10:57 مساءً / 2 فبراير، 2025
آخر الاخبار

ترامبُ والتَّهجيرُ القَسريُّ ، مُخطَّطُ الهَيْمَنةِ الجَديدُ ، بقلم : ثروت زيد الكيلاني

ترامبُ والتَّهجيرُ القَسريُّ ، مُخطَّطُ الهَيْمَنةِ الجَديدُ ، بقلم : ثروت زيد الكيلاني

ترامبُ والتَّهجيرُ القَسريُّ ، مُخطَّطُ الهَيْمَنةِ الجَديدُ ، بقلم : ثروت زيد الكيلاني


لطالما لعبت السياسة الأمريكية دورًا محوريًا في تشكيل معادلات القوة في الشرق الأوسط، فلم يقتصر هذا الدور على الدعم غير المشروط لإسرائيل، بل امتد ليشمل تبني خطاب يضفي الشرعية على الحلول القسرية التي تخدم المصالح الاستراتيجية الأمريكية والإسرائيلية، في هذا السياق، جاء تصريح دونالد ترامب بأن “مصر والأردن ستفعلان ما أريده فقط” عند الحديث عن تهجير الفلسطينيين من غزة كإشارة خطيرة إلى نهج الهيمنة الذي يتجاوز مجرد دعم إسرائيل، ليمتد إلى فرض تصورات محددة على دول المنطقة. لكن هذا الخطاب ليس مجرد خروج إعلامي عابر، بل يعكس تحولات أعمق ترتبط بمشاريع اقتصادية كبرى وإعادة رسم الجغرافيا السياسية للمنطقة، تشمل مجالات حيوية مثل الطاقة والبنية التحتية التي تسعى إسرائيل للهيمنة عليها، مما يزيد من تعقيد المشهد الإقليمي ويعكس صراعات المصالح المتشابكة.


