7:44 مساءً / 31 يناير، 2025
آخر الاخبار

تنين فلسطين القائد زكريا الزبيدي ، بقلم : محمود جودت محمود قبها

تنين فلسطين القائد زكريا الزبيدي ، بقلم : محمود جودت محمود قبها

تنين فلسطين القائد زكريا الزبيدي ، بقلم : محمود جودت محمود قبها


هو ذا “زكريا الزبيدي” الاسم الذي أضحى أسطورة محفورة في الذاكرة الفلسطينية وملحمة تتردد صداها في أزقة المخيمات وبين حجارة الطرقات التي شهدت صولاته وجولاته هو الفتى الذي شبّ في أزقة مخيم جنين محاطًا برائحة البارود وصدى الرصاص فتَشرَّب البطولة حتى صار أحد رموز الانتفاضة الفلسطينية و واجه المحتل وجهًا لوجه دون تردد أو خوف بل بإيمان لا يلين.

“تنين فلسطين” ليس لقبًا أطلقه أحدهم عليه جزافًا بل كان ذلك التوصيف الذي اجتمع عليه الأعداء قبل الأصدقاء إذ بدا وكأنه كائن أسطوري ينجو من الموت حين يكون قاب قوسين أو أدنى ويتخطى المصائد التي حيكت له بدهاء ويخرج من بين الركام ليعيد ترتيب أوراق النضال رغم الخسارات ليؤكد أن فلسطين لا تموت وأن الرجال الصادقين وإن خفتت أصواتهم فإن أفعالهم تهدر كالرعد في سماء الحرية.

الملحمة الأولى: مقاوم رغم الجراح

وُلد الزبيدي عام 1976 في مخيم جنين ذاك المخيم الذي بات رمزًا للمقاومة حيث تنفس هواءً مشبعًا بروح التحدي وترعرع في كنف عائلة دفعت الثمن باكرًا في مسيرة النضال الفلسطيني لم يكن غريبًا أن يجد نفسه في قلب الأحداث منذ الانتفاضة الأولى فتدرج في مسيرة المقاومة حتى بات أحد قادتها متربعًا على رأس كتائب شهداء الأقصى في جنين لم يكن مقاتلًا عاديًا بل كان ذا رؤية يفهم أن للمعركة وجوهًا عدة فحمل البندقية حين وجب حملها واتجه نحو المسرح حين رأى أن الكلمة لا تقل وقعًا عن الرصاصة.

لقد كان الزبيدي أحد أبرز المطلوبين لقوات الاحتلال وكانت حياته سلسلة من الملاحقات والمواجهات نجا خلالها من أربع محاولات اغتيال وفي كل مرة كان يعود أقوى كأنه يُعيد تشكيل ذاته من بين الركام كطائر الفينيق الذي ينهض من رماده ليواصل رحلته لكن هذه المواجهة لم تكن بلا ثمن فقد خسر والدته وشقيقه في اجتياح مخيم جنين عام 2002 خلال عملية “الدرع الواقي” حين حولت آلة الحرب الإسرائيلية المخيم إلى ساحة دمار.

ورغم ذلك لم يعرف قلب “التنين” اليأس بل ازداد تصميمًا على مواصلة الطريق لكن المسيرة النضالية تأخذ منحنيات مختلفة ففي عام 2007، حصل الزبيدي على عفو إسرائيلي ضمن اتفاق مع السلطة الفلسطينية فقرر التخلي عن العمل المسلح والانخراط في مشروع “المقاومة الثقافية” ليعيد إحياء مسرح الحرية في جنين كان يرى في الفن وسيلة أخرى لمواجهة الاحتلال فلم يكن الاحتلال مجرد دبابة وجندي بل كان محاولة ممنهجة لطمس الهوية الفلسطينية.

الملحمة الثانية: الهروب من الجحيم

لكن الاحتلال لا ينسى أعداءه فسرعان ما ألغى العفو في 2011 وعاد الزبيدي إلى قائمة المطلوبين ثم جاءت لحظة الحسم في 2019 حين تمكنت القوات الإسرائيلية من اعتقاله لتزج به في السجن لكن “تنين فلسطين” لم يكن ليقبل القيد طواعية فبعد عامين فقط كان بطلًا في واحدة من أكثر عمليات الهروب إذهالًا في تاريخ الاحتلال الإسرائيلي.

