1:45 مساءً / 8 فبراير، 2025
آخر الاخبار

انتشار ثقافة التفاهة في المجتمع: المظاهر والعوامل والأخطار ودور التفكير النقدي في مواجهتها بقلم : د. وحيد جبران

انتشار ثقافة التفاهة في المجتمع: المظاهر والعوامل والأخطار ودور التفكير النقدي في مواجهتها بقلم : د. وحيد جبران


انتشرت ثقافة التفاهة في بعض المجتمعات، خاصة بين الأجيال الشابة التي أخذت تسعى وراء التسلية السريعة والهروب من القضايا العميقة، ولم تعد الثقافة تشجع على التفكير العميق والتحليل، بل أصبح الترفيه السريع والمحتوى السطحي هو المسيطر، وأسهمت وسائل التواصل الاجتماعي في التركيز على المظاهر والترويج لمحتويات تافهة غير مفيدة، وانشغل الأفراد بقضايا فارغة؛ مما أبعدهم عن الاهتمام بالقضايا الجوهرية التي تتعلق بالمجتمع والفكر والتطور. علاوة على ذلك، انتشرت ظواهر مثل الكذب، والخداع، والانتهازية، بشكل واسع في العديد من المجالات. كما أن انتهاك المبادئ الأخلاقية أصبح أمرًا غير مستنكر في بعض الأحيان، بل أضحى يُنظر إليه أحيانًا كمجرد وسيلة للبقاء والنجاح في ظل ضغوط الحياة العصرية.

ويعد “عصر التفاهة” ظاهرة اجتماعية وثقافية معقدة ترتبط بتفشي القيم السطحية واختلال الأولويات في المجتمعات الحديثة. لقد أصبح الاهتمام بالمظاهر والمحتويات التافهة يحظى بشعبية واسعة في العالم، حتى أضحى جزءًا من هوية العصر الحالي. تزامن هذا العصر مع التقدم التكنولوجي الذي رافقه انتشار واسع للمعلومات والأفكار عبر الإنترنت، ما جعل من السهل الوصول إلى محتوى قد لا يرقى إلى مستوى الجدية. لقد أصبحت التفاهة اليوم صناعة قائمة بذاتها تسهم في إضعاف القيم الفكرية والتربوية، وتؤثر على نحو سلبي على جودة الحياة الفكرية والاجتماعية.
لم يأت انتشار التفاهة وتعميمها من فراغ، إذ يمكن اعتبار انتشارها انعكاسًا لحالة من السطحية الثقافية في المجتمع، حيث يتم تفضيل “الترفيه السريع” و”المحتوى السطحي” على الإنتاج الفكري العميق أو المحتوى الهادف، ويعد هذا الانتشار ظاهرة معقدة تتأثر بعوامل متعددة، وتتطلب مكافحتها جهودًا مشتركة ومستمرة من الأفراد والمجتمع والمؤسسات، في مقدمتها التفكير النقدي وتوظيف مهاراته بفاعلية في المواقف المختلفة التي تبرز فيها التفاهة ومظاهرها.


في عام 2017، أصدر الكاتب “دونو” كتابه” ثقافة التفاهة”، الذي حقق انتشاراً واسعاً وصدى كبيراً على مستوى العالم. أشار فيه إلى أننا نعيش في عصر غير مسبوق حيث تتسم أنظمة الدولة الحديثة بسيطرة فئة من الأشخاص محدودي الكفاءة والتفكير البسيط على مفاصلها. وأوضح أن هذه المرحلة تتميز بظهور معايير متدنية، وتراجع القيم والجودة العالية، واختفاء الأداء المتميز، ما أدى إلى بروز شريحة من التافهين الذين باتوا يهيمنون على المشهد. في سياق مشابه، قدم الفيلسوف الفرنسي “جي ديبور” عام 1967 رؤيته في كتابه “حضارة الفرجة”، إذ وصف المجتمعات الحديثة بأنها مجتمعات استعراضية، مسلطاً الضوء على تأثير الثقافة الاستهلاكية التي تغذيها الرأسمالية ووسائل الإعلام. وأشار ديبور إلى أن الأفراد باتوا يقيسون وجودهم وأهميتهم بناءً على مدى ظهورهم في الفضاء العام، سواء عبر التلفزيون أو وسائل التواصل الاجتماعي، وعدد الإعجابات التي يحصلون عليها (الميادين، 2020).
التفاهة تعني استهلاك كلما هو سلبي، والانغماس في المحتويات السطحية والسريعة الانتشار (عويفي، 2024)، وتعني أيضا النقص في الأصالة والقيمة والأهمية وتغييب العقل، وإعادة صياغة الحقائق والقيم حسب المصالح والأهواء (السالم، 2021). ويتجلى مفهوم التفاهة في سعي الأفراد وراء التسلية السريعة وانشغالهم بقضايا فارغة، ما يبعدهم عن الاهتمام بالقضايا الجوهرية التي تتعلق بالمجتمع والفكر (ظاهر، 2024).
على نحو عام، يمكننا القول أن التفاهة هي ظاهرة اجتماعية وثقافية تشير إلى انتشار الأفكار السطحية، والقيم المادية، والاهتمامات التافهة على نطاق واسع في المجتمع، إذ بدلًا من التركيز على القضايا الجوهرية والمعرفة العميقة، ينجذب الناس إلى الأمور الترفيهية السريعة، والمعلومات الخفيفة، والأنشطة التي لا تضيف قيمة حقيقية لحياتهم.

التفاهة هي صفة تشير إلى شيء يفتقر إلى العمق أو الأهمية أو القيمة. قد تشير إلى: الأفكار عندما تكون سطحية، أو إلى الأفعال عندما تفتقر إلى المعنى أو الهدف، أو إلى الشخص عندما يفتقر إلى الرأي أو النضج أو الاهتمام بالأمور الجادة، أو إلى شيء عندما يكون بلا قيمة أو جدوى.


