لكُم فرحُكم.. ولي حُزني! بقلم : بثينة حمدان
هل عاهدت نفسي أن لا أفرح؟ ومن أنا لأعاهد نفسي؟! أنا التي لم أستطع الوقوف إلى جانب ذاتي كما يكفي، أنا التي أبكتني الحرب والإبادة، هدّني وهني وضعفي في أن أكون عوناً لشعبي في غزة التي تبعد عنا ساعتين، غزة التي منحتني أجمل الأوقات، الطيبة المعطاءة المفرحة الجميلة، وهي ما بقي من ساحل فلسطين التاريخية.
أقف أمام جراحكِ وهذا النزيف، أمام الشهداء ومشهد الأكفان الذي لا تنساه الذاكرة، أمام الأشلاء التي لم أستطع النظر إليها، أقف أمام صراخ الأطفال الذي مايزال يُدَوي في أذني، ودموع الأمهات والآباء الثكالى التي لا تجف، أقف أمام حجم الدمار الذي لا يوصف، الأماكن التي زرتها، المباني القديمة، معالم غزة الجميلة التي أبيدت، والكثير من الشخصيات التي لا أتخيل غزة بدونها.
بعد كل حرب يبدأ شبح “الانتصار” يخيم علينا، ويفتح الباب أمام جدل لا نصل عبره إلى شيء، سوى المزيد من التعصب والخلاف، بينما القضية الحقيقية هي الإنسان الفلسطيني والأرض الفلسطينية!
إلى غزة الحبيبة، إلى الذين عبّروا عن فرحهم، إلى الذين عبّروا عن حزنهم أيضاً، وهؤلاء الذين وزعوا الحلويات فرحاً بالهدنة أو بالنصر أو بأي شيء، إلى المستهجنين والمنتقدين، الحكاية ببساطة أنني لا أستطيع إلا أن أقف إلى جانب الإنسان، لن أفرح، فقلبي محفور بوجع إبادة شعبي في غزة، وبحزنٍ عميق على أصوات الأطفال التي أنهكتني، والذين صرخوا من تحت الركام ولم يجدوا يداً تنقذهم فاستشهدوا برعب ووجع وصمت، قلبي محفورٌ بوجع الأمهات والآباء وقهرهم على أطفالهم الذين احترقوا واستشهدوا أو تقطعت أطرافهم، وتيبست وَجَنَاتهم وصارت ابتساماتهم حلماً.
لا يفرحني شيء، سوى عودة غزة للحياة بسلام ودفء وعدالة، وعودة ابتسامة تلك الطفلة، وغزة محررة وحرة ومعمرة، هذا هو فرحي، فرحُكُم وحلوياتكُم لن يعيدا غزة، بل هما النهاية السعيدة فقط لأي فيلم درامي تراجيدي طويل، لكن الفيلم أو حرب الإبادة لم تنته بعد، فقد بدأ الناس بغزة بعد وقف إطلاق النار بتفحص ركامهم وبيوتهم وأحلامهم، بدأتْ صحوَتُهم من الصدمات التي تعرضوا لها، فحجم الموت والدمار لا يوصف.
لكنني ومع ذلك أتركُ لكم فرحكم، والفرح يجعلنا نرضي ذواتنا ونُشيح بوجهنا عن شاشات الأخبار ونتابع حياتنا، فالحرب توقفت ولقد انتصروا! أما الحزن فيُحرِّكنا، وأن نكون واقعيين يشحذنا لنواصل المشوار مع من بدأوا للتوّ رحلة معاناتهم وحربهم الثانية من آثار الإبادة ومخطط التهجير.
أترُكُ لكُم فَرَحُكُم فاتركوا لي حزني.