في 6 سبتمبر 2021 صُعِق العالم بخبر هروب ستة أسرى فلسطينيين من سجن جلبوع ذاك السجن الذي يوصف بـ”الخزانة الحديدية” لشدة تحصينه غير أن هؤلاء الأبطال بقيادة الزبيدي شقوا طريق الحرية بملعقة حفروا بأيديهم نفقًا تحت أعين السجانين ليخرجوا إلى الهواء الطلق في عملية هزت كيان الاحتلال لم يكن الهروب مجرد حدث أمني بل كان رسالة للعالم بأسره أن إرادة الحرية لا تُهزم وأن الفلسطيني حتى وهو مكبل في أكثر الزنازين تحصينًا يستطيع أن يشق طريقه نحو الشمس.

غير أن فرحة الحرية لم تدم طويلًا فبعد أيام من المطاردة أعادت قوات الاحتلال اعتقال الزبيدي ورفاقه لكنه لم يكن الأسير ذاته فقد خرج من السجن أقوى وأكثر تصميمًا على أن يبقى شوكة في حلق المحتل.

الملحمة الثالثة: الفقد والثبات

وكأن القدر يأبى أن يترك هذا الرجل إلا بعد أن يذيقه كل ألوان الفقد فبينما كان الزبيدي قابعًا في الأسر كان الاحتلال يواصل استهداف مخيم جنين مسقط رأسه وكأنه يحاول اجتثاث كل أثر له هناك في سبتمبر 2024 كانت الضربة الأقسى حين تلقى خبر استشهاد نجله محمد الذي قُصف في مركبته ليكون امتدادًا لقافلة الشهداء في عائلته بعد شقيقه داود الذي استشهد في 2022 وأمه وشقيقه في 2002.

خرج الزبيدي من السجن لكنه لم يعد إلى المخيم الذي احتضنه صغيرًا فقد قررت سلطات الاحتلال منعه من دخوله وكأنها تخشى أن يعود إلى عرينه أن يلمس حجارة المخيم أن يستنشق رائحة التراب المشبع بدماء الشهداء كان الاحتلال يدرك أن الزبيدي ليس مجرد فرد بل هو ذاكرة جمعية ورمز لا يموت وأن المخيم قد ينهض من تحت الركام بمجرد أن تطأه قدماه.

التنين الذي لا يموت

لم تكن حكاية زكريا الزبيدي مجرد قصة مقاوم عابر بل هي تجسيد لحكاية فلسطين بأسرها فلسطين التي تُضرب فتنزف لكنها تواصل السير فلسطين التي تفقد أبناءها لكنها لا تنحني فلسطين التي يحاولون حبسها خلف الأسوار لكنها تحفر بملعقة نفقًا نحو الحرية.

هو “تنين فلسطين” ليس لأنه يفترس خصومه بل لأنه لا يُقهر لأنه يخرج من بين الرماد أقوى لأنه يجسد ذاك الفلسطيني الذي لا يتوقف عن الحلم حتى وهو في أحلك اللحظات هو ابن المخيم الذي حاولوا كسره فصار أيقونة هو الثائر الذي فقد كل شيء لكنه لم يفقد الإيمان بأن فلسطين ستبقى.

قد يمنعونه من دخول مخيم جنين قد يحاولون طمس أثره لكنهم لن يستطيعوا محو حكايته فزكريا الزبيدي لم يعد مجرد شخص بل صار رواية متجددة تروى من جيل إلى جيل وكما أن المخيم لا يموت فإن “تنين فلسطين” سيظل خالدًا في الذاكرة ما دام هناك طفل في جنين يرفض الركوع وما دامت فلسطين تنبض بالحياة.


ابن الشبيبة الفتحاوية
ابن العاصفة
د . محمود جودت قبها

شاهد أيضاً

إسرائيل تشكل وحدة أمنية لحماية سكان الضفة الغربية من اعتداءات المستوطنين

إسرائيل تشكل وحدة أمنية لحماية سكان الضفة الغربية من اعتداءات المستوطنين

شفا – أعلن جهاز حرس الحدود الإسرائيلي عن إنشاء وحدة خاصة لمواجهة “انتهاكات القانون” في …