نحو(3) ضبط ردود الفعل Reactionوتصويب بوصلتها ، بقلم : د. غسان عبد الله
قاعدة علمية تقول ” لكل فعل رد فعل مساوي له في القوة ومعاكس له في الاتجاه”، في حالة ردود الفعل السلوكية قد تتغير الى محافظا على الاتجاه ومغايرا للقوة، ولهذا جاء المثل القائل :.
” عد للعشرة “، واليوم، وبحكم هول الضغوطات النفسيّة متعددة المصادر ومختلفة النتائج،واضمحلال منسوب السلم الأهلي، مع تفشي ثقافة الفئوية الضيّقة والقاتلة ، نقول عدّ ” للمئة ان لم يكن للألف”، كوننا نرى أن الانسان هو سلوك وثقافة، سلوك اما أن يكون مدروسا أو ردة فعل حيال حدث أو قول أو مشاهدة .
في حالة كونه مدروسا، يكون استجابة لحاجة بيولوجية أو سيكولوجية أو اجتماعية. ما سيتم التركيز عليه هنا هو الجانب السيكولوجي، كون الجوانب البيولوجية والاجتماعية تتقاطع فيها سلوكيات الغالبية ويمكن توقعها، ففي حالة الشعور بالجوع ترى الجميع يهرول نحو البحث عن مصدر غذاء للتخلص من جوعه،، وفي حالة الشعور بالظمأ،تراه يبحث عن مصدر لسدّ ظمأه، أما في الحالة السيكولوجية، فتراه يهيج، محدثا سلوكيات وأفعالا غير مألوفة، خاصة اذا كانت شخصيته تتسم بالمزاجية وسرعة الانفعال العفوي ويفتقر الى مهارات التعامل في مواجهة المواقف الصعبة .
نعتمد هنا في هذا التشخيص وطرح البدائل، على نهج ظنيّة الدلالة وليس قطعيتها،وبناء عليه،نرى أن هناك عوامل عديدة تقود بالشخص الى هذا النمط من ردود الفعل، والتي منها، على سبيل المثال لا الحصر:-
- انخفاض حاد لدى أحد الطرفين المتنازعين، أو كلاهما في تطبيق أسس العقيدة الايمانية مثل : ” وعد الله للكاظمين الغيظ والعافين عن الناس وبشراه للصابرين”، أضف لذلك ، رفع سقف توقعات أحد الطرفين من الاّخر، رغم الدعوة الربانية ” ولا تمننّ فتستكثر” .
⦁ المفاهيم النمطيّة المسبقة (stereotyping ) لدى المرء حيال ( شخص، صراع، مواقف )،والتي عادة ما تبنى على ما يرد لاحقا.
⦁ مصدر المعلومة / المعلومات التي وصلته والتي يجب التيقن من حقيقتها وابتعادها عن الشائعات وعدم الدقة. للأسف الشديد، ما يسود مجتمعنا اليوم هو نمط الثقافة القائمة على الاشاعة، القيل والقال، دون التيقن من دقتها وصحتها، كما يتوجب التأكد من مدى نفعها والاستفادة منها في مواجهة الحدث/ الموقف القائم المطلوب الرد عليه، وثالثا، عدم الاستخفاف بعقول الاّخرين، اذ ليس الكل يحمل نفس الرأس الذي تحمله أنت ، فالتعددية والاختلاف اّية من اّيات الخالق العظيم، فهنالك السهل والجبل وهنالك الليل والنهار مثلما هنالك الأبيض والأسود .
⦁ حالة الخواء النفسي ودوام الاضطراب والضغوطات النفسية، وما يواكبها من تنطع أو شح في الايمان بقضاء الله وقدره،مما يفاقم من حالة الصراع مع الذات وعدم التوافق النفسي،مما يقود الى ردّات فعل قد تتسم بالمتهورة.
⦁ غياب نهج وثقافة الحوار في الحياة اليومية،والتي يكون من مسببات ذلك: غياب دور المثقف والمفكر الفلسطيني في تعزيز هذا النمط من الثقافة المطلوبة ، وبالعكس تبني نهج الصمت وفي أحسن الحالات اكتفاء الغالبية منهم بدورالتصحيج و التعصب الأعمى في الرأي( عنزة ولو طارت)،وعدم الأخذ بقول الله تعالى” وجادلهم بالتي هي أحسن ” ” لكم دينكم ولي دين”، ناهيك عن ثقافة ” وما أنا الا من غزية ان غزت غزوت……) وغياب الدور المنشود من المثقف الفلسطيني في تعزيز ثقافة حريتي التفكير والتعبي، مما عزّز من تفشي دور ونهج الفئوية الضيّقة القاتلة، وما وضعنا الحالي المزريي والانخفاض الحاد في منسوب السلم الأهلي الا خير دليل .
