![سالي أبو عياش](https://www.shfanews.net/wp-content/uploads/2024/12/37.jpg)
“حرب موسعة مع اليمن”… هل نتنياهو أمام حرب مفتوحة مع اليمن؟ بقلم : سالي أبو عياش
في الآونة الأخيرة وبعد وقف النار في لبنان وسقوط نظام بشار الأسد في سوريا والتصعيدات المستمرة في الشرق الأوسط باتت التساؤلات حول اليمن ومصيرها تساؤلات منطقية خاصة أن اليمن كانت إحدى جبهات الاسناد الأساسية لقطاع لغزة منذ بداية الحرب واليوم باتت الوحيدة.
توعدت الحكومة الإسرائيلية لليمن بعدما قامت بتصعيد دورها الاسنادي بإرسالها المسيرات الإنقضاضية ” يافا”، والصواريخ الفرط صوتية من طراز “فلسطين 2″، وفي هذا السياق، أثبتت اليمن دورها الاسنادي والمتواصل بدعمه للقضية الفلسطينية والحرب على قطاع غزة، هذه الأسلحة، التي طُوّرت بتكلفة أقل مقارنةً بالأسلحة التقليدية، استطاعت التغلب على أحدث منظومات الدفاع الجوي مثبته فعاليتها أمام المنظومة الدفاعية الإسرائيلية كالقبة الحديدة ومقلاع داود وغيرها من المنظومات التي تكلف إسرائيل مبالغ مالية طائلة من أجل اعتراض هذه المسير ات والصواريخ، وبهذا يشكل التصعيد اليمني تحدياً اقتصاديا الى جانب كونه سياسياً إذ أن هذه الهجمات تمثل ضغطًا اقتصاديا كبيرا نظرا لتكلفة الصواريخ الاعتراضية التي تُستخدم للتصدي للهجمات فأقل تكفله للصاروخ الاعتراضي حوالي 50 الف دولار والاعلى قد تصل الى 3 ملايين دولار، مقارنة بذلك فإن تكلفة تصنيع الصواريخ والمسيرات اليمنية منخفضة نسبيا ما يجعل هذا النوع من الحرب الاقتصادية فعالا إذ أن الهجمات اليمنية تجبر الخصم على استنزاف موارده الاقتصادية من اجل الدفاع عن أمن سكانه، إن الهجمات اليمنية الأخيرة استهدفت مواقع استراتيجية بعناية، بما في ذلك منشآت حيوية وقواعد عسكرية هذه الهجمات لم تكن فقط لرفع تكلفة الحرب على الطرف الآخر، بل لفرض حالة من القلق الدائم وتعطيل الأنشطة اليومية والاستراتيجية، وبهذا التحول أثبتت اليمن أنها لاعبا استراتيجيا قادرا على تغيير المعادلات في المنطقة مستخدما وسائل فعالة قليلة التكلفة ولكن عالية التأثير، في معركة قد تطول وتتوسع لتشمل تداعيات سياسية وعسكرية أوسع نطاقا.
إن القادة الإسرائيليين في المؤسستين العسكرية والأمنية يدركون حجم التحديات التي يفرضها اليمن كطرف صعب المراس في هذه المعركة فالتقييم الإسرائيلي يشير بوضوح إلى أن ترويض اليمن أو إجباره على التراجع عن مواصلة عملياته العسكرية ليس بالأمر السهل، وأن استهداف قدراته العسكرية والتسليحية، بما يشمل مخزونه من الصواريخ الفرط صوتية والطائرات المسيّرة الإنقضاضية، لا يمكن تحقيقه بشكل كامل من خلال الهجمات الجوية وحدها بل يحتاج الى عمليات برية ويعود ذلك بسبب المسافة الجغرافية بين اليمن وإسرائيل حيث تبلغ حوالي 2000 كم، هذه المسافة تتطلب تنفيذ غارات جوية ناجحة إرسال طائرات دعم لتزويد المقاتلات بالوقود أثناء تحليقها، وهو أمر يزيد من التعقيد دون ضمان تحقيق أهداف استراتيجية واضحة، في غصون ذلك تشير التقديرات الإسرائيلية إلى أن القضاء على القدرات اليمنية بشكل كامل يتطلب شن حرب برية واسعة النطاق، وهو خيار محفوف بالمخاطر بالنظر إلى الطبيعة الجغرافية الصعبة لليمن وبيئته العسكرية المعقدة، ولتحقيق ذلك تحتاج إسرائيل إلى تأسيس قواعد عسكرية في دول مجاورة لليمن، لتكون نقطة انطلاق أقرب للعمليات العسكرية الجوية والبرية، لكن تحقيق هذا الهدف يتطلب توافقا إقليميا.