أولاً: البعد الجيوسياسي: غزة بين العزل والتفريغ الديموغرافي

  1. القناة المقترحة وعزل غزة نهائيًا
    وفقًا لخطة الجنرال الإسرائيلي غيورا آيلاند، تسعى إسرائيل إلى إنشاء قناة بن غوريون، وهي ممر مائي بمسارين يهدف إلى تشكيل بديل استراتيجي لقناة السويس. إن هذه القناة لا تمثل مجرد مشروع اقتصادي، بل تُعتبر أداةً فعالة لعزل غزة عن بقية الأراضي الفلسطينية والمصرية، مما يحولها إلى جيب محاصر مائيًا وبريًا. هذا العزل يجعل من الصعب، إن لم يكن مستحيلًا، ربط غزة بالضفة الغربية في المستقبل، ويعزز من تفكيك النسيج الجغرافي والسياسي للفلسطينيين، مما يفاقم من التحديات التي تواجههم في سعيهم نحو الاستقلال والسيادة.
    يفرض هذا الواقع الجغرافي الجديد على سكان غزة خياران قاسيان: إما القبول بالاحتلال الجديد والعيش تحت وطأته، أو مواجهة ضغوط معيشية خانقة تدفعهم نحو الهجرة القسرية. إن هذا الوضع لا يترك لهم مجالًا للتفكير في خيارات أخرى، بل يعكس حالة من اليأس والإحباط، حيث تُعزز الظروف القاسية من رغبتهم في الهروب من واقعهم المرير. وبالتالي، يتحول النزوح إلى خيار مفروض، مما يزيد من تعقيد الأبعاد الإنسانية للأزمة ويُعمق من معاناتهم في ظل غياب الحلول السياسية الفعّالة.
  2. تأثير القناة على الدور المصري والأردني
    رغم ما قد يبدو أنه مكاسب اقتصادية لمصر والأردن من مشروع قناة بن غوريون، فإن المخاطر المترتبة تفوق بكثير الفوائد المحتملة. إن فتح مسار تجاري جديد يُهدد قناة السويس، مما يعكس تهديدًا مباشرًا لأحد أهم مصادر الدخل القومي المصري، ويُضعف من مكانتها الاستراتيجية في التجارة العالمية، بالإضافة إلى ذلك، فإن تحولات البنية التحتية الناتجة عن هذا المشروع قد تفرض واقعًا جديدًا على الأردن، حيث يصبح مجرد محطة عبور للخطوط التجارية الجديدة، دون أن يكون له دور سيادي أو تأثير فعّال في رسم السياسات التجارية، حيث يعكس تآكل النفوذ الإقليمي لكلا البلدين، ويزيد من تعقيد العلاقات السياسية والاقتصادية في المنطقة، مما يثير تساؤلات حول مستقبل التعاون الإقليمي وقدرة الدول على حماية مصالحها في ظل التغيرات الجيوسياسية.
    ثانياً: البعد الاقتصادي: الغاز والتجارة كأدوات للضغط السياسي
  3. السيطرة على الغاز كمحرك أساسي
    تملك منطقة شرق البحر المتوسط احتياطات ضخمة من الغاز الطبيعي، تقدر بحوالي 3 تريليونات متر مكعب، تقع بعض هذه الاحتياطات في المياه المتاخمة لغزة. السيطرة الإسرائيلية على هذه الموارد تعني امتلاكها ورقة ضغط استراتيجية على الدول الأوروبية التي تسعى إلى تقليل اعتمادها على الغاز الروسي.
    تصاعد التوتر حول حقول الغاز ليس جديدًا، ولكن التغير في ديناميكيات الصراع—مع تدمير البنية التحتية لغزة وإمكانية إعادة رسم حدودها البحرية—يمنح إسرائيل فرصة ذهبية لإعادة ترسيم خطوط استغلال الغاز بعيدًا عن أي مطالب فلسطينية.
  4. مشروع طريق الحرير الإسرائيلي
    بالتوازي مع قناة بن غوريون، تسعى إسرائيل إلى تطوير مسارات تجارية برية تكون بديلًا عن المسارات التقليدية. هذا المشروع يتماشى مع رؤية إسرائيل بأن تصبح محورًا تجاريًا عالميًا يربط آسيا بأوروبا، متجاوزة النفوذ المصري والتركي في المنطقة.
    لا يمكن فصل هذا المشروع عن الحرب على غزة، حيث إن تفكيك سلطة حماس وتفريغ القطاع من سكانه أو إخضاعه لسيطرة إسرائيلية غير مباشرة يفتح المجال أمام تحويل الأراضي الفلسطينية إلى مجرد نقاط عبور للبضائع، وليس كيانًا سياسيًا قابلًا للحياة.
    ثالثاً: البعد الأمني: من تهديد إسرائيل إلى تهديد مصر
    إن ظهور حماس كقوة مستمرة رغم الحرب وما خلفته من دمار هائل، فإن مشاهد تبادل الأسرى وظهور مقاتلي حماس وهم يقودون سيارات حديثة ويستخدمون أسلحة متطورة أثارت قلقًا عميقًا لدى كل من إسرائيل ومصر. هذه الظواهر تعكس قدرة حماس على التكيف والاستمرار، مما يثير تساؤلات حول فعالية الاستراتيجيات العسكرية والسياسية المعتمدة من قبل الأطراف المعنية.