أشار عويفي (2024) إلى مصطلح “تعميم التفاهة” بقوله: “التفاهة ليست مجرد محتوى ترفيهي، بل يمكن اعتبارها فيروسًا اجتماعيًا ينتشر بسرعة ويؤثر في مختلف جوانب الحياة”. ويعكس انتشارها السريع تغيّرًا في قيم المجتمع واتجاهاته وسلوكياته نحو ما هو سهل وسريع وفوري، بدلًا من ما يتطلب الجهد والتفكير. لقد أصبحت التفاهة جزءًا من الحياة اليومية لعدد كبير من الناس، تؤثر في كيفية تعاملهم مع المعلومات والقضايا الكبرى.
يشير مصطلح “تعميم التفاهة” أيضا إلى انتشار محتوى سطحي وغير عميق وقليل الفائدة في المجتمع، ليصبح معيارًا سائدًا يحل محل الجودة والعمق الفكري والمعرفة الحقيقية. يرى البعض أن هذا التعميم ينتج عن هيمنة وسائل الإعلام الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي التي تشجع على نشر محتوى ترفيهي سطحي لجذب الجمهور بسرعة، ما يؤدي إلى تفضيل السهولة والتفاهة على المحتوى الهادف والمفيد.


من السهل ملاحظة مدى تفشي ظاهرة التفاهة وانتشارها في المجتمعات، خاصة بين الشباب نتيجة تأثير وسائل الإعلام الحديثة ومواقع التواصل الاجتماعي، وتراجع قيمة التفكير النقدي، إذ يتم قبول الأفكار الجاهزة دون تفكير نقدي أو تحليل. فيما يلي بعض الأمثلة الواقعية التي تعكس هذه الظاهرة:
⦁ التفاعل مع المحتوى السطحي: إذ نلحظ التفاعل الكبير في وسائل التواصل الاجتماعي مع مقاطع الفيديو التي تقدم محتوى تافهًا، مثل المقالب المبالغ فيها، أو الأغاني الهابطة، أو المحتوى الذي يركز على الاستعراض الشخصي دون مضمون فكري أو تعليمي، كما يتم تحويل القضايا الجدية إلى مادة للضحك أو السخرية على والتفاعل معها، في حين صناع المحتوى العلمي أو الثقافي من قلة التفاعل.
⦁ التحديات السطحية والمخاطر والألعاب الإلكترونية: إذ يقبل الشباب على المشاركة في مسابقات وتحديات خطيرة أو غير ذات معنى على الإنترنت، مثل “تحدي القفز من الأماكن العالية”، أو “تحدي الأكل الحار”، التي تهدف فقط إلى حصد مشاهدات، ويقضي الكثيرون، خاصة الشباب، ساعات طويلة في لعب ألعاب إلكترونية بلا فائدة تعليمية أو اجتماعية، وتحويل هذه الأنشطة إلى هدف في حد ذاتها، بدلاً من كونها وسيلة للترفيه المحدود.
⦁ تسليط الأضواء على الفنانين التافهين وتجاهل العلماء والمبدعين: إذ تحتل أخبار الفنانين والمشاهير والموضة الصفحات الأولى في الإعلام، ويعدوا ضمن “المؤثرين” الذين يقدمون نصائح حياتية، مثل “كيف تصبح ناجحًا” أو “كيف تصبح مشهورًا”، رغم افتقارهم لأي خبرة حقيقية في الحياة المهنية أو العلمية، بينما يتم تجاهل العلماء والمبدعين الذين يقدمون إسهامات حقيقية للمجتمع. وهذه الأمور تدفع الشباب إلى تفضيل الأعمال التي تتيح لهم الشهرة والربح السريع، مثل العمل كمؤثرين على الإنترنت، بدلاً من التعليم العالي أو بناء مسارات مهنية طويلة الأجل.
⦁ الهوس بالمظاهر والتقليد الأعمي: إذ ينشر الاهتمام الزائد بالمظهر الخارجي والثروة المادية على حساب القيم الداخلية، والتركيز على العلامات التجارية بدلاً من الجوهر والقيم الحقيقية، والإسراف في المادية والتباهي بالأغراض المادية، والاهتمام الزائد بالموضة والجمال على حساب القيم الأخلاقية. وازداد هوس الشباب بتقليد مشاهير وسائل التواصل في حياتهم اليومية، حتى لو كان ذلك غير مناسب لوضعهم الاجتماعي أو الثقافي، وتنامى التوجه نحو تقليد الأنماط الغربية من اللباس والسلوك وحتى القيم دون النظر إلى مدى توافقها مع القيم المحلية.
⦁ تدهور مستوى اللغة وانخفاض مستوى الخطاب العام: إذ يلاحظ تدهور مستوى اللغة في المحادثات اليومية بين الشباب، والاعتماد على مفردات شعبية أو مبتذلة تنتشر عبر الأغاني ومقاطع الفيديو، وتنامى ضعف الاهتمام بالثقافة أو اللغة الأم، مقابل الاهتمام باستخدام لغة مختلطة تعتمد على تقليد لغة وسائل الإعلام. كما تدهور مستوى النقاش العام وتبسيطه، مع التركيز على الشائعات والأخبار الزائفة بدلاً من الحوار البناء، وتسييس القضايا الحياتية اليومية وتحويلها إلى صراعات حزبية، وانتشار الكلام البذيء والشتائم في الخطاب السياسي، وضعف المشاركة السياسية الفاعلة والاهتمام بالقضايا العامة. من جانب آخر، انخفض مستوى القراءة والاهتمام بالمعرفة العميقة، واستبدالها بمرور سريع على المعلومات والمحتوى التافه والهابط عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
⦁ هيمنة ثقافة الترفيه والاستهلاك: سيطرة ثقافة الترفيه السريع والسهل على المحتوى الذي يستهلكه الناس، سواء كان ذلك عبر وسائل الإعلام الاجتماعية أو التلفزيون أو الإنترنت، وقضاء الوقت في مشاهدة البرامج التلفزيونية والألعاب الإلكترونية التافهة التي لا تضيف قيمة حقيقية للحياة، فضلا عن تشجيع الاستهلاك المفرط للسلع والخدمات، حتى وإن لم تكن ضرورية، وتوظيف الفن والثقافة لأغراض غيرر ذات قيمة.