في الأيام القليلة الماضية شنت إسرائيل هجوما واسعا على اليمن وكان بمشاركة ودعم من القوات البحرية الأمريكية والبريطانية، جاء هذا الهجوم أثناء إلقاء السيد عبد الملك الحوثي لكلمته. واستهدفت الغارات الجوية مطار صنعاء الدولي، وميناء الحديدة– ومحطات الطاقة والكهرباء. هذا العدوان شُن في وقت حرج تزامنا مع وجود بعثات أممية في اليمن، من بينها مدير منظمة الصحة العالمية والمنسق المقيم للأمم المتحدة، ويعكس هذا التصعيد بوضوح حالة العجز الإسرائيلي عن مواجهة اليمن بصورة مباشرة، حيث بدا أنه محاولة منه لتعويض الفشل في التصدي للصواريخ اليمنية الفرط صوتية، مما دفعها لاستهداف بنية تحتية حيوية كالمطارات والموانئ ومحطات الطاقة والكهرباء، بعدها ردت اليمن على الهجوم الإسرائيلي بإطلاق صاروخ فرط صوتي استهدف ميناء اللد، تزامنا مع هجوم نفذته طائرة مسيّرة انقضّت على مدينة يافا. وقد اعترفت إسرائيل بوقوع جرحى جراء حالة التدافع بين السكان اثناء ذهابهم الى الملاجئ.
هذا الرد اليمني السريع يعكس حالة الثبات على مواقفه في دعم واسناد المقاومة الفلسطينية، في المقابل الهجمات الإسرائيلية الامريكية البريطانية على اليمن تعكس تصعيدا واضحا في الموقف الإسرائيلي اتجاه اليمن.
فاليمن؛ بخلاف نظيراته لا يتبنى سياسة “الصبر الاستراتيجي” التي تنتهجها إيران، وسياسة “الرد في الزمان والمكان المناسبين” التي اعتمدها النظام السوري الراحل، ولا الانتظار الذي يراهن على المجتمع الدولي والمؤسسات الأممية، رويدا رويدا يتضح أن اليمن تتبنى نهجا مغايرا يعتمد على الحسم والمبادرة المباشرة، مؤكدين قدرتهم على فرض واقعهم الخاص دون انتظار إملاءات خارجية أو موافقة دولية، وبهذا تجد إسرائيل نفسها أمام معضلة استراتيجية مع اليمن فبينما تعتمد على التفوق الجوي لتحقيق أهدافها، تظهر الحاجة إلى أدوات إضافية كالقوات البرية أو تعزيز وجودها في المنطقة عبر تحالفات إقليمية.
مع ذلك، أي خطوة تصعيدية قد تزيد من تعقيد الوضع وتفتح المجال أمام مواجهات أوسع في المنطقة خاصة أن اليمن تتحكم بموقع استراتيجي هام حيث تسيطر على مضيق هرمز وباب المندب، ما يعني أن أي اضطراب في هذا المنطقة سيؤثر بشكل كبير على حركة التجارة العالمية وتجارة النفط والغاز، مما يسبب شللاً في هذه الأسواق وهذا من شأنه أن يؤدي إلى انهيار في أسواق الطاقة وارتفاعات غير مسبوقة في أسعار النفط، مما سينعكس سلباً على أسواق الأسهم والبورصات، كما أن أوروبا التي فقدت إمداداتها الروسية ستعتمد بشكل كبير على مصادر التوريد التي تمر عبر البحر الأحمر.
إن هذه الحرب التي قد تتجاوز حدود غزة لتشمل اليمن بشكل مباشر أو غير مباشر هناك عدة سيناريوهات يمكن قراءتها من هذا التحليل:
تصعيد إسرائيلي واسع النطاق؛ حيث أن نتنياهو وحكومته قد يلجؤون إلى استراتيجيات متعددة تشمل استهداف البنى التحتية والاغتيالات وحتى ارتكاب المجازر، كما فعلوا في غزة ولبنان، وهذا النهج يعتمد على تصعيد الضغط العسكري بهدف كسر إرادة الخصم أو فرض شروط تفاوضية لصالح الاحتلال، وإرضاء الجبهة الداخلية الإسرائيلية.
رد يمني غير محدود؛ تتسم الساحة اليمنية بالغموض حيث أن اليمن لم يُظهر بعد جميع أوراقه، فإذا قرر الدخول في حرب بلا قيود قد نرى تصعيدا نوعيا يستهدف الداخل الإسرائيلي بشكل متوازن وفقا لمبدأ “العين بالعين” فالرد اليمني قد يشمل أهدافا استراتيجية داخل دولة الاحتلال، مثل المطارات، الموانئ، والبنى التحتية الحيوية، مما سيضع إسرائيل في موقف حساس جدا.
الجبهة الداخلية كعامل حاسم؛ من أبرز النقاط التي تتمتع بها جبهة اليمن أنها متماسكة ومستعدة لتحمل الأثمان على الجانب الآخر، الجبهة الداخلية الإسرائيلية تُعاني من تصدعات عميقة خاصة في ظل الضربات المباشرة التي قد تطال التجمعات المدنية الإسرائيلية هذه الضغوط قد تدفع المجتمع الإسرائيلي للضغط على حكومته لإيقاف الحرب أو القبول بحلول سياسية.
في حال وقعت هذه السيناريوهات تكمن أهمية السؤال عن مدى استعداد إسرائيل لتحمل تبعات رد يمني شامل يستهدف العمق الاستراتيجي، وهل ستضطر إلى تغيير قواعد اللعبة وفتح باب التفاوض أو التصعيد؟ في الغالب إن الأيام القادمة ستكون حاسمة في تحديد هذه الإجابة.