شفا -ينطلق مهرجان “ماطا”، ما بين 18 و20 مايو/أيار الجاري، وهي لعبة مبارزة فروسية ذات بعد صوفي، تتفرد بها منطقة جبالة الخاضعة إدارياً لمحافظة مدينة العرائش (شمال المغرب)، وتجري في أحضان الطبيعة. ويتنافس خلالها أمهر فرسان قبائل بني عروس على العروس “ماطا”، وفق قوانين وطقوس أثارت انتباه الباحثين الإنتربولوجيين.
وفي هذا السياق أشار نبيل بركة، نائب رئيس الجمعية العلمية العروسية للعمل الاجتماعي والثقافي، في تصريح إلى أن طقوس المسابقة تبدأ بالصلاة على النبي (صلى الله عليه وسلم)، وإطلاق النسوة للزغاريد تشجيعاً للشباب، ثم بعد ذلك تجتمع الفرق المحلية والزوار في صف واحد، يتقدمهم صاحب الدمية العروس ماطا بخمسة أمتار، ويمد يده (يتمطى) ليأخذ العروس بيد ويمسك اللجام بيد، في مظهر احتفالي سمته الأساسية أن حصان ماطا لا يسرج؛ لكونه حيواناً نبيلاً كما الفارس، “فليس من المناسب أن يفصل النبيل عن النابل بحائل ولو كان سرجاً”.
وكشف بركة أن اللعبة تمّت هيكلتها من قبل الجامعة الملكية للفروسية، لتدرج ضمن البطولات الوطنية، مشيراً إلى أن تظاهرة هذه السنة ستعرف مشاركة 16 فرقة تتكون من 165 خيالاً، لتصبح بذلك لعبة عصرية دون أن تفقد أصالتها، مشكلة في نظره فرادة ألعاب الفروسية المغربية والعالمية، على غرار مسابقة “البولو” الأرجنتينية.
كما ذكّر بالدراسات الجارية حول حصان “ماطا” لإبراز خصوصياته، لاسيما أنه خيل صغير موجود في هذه المنطقة بالذات، ويمكنه أن يجري خمس ساعات متوالية، كما يتمتع ببنية قوية تسعفه على التحمل والجري في الأرض المنبسطة والتضاريس الوعرة بما فيها الخنادق وتسلق الجبال. وهذه كلها ميزات ساهمت – بحسب المتحدث – في جعله مشروعاً اقتصادياً وسياحياً أنعش مداخيل بني عروس والمناطق المجاورة، والمشهورة في تاريخ المغرب بقيم الفروسية والجهاد ضد الغزاة، وهو ما حدا بالمنظمين بشراكة مع وزارة الثقافة، للاعتكاف على إعداد ملف من أجل تقديمه لمنظمة اليونسكو لجعل “ماطا” تراثاً إنسانياً عالمياً.
ومن جهته أشار الباحث عبدالمولى الزياتي، في تصريح إلى أن “ماطا” لعبة روحية قبل أن تكون جسدية؛ لأن امتدادها الزمني يعود إلى قطب المتصوفة عبدالسلام بن امشيش (توفي 625 هـ)، الذي أسس ضوابطها الفنية والمادية، وأنه لم يشأ لها أن تكون فضاء للتسلية، واللهو فحسب، بل امتداداً مجتمعياً للمدرسة الصوفية المشيشية الشاذلية في حث الناس على التحلي بشجاعة الفرسان”.
أما جعفر الوهابي، الباحث في التصوف، فيؤكد أنه بالرغم من اختلاف الباحثين حول أصول “ماطا”، فإنهم يتفقون على أنها لعبة حربية بامتياز، فهي تعني في نظره القتال في اللغة الإسبانية، وفي العربية مشتقة من الفعل مطا، أي سار مسرعاً.
ويضيف: بعد إلباس الدمية اللباس المغربي التقليدي، ووضع قلادة ذهب في عنقها ومبلغ مهم من المال في بطنها، يصطف الرجال بأسراب الخيول، مشكلين فرقاً تنتمي للبلدات والقرى المجاورة، كل واحد يرسم خطته للفوز بالعروس “ماطا”.
ثم تأتي 3 نساء لاختيار الشاب الذي سيدافع عن عزة قبيلته وكرامتها، وصدّه لكل من يريد أن يخطف عروسه. ويلفت إلى أن للنساء القدرة على التمييز بين شباب القرية من حيث القوة والشجاعة والتجربة في ركوب الخيل والتحكم فيها، ولهن خبرة كذلك بأجود خيول القبيلة.