⦁ حين يقع الحدث المتوقع حياله ردة فعل ،اما أن يتخذ الانسان سلوك فعلي( الهرب) أو ذهني( التفكيرفي جدوى طلب النجدة أو تقديم المساعدة، وقد يكون الوجوم والشلل والعجز سيد الموقف، وهذه حالة طبيعية كون الدماغ يكون في دوامة من الخوف والارتباك ولا يستجيب بشكل لا يزيد عن 80% من قدراته، وهنا تنجم حالة ما تسمى بالتجمد( fight-flight –freeze ) أو الهستيريا الجماعية، فتحدث حالالات التدافع ( flight response )، يواكب ذلك عدم القدرة على التفكيربدليل اختيار النمط السلوكي التقليدي ( stereotypical behavior ) وأحيانا اللاواعية .
⦁ العوامل التي تتحكم بردات فعلنا
⦁ حالة تردد الإنسان بين المواجهة أو الفراربسبب حالة الذعر والخوف من الخسارة الماديّة أو المعنوية
⦁ الأشخاص الذين لديهم مناعة وبنية نفسية قوية ومرنة نتيجة التنشئة الاجتماعية والتجارب الحياتية السبقة ، تكون لديهم القدرة على استيعاب حجم الصدمة والتعامل معها بطريقة عقلانية أفضل مقارنة بالآخرين.
⦁ غالبا ما تكون ردة فعلنا تجاه الحدث، مرتبطة إلى حدّ كبير بمنسوب قناعاتنا بالقضاء والقدروالفهم العقائدي السليم لمفهوم الحياة عندنا في الدنيا والاّخرة ، وتحديداً الخوف من الفقدان.ناهيك عن عدم الانصياع والعمل بموجب ” واما ينزغنك الشيطان نزغ فاستعذ بالله” الاّية 200/سورة الأعراف. لن تفوتنا هنا عظة أمير المؤمنين الإمام علي كرّم الله وجهه، عن دور ضبط النفس في مواجهة الغضب. اذ اعتبر أن التحكم في النفس أثناء الغضب ليس مجرد تصرف أخلاقي، بل هو وسيلة وقائية تحمي الإنسان من الوقوع في الأخطاء والمآزق التي قد تنشأ نتيجة ردود الفعل المتهورة
⦁ أحيانا تغيب فرص التخطيط المسبق:-هناك أشخاص أكثر عقلانية ورباطة جأش عند لزوم اتخاذ فعل ما، دون انكار أن للتجارب السابقة والتدرب المسبق لهما دور هام، وهذا ما يؤكد على ضرورة التدرب المسبق في غالبية نواحي الحياة مع التركيز على مهارة التفكير الايجابي عند المواجهة،بأقل قسط من التوتروالخوف والتهور أوالميل الى دوام استعمال الأساليب التقليدية .
⦁ يدفع الغضب بالمرء الى التسرع في اتخاذ القرارات بسبب الحالة الانفعالية التي تدفعه إلى اتخاذ قرارات أو القيام بتصرفات يندم عليها لاحقًا. كما يشير الإمام علي إلى أن” كبح النفس في لحظات الغضب يحمي الإنسان من مواقع العطب”، أي المواقف التي قد تؤدي إلى الضرر، سواء كان الضرر نفسيًا، اجتماعيًا، أو ماديًا.
لذا يكون ضبط النفس ضرورة عقلية وأخلاقية ويظهر دلالات النضج ومنع اتخاذ القرارات ذات العواقب الوخيمة وبالتالي الندم .
⦁ لذا، يتوجب التفكير والتخطيط والتريث قبل اتخاذ القرارات والتصرف، بدليل قول المصطفى “ليس الشديد في الصرعة ، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب”.
⦁ لذا من الضرورة بمكان التحلي بالهدوء والصبر، كونهما مفتاح السلامة والنجاح في التعامل مع المواقف الصعبة.ولنستذكر قول الأديب نجيب محفوظ”يمكنك أن تعرف ما إذا كان الشخص ذكيًا أم لا من خلال إجابته، ويمكنك أن تعرف ما إذا كان الشخص حكيمًا أم لا من خلال أسئلته”.
⦁ تعتبر الأسئلة المحرجة أحد المواقف التي ممكن أن نتعرض لها في حياتنا اليومية، سواء في العمل أو بين الأصدقاء والعائلة، قد تضعنا في مواقف غير مريحة إذا لم نحسن التعامل معها والرد عليها.
⦁ الأمر الذي يتطلب الحفاظ على الهدوء وضبط النفس، فهي أول قاعدة سلوكية يجب أن نتحلى بها، يمكن ذلك عن طريق أخذ النفس العميق قبل الرد ،أوالابتسام واستخدام لغة الجسد الإيجابية كدوام الوقوف ثابتا ودوام النظر الى الطرف الاّخر دون استهزاء أو حملقة ، وحتما هناك حركات جسديّة أخرى .
إقرأ أيضاً : نحو تضميد الجراح النفسية (2) أي جيل ننتظر ؟! ، بقلم : د. غسان عبدالله
إقرأ أيضاً : نحو تضميد الجراح النفسيّة على طريق التعافي (1) أنسنة العلاقة بين الجيران ، بقلم : د. غسان عبد الله
إقرأ أيضاً حول الدكتور غسان عبد الله – القدس