ليس سهلاً أن تولد كاتبة في مجتمعاتنا، فالتاريخ قد وضع قواعده على أيدي الذكور، والشروط قد فصلت سابقاً على مقاييسهم، وعلى طول قاماتهم، وعلى معايير قوتهم وصلابتهم، وحماقاتهم أيضاً. وكان على سيدة تدخل من هذه البوابة أن تتواضع مع شروطهم أو تتطاول بالأحرى وفقها، لتحاول أن تصبح أطول أو أشرس، لكنها حتى لو حاولت فإنها ستصبح أضحوكة، فهذه هي أصلاً مقاييس الذكور، فكيف تتحول الأنثى إلى ذكر؟ كم مرة سمعت تعليقاً يقول اذهبي لمطبخك، أو عودي لدرج زينتك، أو اهتمي بشأنك «شؤون الحريم». كانت هناك أمكنة محددة سلفاً على كل النساء من دون استثناء ليتواجدن فيها ولا يتواجدن في غيرها. لست وحدي من واجه هذه الحقيقة، كثيرات قبلي وبعدي سيواجهنها، لست أفضل من أصر على عدم فهمها وعالجها، علها تتغير، ولست آخرهن، لكنني أنا كنت الأوفر حظاً بأن أشهد بداية لنهاية هذه القاعدة، وبأن الشروط لم تعد هي ذاتها وأن الأماكن أصبحت تتسع للجميع لنا ولهم إناثاً وذكوراً، وأن المعرفة المشتركة والعمل المشترك يحملاننا جميعاً نحو غد أفضل.
كانت النساء قديماً في بلادي لا يكتبن إلا عن النوافذ التي تنفتح نحو سماء الزرقاء وقمر مضيء ومدهش، لكنهن اليوم تعلمن أن يفتحن الباب ويكتبن عن الشارع وعن المواطن وعن المسؤول. تعلمن أن يطرحن السؤال وأن ينتزعن الإجابة. إنها الفرصة الجديدة التي يؤكد لنا التاريخ أنه يمتلكها دائماً. التقدم نحو الأمام. التقنية المعولمة تمطر بالمعارف والمعلومات، ولنا نحن جميعنا قاعدة العقل المشتركة نساء ورجالاً كي نعالج هذه المعرفة وفق قدراتنا الفردية ومواهبنا التي لا يمكن لها أن تتطور سوى بالتجربة. هذه هي ديموقراطية المعرفة وديموقراطية الكتابة. لا فرق بين ذكر وأنثى إلا بالمعرفة والعمل بها.
جائزة العمود الصحافي التي شرفني الشيخ محمد بن راشد بتسلمها يوم الأربعاء الماضي أمام جموع الزملاء والزميلات -في أكبر تظاهرة صحافية- احتشد منهم في صالة الحفل ذاك اليوم 1200 صحافي وصحافية قادمين من 45 دولة، يعملون في المجالات الصحافية كافة، شباباً ومخضرمين، ذكوراً وإناثاً، محترفين وهواة، كانت بمثابة شهادة حقيقية منحتني الاعتراف بأن المرأة قد وصلت إلى عالم الكتابة الجميل الملون بالتشويق والمشاركة. عالم التحدي والبحث عن الحقيقة. الذين منحوني أصواتاً كي أفوز معظمهم رجال، وبينهم أيضاً نساء وقفن بجانبي بكل محبة، أقول هذا لأؤكد أننا ننجح بهم رجالاً ونساء وبجهدنا وبدعمهم المشترك. لكنني رغم هذا سألت رئيس إدارة المجلس أمازحه، حين أخبرني بأنني أول امرأة تحصل على هذه الجائزة: هل هذه حركة تصحيحية تسببت فيها الثورات العربية؟
شكراً للشيخ محمد بن راشد صاحب هذه المبادرة العظيمة التي بدأت منذ 11 عاماً والتي أوصلتني لمحطة الاعتراف الجميل، شكراً لأعضاء مجلس إدارة الجائزة جميعاً لأنهم منحوني صوتهم. شكراً لمريم بن فهد الوجه البشوش وبقية أعضاء أمانة الجائزة. شكراً لا تكفي لكنها الكلمة الممكنة الآن، وعلى الكتابة أن تخترع غيرها كي تعبر عن مشاعري الطافحة بالشكر.