    بالنسبة لإسرائيل، فإن بقاء حماس المسلحة، حتى وإن كان بشكل غير مركزي، يعني أن المشروع الإسرائيلي لم يحقق أهدافه بالكامل. هذا الواقع يشير إلى فشل محاولات إضعاف حماس وإخماد صوتها، مما يعكس تحديًا مستمرًا للأمن الإسرائيلي. أما بالنسبة لمصر، فإن وجود قوة مسلحة مستقلة على حدودها قد يُشكل عامل عدم استقرار استراتيجي، خاصة في ظل عدم السيطرة الكاملة على سيناء، مما يزيد من تعقيد المشهد الأمني ويُعزز من المخاوف من تداعيات محتملة على الأمن الداخلي المصري.
    رابعاً: البعد الاجتماعي والنفسي: التشوهات الناجمة عن الحرب، وعودة المدنيين إلى أرض غير قابلة للحياة:
    تعكس المشاهد المأساوية لعودة سكان شمال غزة سيرًا على الأقدام، أو عبر عربات بدائية تجرها الحيوانات، حجم الدمار الهائل الذي لحق بالبنية التحتية. هذه الصور المؤلمة تجسد مأساة إنسانية تعكس فقدان الأمل وغياب مقومات الحياة الأساسية، مما يجعل العودة إلى الوطن تجربة مُرّة لا تُحتمل.
    إن هذا الدمار لا يقتصر على المباني المهدمة، بل يمتد ليشوه النسيج الاجتماعي الذي كان قائمًا. ففقدان مقومات الحياة الأساسية يدفع السكان إلى تحميل حماس مسؤولية الواقع الكارثي، رغم أن هذا اللوم قد يكون بعيدًا عن الحقيقة، خاصة في ظل عدم وجود بديل واضح يتجاوز قبول الاحتلال. هذا الشعور بالخيبة يعزز من الانقسام الداخلي ويزيد من تعقيد المشهد السياسي.
    في ظل هذا الوضع، تُخلق بيئة مناسبة لمحاولات إسرائيل الترويج لرواية “تحرير غزة من حماس”، ساعيةً لكسب تأييد دولي لمشاريعها المستقبلية في المنطقة. هذه الرواية تستغل معاناة المدنيين لتبرير السياسات العسكرية، مما يثير تساؤلات حول الأخلاقيات السياسية ومدى قدرة المجتمع الدولي على مواجهة هذه التحديات الإنسانية.
    النتائج والتداعيات المستقبلية
  5. إعادة تشكيل الشرق الأوسط وفق رؤية إسرائيلية
    المشاريع المطروحة ليست مجرد خطط مستقبلية، بل تحركات فعلية بدأت تتبلور على أرض الواقع، سواء عبر مشاريع البنية التحتية أو الاتفاقيات الاقتصادية التي تعزز النفوذ الإسرائيلي في المنطقة.
    تحقيق هذه الرؤية يتطلب إما تفريغ غزة من سكانها أو إخضاعها لسيطرة إسرائيلية غير مباشرة، وهو ما يفسر الضغوط السياسية والاقتصادية التي تمارس على مصر والأردن للقبول بهذه الترتيبات.
    تحييد الدور المصري والأردني في إدارة ملفات القضية الفلسطينية قد يؤدي إلى اضطرابات داخلية في كلا البلدين، حيث ستواجه الحكومات معارضة شعبية لأي خطوات قد تُفهم على أنها قبول بالخطط الإسرائيلية.
  6. تأثير السياسات الأمريكية على مستقبل الصراع
    تبني الولايات المتحدة خطابًا يمنح إسرائيل هامشًا واسعًا للتحرك يعزز من إمكانية تنفيذ هذه المخططات، سواء عبر الدعم العسكري أو عبر فرض أجندات اقتصادية تجعل من دول المنطقة مجرد أدوات لتحقيق الاستراتيجية الأمريكية والإسرائيلية.
    هذا النهج يزيد من احتمالية تصعيد الصراع على المدى الطويل، حيث إن فرض حلول قسرية لن يؤدي إلى الاستقرار، بل سيخلق جولات جديدة من العنف والمقاومة، كما أثبتت التجارب السابقة.
  7. السيناريوهات المحتملة: بين المقاومة والتكيف القسري
    في حال استمرار الضغط على غزة دون تحقيق تهجير واسع، قد تتطور المقاومة إلى أشكال جديدة، سواء عبر تحالفات إقليمية أو عبر استراتيجيات حرب استنزاف طويلة الأمد.
    أما إذا نجحت الضغوط في فرض واقع جديد، فقد نشهد تحولات جذرية في طبيعة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، حيث يصبح البعد الاقتصادي والأمني هو المحرك الأساسي بدلًا من المطالب الوطنية التقليدية.
    في جميع الحالات، فإن المنطقة مقبلة على مرحلة إعادة تشكيل كبرى، لن تتوقف تداعياتها عند حدود فلسطين، بل ستمتد لتشمل توازنات القوى في الشرق الأوسط بأكمله.
    يظهر أن خطاب ترامب ليس مجرد تصريحات عشوائية، بل هو انعكاس لاستراتيجية أوسع تهدف إلى إعادة رسم الجغرافيا السياسية والاقتصادية للمنطقة وفق رؤية إسرائيلية. ومع تزايد المشاريع الكبرى مثل قناة بن غوريون وممرات التجارة الجديدة، فإن القضية الفلسطينية تدخل مرحلة جديدة تتجاوز المواجهة العسكرية المباشرة إلى صراع على البنية التحتية والموارد. ومع ذلك، فإن محاولات فرض هذه الرؤية بالقوة لن تؤدي بالضرورة إلى استقرار دائم، بل قد تدفع المنطقة إلى مزيد من الفوضى والمواجهات، مما يجعل مستقبل الشرق الأوسط أكثر غموضًا من أي وقت مضى.