هناك عدة نظريات ومفاهيم تناولت مسألة “تعميم التفاهة” وترويج التفاهة أو انتشار المحتوى السطحي وتأثيره على المجتمعات. تسهم هذه النظريات في توضيح كيف تطغى التفاهة على الثقافة في العصر الحالي، مشيرةً إلى أسباب اجتماعية واقتصادية وثقافية تتعلق بآليات الإعلام والاستهلاك. ومن خلالها، يمكننا فهم ظاهرة تعميم التفاهة كنتاج لنظام إعلامي وسوقي يركز على الانتشار والربح على حساب التعمق والجودة الفكرية. يساعد فهم هذه النظريات في تشخيص وفهم أسباب انتشار التفاهة وتحديد العوامل المساهمة فيها، وتطوير الحلول وتطوير استراتيجيات لمواجهة هذه الظاهرة وحماية المجتمع من آثارها السلبية، وتعزيز الوعي النقدي وتطوير تفكيرنا النقدي وتمكيننا من تقييم المعلومات والأفكار بشكل أفضل. مع العلم أنه لا يمكننا إرجاع ظاهرة التفاهة إلى نظرية واحدة محددة، بل هي نتاج تفاعل عوامل متعددة ومتشابكة.

لقد تناولت مسألة “تعميم التفاهة” كظاهرة اجتماعية وثقافية تتجلى في تبني وترويج قيم وممارسات سطحية وغير عميقة في مختلف جوانب الحياة، ما يؤدي إلى إضعاف الفكر النقدي والقيم الثقافية العميقة، عدة نظريات ومفاهيم فلسفية واجتماعية، من أبرزها (ChatGPT, 2025):
⦁ نظرية المجتمع الاستهلاكي (جان بودريار): يرى بودريار أن المجتمع المعاصر يركز على الاستهلاك بوصفه قيمة أساسية، ما يؤدي إلى استبدال المعاني العميقة بالرموز السطحية. ينتج عن ذلك شيوع التفاهة في الثقافة والإعلام، حيث تُصبح القيم المادية والمظاهر هي المعيار الأساسي.
⦁ ثقافة الصورة (غي ديبور): في كتابه “مجتمع المشهد”، يصف ديبور كيف تحولت المجتمعات الحديثة إلى مجتمعات تسودها الصور والمظاهر على حساب الجوهر. يُصبح النجاح الاجتماعي مرتبطًا بالمظاهر الخارجية، ما يُرسخ للتفاهة كظاهرة مجتمعية.
⦁ هيمنة السوق (زيجمونت باومان): يصف باومان في نظريته عن الحداثة السائلة أن السوق قد فرض نفسه على جميع جوانب الحياة، ما يجعل القيم السطحية هي المسيطرة. الفرد في هذا السياق يُصبح مجرد مستهلك، ويُركز على السهل والمريح على حساب الجودة والمعنى.
⦁ فلسفة التفاهة (آلان دونو): في كتابه “نظام التفاهة”، يشرح دونو كيف أن المؤسسات والنظم الحديثة تُشجع على تعميم التفاهة عن طريق مكافأة الأشخاص الذين يلتزمون بالقواعد السطحية ويتجنبون التفكير النقدي أو التحديات الفكرية.
⦁ النظرية النقدية (مدرسة فرانكفورت): ترى هذه المدرسة أن وسائل الإعلام والثقافة الشعبية تُستخدم كأدوات لتشكيل الوعي الجماهيري بطريقة تجعل الأفراد يتقبلون الواقع السائد دون نقد أو اعتراض. يؤدي ذلك إلى تعزيز القيم السطحية والتفاهة.
⦁ النظرية الثقافية (بيير بورديو): يركز بورديو على مفهوم “الذوق” باعتباره تعبيرًا عن السلطة الاجتماعية والثقافية. في المجتمعات التي تسيطر عليها التفاهة، يُعاد تشكيل الذوق العام بحيث يُصبح ما هو سطحي وشائع هو المعيار المقبول.
⦁ مجتمع ما بعد الحقيقة: يشير هذا المفهوم إلى مرحلة يُصبح فيها الرأي الشخصي والمشاعر أكثر تأثيرًا من الحقائق والأدلة. تُسهم هذه الظاهرة في شيوع التفاهة، حيث تُستبدل القيم الفكرية بقيم سطحية تعتمد على التأثير اللحظي.
⦁ عولمة الثقافة: يرى بعض الباحثين أن العولمة ساهمت في نشر ثقافة موحدة قائمة على الاستهلاك والترفيه، ما قلل من تنوع القيم الثقافية وأدى إلى تعميم التفاهة.
⦁ المجتمع الشبكي (مانويل كاستلز): مع تطور الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي، أصبحت القيم السطحية منتشرة بشكل كبير. المنصات الرقمية تُشجع على الانتشار السريع للمحتوى البسيط، ما يعزز تفاهة الخطاب العام.
يلاحظ أن جميع هذه النظريات تشير إلى أن تعميم التفاهة ليس ظاهرة عرضية، بل ظاهرة اجتماعية تنتج عن عمليات اجتماعية وثقافية عميقة، وتؤكد على دور القوى الاقتصادية والسياسية في تشكيل الثقافة وتوجيهها، فضلا عن أنها تشدد على أهمية التفكير النقدي والمقاومة الثقافية لمواجهة هذه الظاهرة.

