في وادي الرمِّ وسينا ، بقلم : حسين جبارة
وأبي يهمسُ في أذُني لا تتركْ بيتَكَ لا تنزحْ
يهمسُ دوْمًا في أذُني
صُبحًا يهمسُ ومساءَ
أَحَدًا اثنَيْنًا وثلاثاءَ
لا يتوقفُ عنْ همسٍ في أذُني
في صحوةِ يومٍ في غفوةِ نوْمٍ يشحنُني
يشحنني رَجُلًا يتصدّى
أمّي تشحذني بعزيمةِ إيماني
بسلاحِ القبضةِ والتقوى
لا تستسلمْ أَبدًا!
مُتْ بفناء الطُّهْرِ فضاءِ الأقصى
أمّي توصيني أن أعشقَ في الدارِ ثراها
أتَجذّرَ في المرجِ وأعرقَ في الكرمِ وأحيا
أحيا بالجرحِ أُحيلُ الآلامَ دواءَ
لا تهجرْ حيًّا فيهِ حبوتَ صغيرًا
فيهِ مشيتَ صبيًّا
فيهِ عدوتَ تسابقُ ريحًا
فيهِ سهرتَ لياليَ عُمْرٍ
أصغيتَ لجدٍّ يسردُ يحكي
تعتادُ حكاياتٍ تأخذُ تسبي
جالستَ انيسًا فتصفَّحْتَ كتابا
غنيّتَ عِتابًا وصدحْتَ عَتابا
في فرحةِ جارٍ تؤوي
لا ترضَ العيشَ بشرقٍ أو غربٍ
لا تعبرْ نهرَ الغربةِ بحثًا عن أمنٍ وأمانٍ
عن لقمةِ خبزٍ أو شُرْبةِ ماءٍ
وارفضْ سَكَنًا بشمالٍ وجنوبٍ
وتمسّكْ بالأرضِ رحابًا
مسقِطَ رأسٍ، قِبلةَ قلبٍ، قبّةَ صخرٍ
لَهَفَ الأبناءِ تناجي وتناغي
بئسَ المأوى يا أبتي
بئسَ المأوى بحدائقِ وهمٍ، بقتادٍ تتدلّى
بجنانِ ضلالٍ وظلامِ ضياءٍ
بوعودِ يراعٍ وخداعٍ
ببساطِ حريرٍ رثٍّ
في وادي الرمِّ وسينا
يُملي مَوْتورٌ من خلفِ بحارٍ
بالقوّةِ مهووسٌ بالمدفعِ مسحورٌ
يفرضُ، أرفضُ أتحدّى
وطني حرّياتي لو فيهِ أعيشُ فقيرًا
لو فيهِ أجوعُ وأعرى
وعزيزاً أقضي، أحتضنُ الحتْفَ كريما
وطني عِرضي، أفضلُ بيتٍ تحتَ سمائي
بيتي صرحي، فاقً العَرْضَ وفاقَ بديلا
حسين جبارة