    في ظل هذه التحديات الكبرى، يتطلب الأمر من القيادة الفلسطينية اتخاذ خطوات استراتيجية تعزز الصمود الفلسطيني، وتحبط المخططات التي تهدف إلى تفريغ غزة وإعادة تشكيل الجغرافيا السياسية لصالح إسرائيل. ومن بين الخطوات المطلوبة:
  8. بناء رؤية وطنية موحدة
    تجاوز الانقسامات الداخلية بين الفصائل الفلسطينية، والعمل على تشكيل جبهة سياسية موحدة قادرة على مواجهة التحديات.
    إعادة هيكلة المؤسسات الفلسطينية لتكون أكثر تمثيلًا وفعالية في اتخاذ القرارات.
    تعزيز الوحدة بين الضفة الغربية وغزة لمنع إسرائيل من فرض واقع جغرافي وسياسي منفصل لكل منهما.
  9. تفعيل الدبلوماسية الدولية بشكل أكثر فعالية
    توظيف التحولات الدولية، خاصة تغير مواقف بعض الدول تجاه إسرائيل، لحشد دعم أكبر للقضية الفلسطينية في المحافل الدولية.
    الضغط على الدول العربية والإسلامية لاتخاذ مواقف أكثر صرامة تجاه المشاريع التي تهدد الوجود الفلسطيني، خاصة فيما يتعلق بالتهجير القسري.
    التواصل مع القوى الدولية المؤثرة، مثل الاتحاد الأوروبي والصين وروسيا، لضمان عدم احتكار الولايات المتحدة لرسم مستقبل فلسطين والمنطقة.
  10. تعزيز الصمود الاقتصادي والاجتماعي
    الاستثمار في مشروعات تعزز الاعتماد على الذات، خاصة في القطاعات الزراعية والصناعية والطاقة، لتقليل التبعية الاقتصادية لإسرائيل.
    تشجيع المبادرات الشبابية والاقتصادية داخل فلسطين، لتوفير فرص عمل والحد من الهجرة الناتجة عن تدهور الأوضاع المعيشية.
    تطوير برامج دعم للأسر الفلسطينية في غزة والضفة، خاصة في ظل محاولات تفريغ القطاع من سكانه.
  11. استثمار المقاومة السياسية والشعبية
    دعم حركات المقاومة الشعبية السلمية مثل المقاطعة الاقتصادية لإسرائيل (BDS)، وتعزيز الحملات الدولية التي تكشف الانتهاكات الإسرائيلية.
    الحفاظ على زخم المقاومة بكافة أشكالها، مع تطوير استراتيجيات جديدة تجعل من استمرار الاحتلال مكلفًا سياسيًا واقتصاديًا لإسرائيل.
    تعزيز الوجود الفلسطيني في المناطق المستهدفة بالاستيطان والتهجير، مثل مناطق C في الضفة الغربية والقدس الشرقية.
  12. إعادة تعريف العلاقة مع الدول العربية
    عدم الاكتفاء بردود الفعل على التحركات الإسرائيلية، بل العمل على صياغة مبادرات عربية تعزز الحضور الفلسطيني في المعادلة الإقليمية.
    الضغط على الدول المطبّعة مع إسرائيل لمنع تحول اتفاقيات التطبيع إلى أداة لفرض أجندات إسرائيلية على حساب الحقوق الفلسطينية.
    تعزيز الدور الفلسطيني في مشاريع التعاون الإقليمي، مثل مشاريع الطاقة والربط التجاري، لضمان عدم استبعاد فلسطين من هذه المعادلات.
  13. مواجهة المخططات الإسرائيلية إعلاميًا وسياسيًا
    إنشاء مراكز بحثية وإعلامية متخصصة في كشف المخططات الإسرائيلية، خاصة فيما يتعلق بمشاريع مثل قناة بن غوريون وخطط تهجير الفلسطينيين.
    استخدام وسائل الإعلام الدولية ومنصات التواصل الاجتماعي لفضح الانتهاكات الإسرائيلية، وكسب تعاطف الرأي العام العالمي.
    تطوير استراتيجية إعلامية فلسطينية موحدة، تواجه الرواية الإسرائيلية التي تسوّق نفسها على أنها الطرف المتضرر من الصراع.
    ختامًا، القيادة الفلسطينية اليوم أمام تحدٍّ تاريخي يتطلب رؤية موحدة، وتحركات دبلوماسية واقتصادية مدروسة، وتعزيز صمود الشعب الفلسطيني في وجه مشاريع التهجير والتطبيع القسري. فالمعركة لم تعد عسكرية فقط، بل أصبحت معركة بقاء سياسي واقتصادي، تتطلب استراتيجيات جديدة تعيد للفلسطينيين زمام المبادرة، بدلاً من أن يكونوا مجرد طرف يتلقى الصدمات.

شاهد أيضاً

إصابات بالاختناق خلال اقتحام قوات الاحتلال بلدة الخضر

شفا – أُصيب عدد من المواطنين بالاختناق خلال اقتحام قوات الاحتلال، مساء اليوم الأحد، بلدة …