العوامل التي أسهمت في انتشار التفاهة


انتشرت ثقافة التفاهة وامتدت في المجتمعات نظرا لمجموعة من العوامل التي أسهمت في ذلك، من هذه العوامل (ظاهر، 2024؛ السالم، 2021):
⦁ التأثيرالسلبي لوسائل الإعلام والتواصل: لعبت هذه الوسائل دورًا رئيسيًا في تشويه قيم المجتمع وتشجيع الأفراد على السعي وراء الشهرة السطحية، وأسهمت في نشر ثقافة التفاهة من خلال التركيز على القضايا الترفيهية والسطحية. وتقوم وسائل التواصل الاجتماعي بصناعة وتصدير بعض التافهين، وتصورهم على أنهم نجوم وقدوة.
⦁ الاهتمام بالقيم المادية: الاهتمام الزائد بالمال والمكانة الاجتماعية جعل الكثير من الأشخاص يضحون بقيمهم الإنسانية لتحقيق أهداف مادية.
⦁ التعليم السطحي: أصبح التعليم في بعض الأحيان يركز على الجوانب الأكاديمية فقط دون الانتباه للتعليم القيمي والأخلاقي، ودون أن يلعب دورا في غرس قيم التفكير النقدي والبحث عن المعرفة. كثيرا ما يؤدي عدم الوعي أو الفهم العميق للمواضيع إلى إنتاج أفكار سطحية.
⦁ تسييس التفاهة: في هذا العالم يتم إنفاق مئات الملايين لإنتاج برامج تافهة والهروب من الواقع، وأصبح «المحتوى التافه» محل الاهتمام والتطوير وتسويقه لأفراد المجتمع، وهذا أدى إلى زعزعة ثوابت المجتمعات وقيمها وأخلاقها.
⦁ تنمر التافهون: تغلغل بعض التافهين في جميع قطاعات المجتمع ومن بينها الإعلام والاقتصاد والتجارة والتعليم، وأصبحوا يتصدرون المشهد ويوجهون أفراد المجتمع كما يشاءون، لأنهم يرون أنفسهم الأفضل، غير مدركين عدم نضجهم وقلة فهمهم لأمور الحياة.
⦁ الجانب السلبي للتكنولوجي: أدى التطور التكنولوجي إلى سهولة الوصول إلى المعلومات، ولكن أيضًا إلى انتشار المعلومات المضللة والأخبار الزائفة. لقد أصبح الناس يميلون إلى المحتوى السهل والممتع نتيجة لسهولة الوصول إلى المعلومات والترفيه عبر الإنترنت.
⦁ الضغوط الاجتماعية والاقتصادية: أدت هذه الضغوط إلى دفع الناس إلى البحث عن وسائل للهروب من ضغوط الحياة اليومية، ما دفعهم إلى تبني سلوكيات تافهة. ولجوء بعض الأشخاص إلى التفاهة كآلية دفاعية للهروب من المشاكل أو الصعوبات. قد يؤدي التفاوت الاقتصادي إلى زيادة الشعور بالإحباط واليأس، ما يدفع بعض الأفراد إلى اللجوء إلى سلوكيات هدامة.
⦁ التأثير السلبي للثقافة المحيطة: تسهم الثقافة التي تشجع الاستهلاك السريع والاهتمام بالمظاهر والترفيه الخفيف في انتشار التفاهة، ويؤدي الانشغال بالمظهر الخارجي أو الشكل على حساب المضمون إلى التفاهة.
⦁ النسبية الثقافية المتطرفة: بعض التيارات الفكرية تدعو إلى قبول كل الثقافات والأفكار دون تمييز، حتى تلك التي تتعارض مع القيم الأساسية. هذا يمكن أن يؤدي إلى تلاشي المعايير الأخلاقية وتبني سلوكيات سطحية.
⦁ السعي وراء الشهرة السريعة: انتشار وسائل التواصل الاجتماعي جعل الشهرة السريعة هدفًا يسعى إليه الكثيرون، ما يؤدي إلى التركيز على المحتوى الترفيهي الخفيف والابتعاد عن المحتوى المفيد والمعمق.
⦁ الخوف من الاختلاف: الرغبة في الانسجام مع المجموعة والقبول الاجتماعي قد تدفع بعض الشباب إلى تبني سلوكيات تافهة حتى لا يظهروا مختلفين عن أقرانهم.
⦁ تراجع دور المؤسسات التقليدية: ضعف دور الأسرة والمدرسة والمؤسسات الدينية في تكوين شخصية الشباب وتوجيههم نحو القيم الأخلاقية أسهم في انتشار السلوكيات غير المسؤولة.


تعد وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي من أبرز وأهم العوامل التي أسهمت في انتشار التفاهة في المجتمع، ويمكن لمس الأثر السلبي لهذه الوسائل بسهولة لكونها الوسيط الأكثر تأثيرًا من خلال الصورة والصوت والحركة والإثارة. لقد أسهمت هذه الوسائل في إضعاف دور المثقف التقليدي، إذ تراجع دوره كمفكر ومصلح اجتماعي ليصبح أشبه بمستهلك ومتفرج يتأقلم مع تيار التفاهة السائد، ويعيش وفق الصورة التي يُظهرها للآخرين، حسب كيف يصنعها الإعلام، وليس بناءً على ما هو عليه فعليًا. في هذا السياق، تتحول الثقافة إلى منتج تجاري يخضع لقوانين السوق، حيث تُقاس قيمتها بقدرتها على تحقيق الربح السريع بدلاً من تقديم إسهامات فكرية أو إنسانية عميقة. وهكذا، أصبحت الثقافة سلعة للتسلية بدلاً من أن تكون وسيلة للإبداع والتنوير (السالم، 2021).
من المؤسف أن منصات الإعلام والتواصل الاجتماعي باتت تقدم مساحة واسعة للتافهين، الذين يروجون محتوى سطحيًا يفتقر إلى القيمة، ويجذبون الملايين من المتابعين. هؤلاء المشاهير لا يقتصر تأثيرهم على نشر التفاهة، بل أصبحوا أدوات تسويقية للشركات التي تستغل شعبيتهم للترويج لمنتجاتها، ما يزيد من شهرتهم وأرباحهم. في المقابل، تتضاءل مكانة المثقفين الحقيقيين الذين يسعون للنهوض بالمجتمع، ويُهمشون لصالح الرموز السطحية التي تفتقر إلى العمق والمعرفة.

