتتردد تلك الكلمات بين دفاتر الإجراءات كصرخةٍ مطوية في زوايا الزمن. هناك، حيث تتقاطع سياسات البيروقراطية مع شغف إنقاذ الأرواح، تصبح الآمال معلقة بخيوطٍ رقيقةٍ تهزها رياح الحيرة والانتظار الطويل.

وسط هذا المشهد المرير، يتساءل المرء: أيّ معنى للإنسانية إن مُنع الطبيب من علاج مريضه؟ وأيّ عدالةٍ تنبثق حين تُغلق الطرق أمام من يحملون شرف إنقاذ الحياة؟ لا يوجد جوابٌ يُنسي الألم؛ بل يبقى انتظارٌ طويلٌ، ونداءاتٌ تذوب في صمتٍ دوليٍّ قاتم، وممراتٌ ضيقة يعبرها المسعفون بأرواحهم قبل أجسادهم. فهم، بكل ما تحمله قلوبهم من شجاعة، اختاروا أن يكونوا في صف الحياة، رافعين راية التضحية في وجه العواصف التي لا تهدأ.

شاهد أيضاً

النرويج تستضيف مؤتمراً دولياً يطالب بتعليق عضوية دولة الاحتلال في المنظمات الدولية

النرويج تستضيف مؤتمراً دولياً يطالب بتعليق عضوية دولة الاحتلال في المنظمات الدولية

شفا – شاركت دائرة مناهضة الفصل العنصري (الأبارتهايد) في منظمة التحرير الفلسطينية في المؤتمر الدولي …