11:15 مساءً / 5 فبراير، 2025
آخر الاخبار

الذكاء الاصطناعي الصيني: قوة تقنية للعالم بروح الحكمة الصينية ، بقلم : تشو شيوان

الذكاء الاصطناعي الصيني: قوة تقنية للعالم بروح الحكمة الصينية ، بقلم : تشو شيوان

في الآونة الأخيرة، لفت تطبيق الروبوت الذكي الصيني الناشئ “ديب سيك” (DeepSeek) أنظار العالم بتصدره قوائم التحميل في متجر تطبيقات آيفون الأمريكي، مما أثار دهشة الخبراء والمحللين في قطاع التكنولوجيا، بل إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وصف صعود شركة “ديب سيك” الصينية بأنه جرس إنذار للشركات الأمريكية، فما الذي يجعل الذكاء الاصطناعي الصيني يحظى بهذا الاهتمام العالمي الواسع؟

أولاً، يتميز “ديب سيك” بكفاءة عالية في الأداء مقابل تكلفة منخفضة. فالنموذج الذي أطلقته الشركة يمكن مقارنته من حيث الأداء بأفضل النماذج العالمية، مثل .GPT-4o ومع ذلك، فإن الفارق في التكلفة كبير جدًا. على سبيل المثال، أنفقت “أوبن إيه آي” (OpenAI) ما يقارب 78 مليون دولار لتدريب نموذج ChatGPT-4، وقد تصل التكلفة إلى 100 مليون دولار. في المقابل، بلغت تكلفة تدريب النموذج الكبير لـ “ديب سيك” أقل من 6 ملايين دولار، أي ما يعادل 5% إلى 10% فقط من تكلفة النموذج المماثل في الأداء.

هذا الانخفاض الكبير في التكلفة يعود إلى أساليب تدريب مبتكرة قللت من عتبة الدخول إلى صناعة النماذج الكبيرة، مما جعلها في متناول الشركات الناشئة وليس فقط عمالقة التكنولوجيا. فعلى سبيل المثال، تبلغ تكلفة استخدام نموذج “ديب سيك آر 1” 2.2 دولارًا أمريكيا لكل مليون رمز، بينما يصل سعر النموذج المماثل من “أوبن إيه آي” (OpenAI-o1) إلى 60 دولارًا لكل مليون رمز، أي أن تكلفة “ديب سيك” تعادل حوالي 3% فقط من تكلفة منافستها الأمريكية.

هذه التكلفة المنخفضة تعني أن النماذج الكبيرة تدخل عصرا جديدا من التطبيقات الميسورة التكلفة، مما يفتح الباب أمام استخدامات أوسع في مجالات مثل البحث العلمي والصناعات المعرفية. وهذا التقدم لا يقتصر على الجانب التجاري فحسب، بل يمتد إلى البحث الأساسي أيضا، حيث يمكن أن تحدث هذه النماذج تأثيرا كبيرا على الصناعة بأكملها.

باختصار، نجحت “ديب سيك” في تقديم نموذج ذكاء اصطناعي عالي الكفاءة بتكلفة منخفضة، مما يشكل تحديا كبيرا للشركات الأمريكية الرائدة في هذا المجال. هذا التقدم يعكس قدرة الصين على الابتكار والمنافسة في سوق الذكاء الاصطناعي العالمي، مما يضع الشركات الأمريكية أمام تحديات جديدة تتطلب منها تطوير استراتيجيات أكثر فعالية للحفاظ على موقعها الريادي.

تكلفة تطوير نموذج “ديب سيك” أقل بكثير من تكلفة تطوير النماذج الأمريكية الكبيرة الأخرى، وذلك بسبب اعتمادها على منهجية تدريب مختلفة تُحطم النهج التقليدي الذي تعتمد عليه الولايات المتحدة، والذي يركز على تراكم قوة الحوسبة. ففي المرحلة الحاسمة من تدريب النماذج الكبيرة، والتي تتمثل في تغذية البيانات التعليمية، اعتمدت OpenAI على تكديس بطاقات الحوسبة وتركيز الموارد على تعزيز قوة الحوسبة، مع استخدام كميات هائلة من البيانات لتحسين أداء النموذج. في المقابل، اختارت DeepSeek نهجًا مغايرا يعتمد على استخدام الخوارزميات لتصنيف البيانات وتلخيصها، ثم معالجتها بشكل انتقائي قبل إرسالها إلى النموذج الكبير. هذا النهج يُحقق أقصى استفادة من قوة الحوسبة المتاحة، مما يؤدي إلى خفض التكاليف وتحسين أداء النموذج بشكل ملحوظ.

ووفقًا لتقرير “اتجاهات تطور النماذج الكبيرة للذكاء الاصطناعي” الصادر عن معهد أبحاث الإنترنت الصناعي الصيني، فقد شهدت قدرات النماذج الكبيرة المحلية في الصين تحسنًا كبيرًا بحلول عام 2024 مقارنة بأفضل النماذج العالمية. وأظهرت التقييمات التي أجريت من الربع الرابع لعام 2023 إلى الربع الأول لعام 2025 أن الفجوة بين قدرات النماذج الصينية ونظيراتها العالمية قد تقلصت بنحو 75%. مما يدل على أن ظهور DeepSeek ليس مجرد “ظهور مفاجئ لحصان أسود”، بل هو نتاج طبيعي للتطور المتدرج والشامل للنماذج الكبيرة في الصين.

وعلاوة على ذلك، يشير التقرير إلى أن الاستثمارات العالمية في مجال الذكاء الاصطناعي قد بلغت 64.1 مليار دولار أمريكي في الولايات المتحدة، بينما جاءت الصين في المرتبة الثانية باستثمارات بلغت 5.5 مليار دولار أمريكي، أي ما يعادل أقل من واحد على أحد عشر من استثمارات الولايات المتحدة. وهذا يُظهر أن الصين لا تزال لديها مساحة كبيرة للتطور في مجال الذكاء الاصطناعي في المستقبل.

في الواقع، لا يهدف ظهورDeepSeek إلى استبدال النماذج الأخرى، بل إلى تقديم حلول أكثر تنوعًا وكسر احتكار النماذج الكبيرة السائدة عالميًا. كما يهدف إلى إظهار أن تطوير النماذج الكبيرة لا يعتمد فقط على قوة الحوسبة، بل يتطلب أيضا أساليب مبتكرة وفعالة، وهذا يُبرز مرة أخرى الحكمة الصينية في مجال الابتكار التكنولوجي.

شاهد أيضاً

جامعة الاستقلال تخرج دورتي اعداد مدربين محاضرين تأسيسية بالتعاون مع وزارة الداخلية

شفا – خرجت جامعة الاستقلال بالشراكة مع مركز التدريب في وزارة الداخلية الفلسطينية، اليوم الأربعاء …