إن هذا الواقع يثير التساؤلات حول مستقبل الثقافة الإنسانية، التي كانت يومًا ما أداة للارتقاء الروحي والفكري. كيف يمكن إعادة الاعتبار للقيم الإبداعية والإنسانية في زمن تهيمن فيه الشهرة والربحية على حساب الأصالة والوعي؟ وكيف يتوجب أن نكون واعين أيضًا لدور وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي في تشكيل الآراء والوعي العام؟ وكيف يمكن التوجه نحو تعزيز المحتوى القيم والهادف، وتوفير منصات تروّج للأفكار البناءة والنقدية وتسهم في مواجهة التفاهة ورفضها ومقاطعتها (عويفي، 2024).


تأثرت المجتمعات بشكل كبيرسلبي نتيجة تعميم التفاهة وتغلغلها، فقد أصبحت العلاقات الاجتماعية أكثر سطحية، وتدهورت القيم والأخلاق؛ ما قلل من فرص التعاون والتضامن بين أفراد المجتمع، وأثر سلبًا على التماسك الاجتماعي. وحدث تراجع في قيم الإنتاجية والإبداع، وأصبح الأفراد يميلون إلى الانشغال بالأمور التافهة بدلًا من التفكير النقدي والبناء (ظاهر، 2024). إن أخطار التفاهة في المجتمع هي كثيرة ومتشعبة، وتؤثر بشكل كبير على جميع جوانب الحياة. أحد أخطر مظاهر التفاهة بشكل كبير هو تأثيرها المباشر على الأنظمة التربوية والاجتماعية، إذ أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي، من خلال تقديم محتويات سريعة وسطحية تافهة للأطفال والجمهور الناشئ، تسهم في تقويض الجهود التربوية الهادفة إلى تعزيز التفكير النقدي والعقلاني وتحويلها إلى متفرج ومستهلك دون إدراك أو وعي (عويفي، 2024).


⦁ تغييب التفكير النقدي وقبول الأفكار الجاهزة دون تحليل، وانتشار الجهل نتيجة التركيز على الأمور التافهة، ما أدى إلى إهمال المعرفة والتعلم، وزيادة نسبة الجهل في المجتمع، وضعف المشاركة المجتمعية وتدني الاهتمام بالقضايا العامة.
⦁ تآكل القيم الأخلاقية وتراجع احترام الآخرين وضعف الروابط الاجتماعية، وصعوبة بناء علاقات عميقة نتيجة التركيز على الذات والمظهر الخارجي، ما يجعل من الصعب بناء علاقات اجتماعية قوية وصادقة. فالتفاهة تضعف العلاقات الإنسانية وتؤدي إلى انتشار النميمة والكذب والخداع.
⦁ تراجع المستوى الثقافي والاهتمام بالمحتوى السطحي ما يقلل من الرغبة في القراءة والتعلم والمعرفة، وزيادة تعرض المجتمع الذي تهيمن عليه التفاهة للتلاعب والتحكم من قبل القوى الخارجية.
⦁ تراجع الإنتاجية في جميع المجالات، سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية.
⦁ زيادة الاستقطاب والانقسام في المجتمع، وضعف الهوية الوطنية حيث تفقد المجتمعات التي تعاني من التفاهة هويتها الوطنية وقيمها الأصيلة.
⦁ زيادة الجريمة نظرا لارتباط التفاهة بارتفاع معدلات الجريمة والعنف، حيث يصبح الفرد أقل اهتمامًا بالآخرين وقيمه.

يلاحظ المتتبع لأخطار التفاهة بأنها فعلا فيروسًا اجتماعيًا ينتشر بسرعة ويؤثر في مختلف جوانب الحياة كما وصفها عويفي (2024)، وأن هذا الفيروس يحتاج إلى بنية فكرية صلبة لمواجهته من خلال التفكير في لقاحات اجتماعية ناجعة مضادة لتمدد وانتشار هذا الوباء الجديد والذي يتجاوز بشكل كبير الوباء البدني.


