نحو تضميد الجراح النفسيّة على طريق التعافي (1) أنسنة العلاقة بين الجيران ، بقلم : د. غسان عبد الله
مع تفاقم وتعدد مصادر الضغوطات النفسيّة وانعكاساتها السلبية المهولة التي بدأنا نشهدها على كافة فئات المجتمع الفلسطيني وبدرجات متفاوتة، بغض النظر عن: الجنس، العمر، الخلفية التعليمية والثقافية والحالة الاقتصادية، نتيجة تكالب قوى الشر والطغيان، اضافة الى مواصلة نهج الاقصاء .
في ظل مثل هذه الحالة، ونظرا لكون العين بصيرة واليد قصيرة ،جرّاء شح الامكانيات والأدوات وغياب القسط المطلوب من ثقافة الصحة النفسية، يكون لزاما على المختصين تقديم النصح والارشاد المهني السليم لكافة قطاعات الشعب ، وفق احتياجاته ومستواها، لتكن بمثابة ادوات اسعاف أولي قابلة للتطبيق من قبل الشخص ذاته أو بشكل جماعي، بعيدا عن الشعوذة والهرطقة والمتاجرة بأحوال الناس التعسة .
تطرقنا في حلقات سابقة وتحت عناوين مختلفة الى دور الأسرة في التخفيف من حدة اّثار هذه الضغوطات النفسية، وذلك من خلال:
⦁ ترسيم وتحديد نمط العلاقات التي تحكم جميع من ينتمي مباشرة / غير مباشرة لهذا المجتمع المصغّر، دون اغفال دور الروضة و المدرسة/ والجامعة وبقية المؤسسات المجتمعية الأخرى .
⦁ الابتعاد عن الافتراض assuming بأن الكل لديه/لديها الوعي والمعرفة والدراية اللازمة بما يتوجب عمله أو تجنبه
⦁ اعتماد نهج التربية الإيجابية والتي من بعض سماتها التربية على الاعتماد على الذات self- reliance والشراكة المسؤولة participatory approach وتنطيم وإدارة الوقت self- regulationا إضافة الى تبني نهج الحوار بدلا من إعطاء الأوامر والصراخ
نحن هنا بصدد التعرض، وباقتضاب الى دور وأثر العلاقات الايجابية بين الجيران للانتقال من حالة المعاناة الى حالة التعافي بعد تضميد الجراح السيكولوجية الناجمة عن مثل تلك الضغوطات النفسيّة، جراء المصادر التي ذكرناها وغيرها.
نظرا لتركيبة نمط الا الأسرة ، سواء كانت ممتدة extended family أو عائلة نووية nuclear family ، لن تجد انسانا بدون علاقات مع جيرانه،, وبالتالي تنشأ علاقات متبادلة بين الطرفين، والتي نتوخى أن تتحلى بالسيرة الحسنة الطيبة، تماما كشجرة الزيتون التي لا تنمو سريعا ولكنها تعيش طويلا .
لضمان ذلك ولايجاد أجواء من شأنها أن تعكس اّثارا ايجابية بغية العيش في ظل أقصى درجات الراحة النفسيّة، نقترح هنا ما يلي :
⦁ العمل بموجب ما أوحت اليه الديانات السماوية الثلاث، ومنذ القدم، بأهمية بالغة لضرورة حسن وطيب العلاقة بين الجيران، من خلال تبيان حقوقه وواجباته والتعرض لبعض الواجبات نحوه، لدرجة أن البعض كان ينظر الى جاره كصاحب بيت، يأتمنه على الكثير من الأسرار والمواد المادية والعينية، اذ كنا نسمع كثيرا قول ” لا شيء ممنوع للجار سوى السلوكيات التي تمس العرض والشرف .لذا كنت ترى الجار دوما سندا لجاره في الأفراح والأتراح، مما يولد لدى بقية أفراد الأسرة علاقات وطيدة من شأنها المحافظة على تعزيز واستدامة السلم الأهلي المنشود مما يعمل على توفير الراحة النفسيّة والتكافل الأسري والمجتمعي وحماية النسيج الاجتماعي حصيلة تسارع الجميع نحو تقاسم الخبرات والتجارب ومشاركة المسؤوليات في تقديم المساعدة وعمل الخير والذود عن حقوق جاره، وانتشار المحبة والود بعد أن عرف والتزم كل منهم حدوده وكفّ عن الحاق أي أذى، مهما صغر، بجاره،
⦁ عدم الهمز واللمز والاستغابة بين الجيران ولو عن طريق المزاح والمداعبة ,
⦁ تعزيز قيم العفو والسماح بين الجيران، مع تفهم وتحمل هفواته وانفعالاته ، وتحسين فرص الاحسان وعمل المعروف مع ذاك الجار, دون تمنن ” ولا تمنن تستكثر” الاية 6 سورة المدثر .
⦁ المبادرة الى طرح وافشاء السلام بين الناس لما لذلك من وقع طيب على القلوب ، ناهيك الى كونه ذلك فرض عين والرد عليه فرض كفاية،مع الحفاظ على دوام السمة والوجه الباسر النضر ” وجوه يومئذ باسرة” ووجوه يومئذ ناضرة22+ 24 سورة المدثّر .
⦁ نقترح الاكثار من الزيارات العائلية المبرمجة وبمواعيد مسبقة وكذلك الرحلات المشتركة لما لها من تأثير على زيادة فرص تبادل الحوار والتجارب
⦁ كما هناك فوائد جمّة في توظيف التراث والجكايا الشعبية ودو الأجداد والدات في سرد مثل هذه القصص
⦁ يغفل الكثير من عن أهمية القراءة المشتركة في كسر الجمود الموجود للأسف بين علاقات الجيران، وعليه نقترح تشكيل لجان الكتاب في كل مجمع سكني ويا حبذا الشروع في بدء تأسيس مكتبات صغيرة في كل حي من الأحياء السكنية القائمة .
⦁ الارشاد المهني الحقيقي في بناء أسس علاقات الاحترام المتبادل والقبول بالاختلاف والتعددية الفكرية وبناء أواصر بناء المحبة (كزيارة المريض والمشاركة في الأفراح والأتراح وتلبية الدعوات قدر الامكان، وتفقد أحواله) وبالتالي الشعور بأن هناك سندا بمثابة أخ لك لم تلده أمك يمكنك الاستغاثة به وقت الشدائد .
بهذا يكون الجار بمثابة مصدر تخفيف الضغوطات النفسية عن جاره، تماما كجدول الماء الذي لا يحمل فقط ماء، بل ويمنح الأرض من حوله خضار وجمال، ونكون قد اكتسبنا علاقة جيران مستدامة بغض النظر عن طول أو قصر الفترة الزمنية، كونها تركت اّثارا طيبة كرائحة المسك والعنبر، كل هذا كون الجار قد قام بتذويت قول شاعرنا المقدسي عزالدين أبو ميزر ” الأخلاق هي الجندي المجهول للانسان ” ، وابعد عن الشعارات الطنانة والبراقة بخصوص الحقوق والواجبات العديدة للجار التي يتوجب عدم المساس بها عمدا أو بغير عمد.
إقرأ المزيد حول الدكتور غسان عبد الله – القدس