تترك ظاهرة تعميم التفاهة آثارًا بالغة السلبية على المراهقين والشباب، حيث تؤثر بشكل مباشر على تكوين شخصياتهم وتحديد مسار حياتهم المستقبلي، وتمس هذه الآثار الجوانب الفكرية، النفسية، والاجتماعية لهذه الفئة الحيوية من المجتمع، وتشكل أخطارا واضحة عليهم. ومن أبرز هذه الأخطار:
أولا: تراجع مستوى التفكير النقدي والإبداعي: اعتاد المراهقون والشباب على الاستهلاك السلبي للمحتوى السطحي دون تحليل أو تفكير، ما يحد من قدرتهم على التفكير النقدي وحل المشكلات، وأضعف اهتمامهم بالإبداع والابتكار لصالح الانخراط في توجهات عابرة أو تقليد الآخرين.
ثانيا: انخفاض الطموح وضعف القدوة: تُبرز ثقافة التفاهة رموزًا لا تستند إلى إنجازات حقيقية أو قيم نبيلة، ما يؤدي إلى تهميش القدوات الحقيقية التي يمكن أن تلهم الشباب، ويميل المراهقون إلى قياس النجاح والشهرة بعدد المتابعين أو الإعجابات بدلًا من تحقيق إنجازات علمية أو مهنية.
ثالثا: تشوه القيم الأخلاقية والمجتمعية: تسهم التفاهة في تعزيز قيم سطحية مثل المظهر الخارجي والشهرة على حساب القيم الإنسانية مثل التعاون، الإيثار، والتفكير العميق. ويمكن أن تؤدي إلى تطبيع السلوكيات السلبية مثل التفاخر بالماديات أو التنمر الرقمي.
رابعا: اضطرابات الهوية الذاتية: يعاني الشباب من صراع بين الصورة التي يطمحون إليها والصورة التي يُتوقع منهم تقديمها في العالم الافتراضي، مما يخلق حالة من القلق وعدم الرضا عن الذات. فضلا عن أنهم يتأثرون بضغط التوجهات السائدة، فيبتعدون عن تطوير هوية شخصية مستقلة تتماشى مع قناعاتهم الحقيقية.
خامسا: تراجع الأداء الأكاديمي والمهني: يقضي المراهقون والشباب وقتًا طويلًا في متابعة محتوى غير مفيد على حساب الأنشطة التعليمية أو تطوير مهارات مهنية، وتتأثر قدرتهم على التركيز والإنتاجية بسبب الإدمان على وسائل التواصل الاجتماعي التي تُعد أبرز منصات نشر التفاهة.
سادسا: تعميق الفجوة بين الأجيال: يُثير انتشار التفاهة مخاوف لدى الأجيال الأكبر سنًا حول مستقبل القيم والثقافة المجتمعية، مما يؤدي إلى زيادة التوتر وعدم التفاهم بين الأجيال.
سابعا: ارتفاع معدلات القلق والاكتئاب: تؤدي مقارنة الشباب المستمرة بأنفسهم مع الآخرين على وسائل التواصل الاجتماعي إلى مشاعر الإحباط والغيرة وعدم الرضا، كما أن التفاهة تسهم في تقديم نماذج زائفة عن الحياة المثالية، مما يضاعف التحديات النفسية التي تواجه الشباب.


في ظل هذا الانتشار الكبير للتفاهة، يتساءل الكثيرون كيف يمكن التصدي لهذا المد الفيروسي من التفاهة، وكيف يمكن الحد من الانتشار الواسع والسريع للمحتوى التافه والسطحي عبر الوسائط الإعلامية الرقمية. إن مواجهة ثقافة التفاهة تتطلب استراتيجيات متعددة تعزز التفكير النقدي والوعي النقدي وتنشر المحتوى العميق والمفيد عن طريق إدراج مهارات التفكير النقدي والتحليلي في المناهج التعليمية لمساعدة الطلبة على تحليل المعلومات وتقييمها بوعي وموضوعية، ودفعهم للبحث عن محتوى هادف ومفيد بدلًا من الانجراف نحو المحتوى السطحي، فضلا عن مساعدة الطلبة على فهم آليات الإعلام الحديث وطرق التأثير، وتمييز المحتوى الهادف من التافه. قبل الحديث ببعض التفصيل عن دور التفكير النقدي في مواجهة ثقافة التفاهة في المجتمع، لنستعرض فيما يأتي مجموعة من الاستراتيجيات الآخرى، علما أن التفكير النقدي يشكل حجر الزاوية في معظمها:
⦁ الترويج للمحتوى الثقافي والفكري: دعم المبادرات الثقافية والأدبية والفنية التي تقدم محتوىً راقيًا يمكن أن يكون بديلاً جذابًا للجمهور بعيدًا عن التفاهة، وإطلاق منصات وقنوات تنشر الفكر الثقافي والمحتوى القيم، وتساعد على خلق بيئة جاذبة للمحتوى الجاد.


⦁ تحفيز الإنتاج الإعلامي الهادف: تحفيز وسائل الإعلام لإنتاج محتوى ذو جودة عالية يعزز القيم الفكرية والثقافية ويجذب الجمهور بطرق مبتكرة، كالبرامج الوثائقية والمسلسلات التعليمية والمحتوى الثقافي الهادف، ودعم منصات الإعلام المستقل التي تهتم بالمواضيع العميقة والأبحاث الفكرية، والتي يمكنها أن تقدم بدائل إعلامية جدية للمحتوى السطحي، ونقد المحتوى الإعلامي وتشجيع الإعلام المسؤول، فضلا عن توفير برامج تدريبية للمهتمين بالإعلام والثقافة تمكنهم من إنتاج محتوى جاد بجودة عالية يساهم في توعية الجمهور.
⦁ التوعية حول المخاطر لثقافة التفاهة: إطلاق حملات توعية تسلط الضوء على تأثير التفاهة على المجتمع، وتوضح أهمية المحتوى الثقافي والفكري في بناء الوعي والتفكير السليم.
⦁ الاستخدام البناء لوسائل التواصل الاجتماعي: توجيه الأشخاص لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي بشكل بناء، من خلال متابعة محتوى علمي وثقافي، والانخراط في مجموعات ومنتديات تعليمية تشجع على التعلم وتطوير الذات، وتشجيع المؤثرين على نشر محتوى مفيد ومؤثر يرتقي مستوى الوعي ويكون قدوة إيجابية للجمهور، بدلاً من الترويج للتفاهة.
⦁ إعلاء قيمة الإنتاج الفكري الهادف: الاحتفاء بالمثقفين والمبدعين الذين يقدمون مساهمات ذات قيمة معرفية وفكرية للمجتمع، وتقديمهم كنماذج يُحتذى بها في وسائل الإعلام، ودعم الجوائز والمبادرات التي تكرم الابتكار الفكري والإبداع الثقافي، مما يسهم في إعلاء قيمة الجدية والفكر.
⦁ التشجيع على القراءة واستكشاف المعرفة: نشر مبادرات تشجع على القراءة والتعلم الذاتي، مثل حملات التبرع بالكتب، وإنشاء مكتبات عامة وتوفير الكتب الرقمية المجانية، ومشاركة تجارب شخصية أو قصص نجاح تعكس كيف يمكن للمعرفة العميقة أن تغير حياة الأفراد، مما يشجع الناس على الابتعاد عن الاستهلاك السلبي. وكذلك، تنظيم فعاليات تثقيفية، كحلقات القراءة والنقاشات الفكرية، لتعزيز ثقافة القراءة وتشجيع الأفراد على استكشاف المعرفة العميقة.
⦁ تعزيز ثقافة الإنتاج بدلاً من الاستهلاك: تشجيع الأفراد على أن يكونوا منتجين للمحتوى الهادف بدلاً من مجرد مستهلكين له، مثل كتابة المقالات، أو إعداد المدونات التعليمية، أو إنشاء محتوى تعليمي على الإنترنت.


التفاهة ليست مجرد وسيلة ترفيه مؤقتة، بل هي ظاهرة متجذرة تمثل تهديدًا حقيقيًا للقيم التربوية والفكرية التي تُشكل أساس تطور المجتمعات. إن بناء مجتمع مستنير يتطلب تعاون الجميع لتعزيز قيم التفكير النقدي والتحليلي، حيث تُصبح هذه القيم الحصن الذي يقي المجتمعات من الانجراف وراء موجات التفاهة والاستعراض، ويسهم في خلق أجيال قادرة على الإبداع، واتخاذ القرارات الواعية المستنيرة.
لذلك، من الضروري العمل على بناء وعي نقدي عميق يمكن الشباب من التفكير المنطقي والتحليل الدقيق للقضايا المطروحة. يتطلب هذا الوعي إعداد سياسات تعليمية شاملة تركز على تطوير مهارات التفكير النقدي منذ المراحل التعليمية الأولى، بحيث تصبح هذه المهارات جزءًا لا يتجزأ من منظومة التعليم (عويفي، 2024). ويتطلب تبني مناهج تعليمية تشجع على طرح الأسئلة والاستقصاء، وتقديم برامج تدريبية لتعليم مهارات التفكير النقدي للأفراد من مختلف الفئات العمرية، فضلا عن التشجيع على القراءة المتنوعة والعميقة نظرا لكونها تسهم بشكل كبير في تطوير مهارات التفكير النقدي الذي يلعب التفكير النقدي دورًا حيويًا في مواجهة التفاهة المنتشرة في مجتمعاتنا المعاصرة. فهو بمثابة حصن يحمي العقل من الانسياق وراء الأفكار السطحية والأحكام المسبقة. فيما يأتي توضيح كيف وأين يمكن أن يساعد التفكير النقدي في مواجهة التفاهة:
⦁ تحليل المعلومات وتقييمها: يساعد التفكير النقدي الأفراد على تحليل وتقييم المعلومات التي يتلقونها من مصادر مختلفة، وتمييز الحقائق عن الأكاذيب، والحقائق من الآراء، والتمييز بين المعلومات المضللة والأخبار الزائفة.
⦁ تحليل الحجج والأدلة: يعلم التفكير النقدي الأفراد كيفية تحليل الحجج والبراهين التي تدعم أي فكرة أو رأي، وتحديد نقاط القوة والضعف فيها.
⦁ كشف الأخطاء المنطقية: يمكّن التفكير النقدي الأفراد من اكتشاف الأخطاء المنطقية الشائعة في الحجج، مثل التعميم المفرط أو التزييف السببي.
⦁ تكوين آراء مستنيرة: يساهم التفكير النقدي في تكوين آراء مستنيرة مبنية على أدلة قوية وموضوعية، بدلاً من الاعتماد على الانطباعات الأولية أو الأحكام المسبقة.
⦁ مقاومة التلاعب: يحمي التفكير النقدي الأفراد من التلاعب الإعلامي والسياسي، ويجعلهم أقل عرضة للتأثر بالدعاية.
⦁ تشجيع الحوار البناء: يشجع التفكير النقدي على الحوار البناء والاحترام المتبادل بين الأفكار المختلفة بعيدًا عن التحيز والعنف اللفظي؛ ما يساهم في بناء مجتمعات أكثر تسامحًا.
⦁ تحفيز الإبداع والابتكار: يرتبط التفكير النقدي ارتباطًا وثيقًا بالإبداع والابتكار، حيث يدفع الأفراد إلى طرح الأسئلة وتحدي الأفكار التقليدية.


تمثل الأسرة البيئة الأولى التي يتشكل فيها الوعي، وهي تلعب دورًا حاسمًا في تشكيل فكر الأطفال ومعتقداتهم. ينبغي على الآباء والمربين تعزيز ثقافة الحوار والنقاش في المنازل، ما يساعد الأطفال على تطوير مهارات التفكير النقدي من سن مبكرة. من خلال تشجيعهم على طرح الأسئلة، ومناقشة الأخبار والأحداث الجارية، كما على الأسرة متابعة المحتوى الذي يتابعه الأطفال وتوجيههم نحو برامج ومصادر تعليمية وترفيهية مفيدة، وتجنب البرامج أو المحتويات التافهة التي تؤثر سلبًا على تفكيرهم، وغرس القيم الثقافية والفكرية لدى الأطفال منذ الصغر، وتربية الأبناء وتوجيههم نحو القيم الإيجابية. ما يجعلهم أكثر وعيًا في مواجهة ثقافة التفاهة عندما يكبرون (عويفي، 2024).

وتلعب المدرسة، كمؤسسة تعليمية، دورًا فعالًا في تنمية قدرات الطلبة ومهاراتهم، وتوفير بيئة تعليمية محفزة، والتركيز على تعليم الشباب القيم والأخلاقيات وتعريفهم بأهمية المعرفة والثقافة، وتشجيعهم على التفكير النقدي وتحليل المعلومات وتقييمها، وتوفير بيئة تشجع على القراءة والتعلم المستمر، وتوفير الموارد اللازمة لذلك، وتشجيع المشاركة في الأنشطة اللامنهجية التي تساهم في تنمية المهارات والقدرات، وتوعية الأهل بأهمية دورهم في توجيه أبنائهم وتنمية اهتماماتهم. على المؤسسات التعليمية أن تتبنى مناهج مبتكرة وبرامج تفاعلية تُحفز الطلبة على التعاطي مع المحتوى التعليمي بأسلوب نقدي، يتيح لهم طرح التساؤلات، والتحقق من المعلومات، وفهم السياقات الأعمق للقضايا. كما ينبغي أن تُعزز هذه البرامج قدرة الطلبة على التمييز بين الحقائق والآراء، وتقييم مصادر المعلومات بوعي ودقة، مستفيدين من الأدوات التكنولوجية والرقمية المتاحة. إلى جانب الجهود التربوية، يجب أن يتحمل المجتمع ككل، بما في ذلك الأسر والمجتمعات المحلية والإعلام، مسؤولية تشجيع الشباب على التفكير المستقل وتقدير المعرفة الحقيقية. فالاستثمار في تنمية الوعي النقدي ليس خيارًا، بل ضرورة ملحة لضمان أن تكون الأجيال القادمة قادرة على مواجهة التحديات بعقلية منفتحة ومبدعة، ورافضة للسطحية واللامبالاة التي تسعى التفاهة إلى تكريسها (عويفي، 2024).

أما فيما يتعلق بالمجتمع، فعليه أن يتحمل مسؤوليته في مكافحة ظاهرة التفاهة، وأن يعمل على خلق بيئة صحية للأجيال الشابة، وبناء مجتمع قيمي يقدّر العلم والمعرفة والإبداع، ودعم دور الأسرة والمدرسة والمؤسسات المجتمعية في تكوين شخصية الشباب، واالتركيز على تطوير نظام تعليمي يركز على التفكير النقدي والإبداع، ويعزز تعليم القيم الأخلاقية والمواطنة الصالحة في المدارس والمؤسسات التعليمية. كما على المجتمع العمل على تشجيع الأطفال والشباب على المشاركة في الحياة الاجتماعية والسياسية واتخاذ قراراتهم بوعي، وتشجيعهم على المشاركة المجتمعية في حل المشكلات، وبناء مجتمعات قوية تقوم على التعاون والتضامن، وتنظيم حملات توعية واسعة النطاق للتوعية بمخاطر التفاهة وأهمية القيم الإيجابية.


⦁ دراسة حالة: طرح حالات تتعلق بالتفاهة في المجتمع وأخطارها، ثم تطبيق مهارات التفكير النقدي على هذه الحالات للوصول إلى قرارات مستنيرة ترفض التفاهة وتتخذ موقفا معارضا لها بناء على أسس ومعايير واضحة.
⦁ عصف ذهني: طرح موضوع للعصف الذهني يتعلق بالتفاهة وأضرارها، والاستماع إلى أفكار المشاركين، وتسجيلها ثم تصنيفها حسب معايير محددة.
⦁ إعداد تقرير: تكليف المشاركين بمشاهدة أحد البرامج الإعلامية، وتحليله ثم تسجيل ملاحظاتهم على قيمة محتواه، وإعداد تقرير يبين المواطن التي تم الترويج للتفاهة في هذه البرامج.
⦁ مناظرة بين فريقين: تنظيم مناظرة حيث يجادل مجموعة من المشاركين بأن وسائل التواصل الاجتماعي لها تأثير إيجابي على المجتمع، بينما تجادل مجموعة ثانية بأنها تعزز ثقافة السطحية (تعميم التفاهة). أو تقوم مجموعة بتبني المحتوى الرائج لوسائل التواصل الاجتماعي وتدافع عنه، في حين تقوم مجموعة ثانية بالدفع باتجاه المحتوى العميق الهادف. سيساعد هذا المشاركين على التعبير عن آرائهم وتحليل تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على الثقافة والمعرفة بشكل نقدي.
⦁ لعب الأدوار: تعيين أدوارا مختلفة للطلبة كمؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي، أو معلمين، أو نقاد ثقافيين.
⦁ إعداد عروض تقديمية: يقوم مشاركون بإنشاء عرض تقديمي قصير يوضح الأثر السلبي لتعميم التفاهة على ثقافة الشباب.
خاتمة
إن عصر التفاهة وتراجع الاهتمام بالقيم يمثل تحديًا كبيرًا للمجتمعات المعاصرة. نحن أمام انتشار كبير وواسع لثقافة التفاهة، ونلمس تأثيرها السلبي على الأفراد المختلفين في المجتمع، خاصة المراهقين والشباب منهم. لذلك تصبح مواجهة التفاهة ضرورة ملحة. لتجاوز هذه الظاهرة. يجب على الأفراد والمجتمعات أن يعودوا إلى قيمهم الإنسانية الأصيلة، وأن يعملوا على إعادة النظر في أولوياتهم في الحياة. من خلال التركيز على التعليم القيمي، وتعزيز التفكير النقدي وتوظيفه بفاعلية، وإعادة بناء العلاقات الاجتماعية على أساس الاحترام المتبادل والمبادئ الأخلاقية، يمكننا أن نحقق التوازن بين التقدم التكنولوجي والحفاظ على القيم الإنسانية النبيلة. إن المجتمع بحاجة إلى وقفة جادة لإعادة الاعتبار للقيم الفكرية والتربوية التي تسهم في بناء وعي نقدي قوي. هذه المواجهة لا تتطلب فقط مقاطعة المحتويات التافهة، بل تتطلب أيضًا دعم المحتويات ذات القيمة من جهة، وتعزيز توظيف التفكير النقدي كمهارة حياتية يومية في مناحي حياتنا المختلفة.

شاهد أيضاً

الاحتلال يعتقل 3 مواطنين من اليامون

الاحتلال يعتقل 3 مواطنين من اليامون

شفا – اعتقلت قوات الاحتلال الإسرائيلي، اليوم السبت، 3 مواطنين من بلدة اليامون غرب جنين. …