11:09 مساءً / 14 يناير، 2025
آخر الاخبار

الفرح المكتوم: حين يخنق الخوف سعادة الغزيين ، بقلم: هنادي طلال الدنف

الفرح المكتوم: حين يخنق الخوف سعادة الغزيين ، بقلم: هنادي طلال الدنف

الفرح المكتوم: حين يخنق الخوف سعادة الغزيين ، بقلم: هنادي طلال الدنف

في غزة، حيث يشكل الصراع واقعًا يوميًا، تبدو لحظات الفرح وكأنها زائر نادر، يظهر خجولًا ثم يختفي تحت ثقل التوقعات والخوف. الفرح المكتوم هنا ليس مجرد حالة نفسية، بل ظاهرة اجتماعية تعكس تاريخًا طويلًا من الألم، والحصار، وعدم الاستقرار. فعلى الرغم من اقتراب الناس من لحظة الفرج، كإتمام صفقة أو تحقيق إنجاز، تجدهم غير قادرين على التعبير عن سعادتهم بحرية، وكأنهم يخشون أن ينقلب الفرح إلى خيبة أمل.

“الفرح المكتوم” هو حالة نفسية يعيشها الأفراد حين يقتربون من تحقيق لحظة سعيدة، لكنهم يمنعون أنفسهم من الانغماس فيها بسبب القلق والخوف من أن تُسلب هذه اللحظة أو تُفسد. وفي غزة، هذه الحالة متجذرة بعمق نتيجة للظروف التي عاشها الناس لعقود طويلة من الحصار، الحرب، والتقلبات السياسية.

لماذا يعيش الغزيون الفرح المكتوم؟

مرّ سكان غزة بمواقف عديدة، حيث بُنيت الآمال على انفراج قريب، لكن سرعان ما انتهت بخيبة أمل. سواء كانت محاولات المصالحة الوطنية أو تحسين الظروف المعيشية، غالبًا ما تأتي التوقعات أكبر من النتائج، مما يجعل الناس يتوجسون من الفرح. وفي مجتمع يعيش تحت تهديد مستمر للحرب أو التصعيد العسكري، يصبح الفرح مخيفًا. يشعر الغزيون أن التعبير عن السعادة قد يجلب معه حسرة، كما لو أن الفرح نفسه دعوة للكارثة.

إلى جانب ذلك، في بيئة مثل غزة، حيث يعاني الجميع من أزمات مشتركة، قد يشعر البعض بالحرج من التعبير عن فرحهم خوفًا من إيذاء مشاعر من يعيشون ظروفًا أصعب، مثل فقدان أحد أفراد الأسرة أو فقدان مصدر الرزق. حتى في أوقات الأمل، مثل الحديث عن مشاريع تنموية أو فتح المعابر، يظل الواقع الاقتصادي الصعب حاضرًا في أذهان الناس، مما يحد من قدرتهم على الاستمتاع باللحظات السعيدة.

قصص من غزة: الفرح بين الأمل والخوف

أم محمد، وهي أم لخمسة أطفال، تلقت في أحد الأيام خبرًا مفاجئًا عبر الهاتف بأن الحرب قد انتهت، وأن الأمور ستبدأ بالتحسن في غزة. كان قلبها يغمره شعور مختلط بين الفرح الكبير والقلق الشديد. فرحت لأنها أخيرًا ستعيش بسلام، ولكنها كانت تخشى أن يكون هذا الخبر مجرد إشاعة، أو أن الأوضاع ستعود كما كانت في أي وقت مضى. “خفت أن أفرح كثيرًا، شعرت أن الفرح قد يجلب خيبة أمل أكبر إذا تبين أنه لم يكن حقيقيا”، قالت أم محمد. ورغم كل ما في قلبها من خوف، حاولت أن تحتفظ بابتسامة صغيرة على وجهها، ولكنها لم تجرؤ على التعبير عن سعادتها أمام أطفالها، خوفًا من أن تفقدهم أملهم في المستقبل إذا حدث شيء غير متوقع.


أما أحمد، الذي يعمل في تجارة بسيطة، فيروي عن لحظة سماعه لإعلان إدخال تسهيلات اقتصادية: “كنت سعيدًا، لكني أخفيت ذلك عن أصدقائي وجيراني. كيف يمكنني أن أحتفل وأنا أعلم أن غيري قد لا يكون له نصيب من هذا الفرح؟ الفرح في غزة صعب، كأنه تهمة يجب أن نخفيها.

كيف يؤثر الفرح المكتوم على سكان غزة؟ وكيف يمكن مواجهته؟

كتمان الفرح يؤدي إلى تراكم التوتر والقلق، مما يؤثر سلبًا على الصحة النفسية. كما أن عدم التعبير عن الفرح يقلل من الترابط بين أفراد المجتمع، حيث يغيب الشعور المشترك بالاحتفال أو الأمل. وعندما يصبح الفرح مشروطًا أو مكبوتًا، يفقد الإنجاز قيمته، مما يؤثر على الدافع الشخصي للنجاح.

لمواجهة هذه الحالة، قد يكون التقدير للحظات الصغيرة مفتاحًا للتكيف مع الواقع الصعب. ففي ظل الظروف القاسية، تكون لحظات الفرح بسيطة لكنها ثمينة. تعزيز روح الجماعة وتشجيع الناس على مشاركة أفراحهم يمكن أن يخفف من ثقل الضغوط النفسية. كذلك، فإن إعادة بناء الثقة بالمستقبل عبر خطط واقعية ومستدامة لتحسين الظروف المعيشية يمنح السكان شعورًا بالأمان للتعبير عن فرحهم دون خوف. وأخيرًا، فإن توفير الدعم النفسي، سواء من خلال جلسات جماعية أو فردية، يساعد الناس على التعامل مع تجاربهم السابقة ومخاوفهم المستقبلية.

رسالة أمل وخاتمة

في غزة، حيث يختلط الألم بالصمود، يبقى الفرح المكتوم جزءًا من الحياة اليومية. ومع ذلك، فإن الاعتراف بهذه الحالة والعمل على معالجتها يمكن أن يعيد للأفراد والمجتمع توازنهم النفسي. الفرح ليس ضعفًا أو دعوة للمجهول، بل هو حق طبيعي يجب أن نحتفي به حتى في أحلك الظروف.

الفرح المكتوم في غزة هو انعكاس لتاريخ طويل من التحديات، لكنه أيضًا دعوة للنظر إلى المستقبل بعين التفاؤل. لأن الفرح، مهما كان بسيطًا، هو شعلة أمل تعطي القوة للاستمرار.

  • – هنادي طلال الدنف – اخصائية نفسية – فلسطين – غزة

شاهد أيضاً

الاحتلال يقتحم نابلس لتأمين الحماية لمستوطن دخل قبر يوسف

الاحتلال يقتحم نابلس لتأمين الحماية لمستوطن دخل قبر يوسف

شفا – اقتحم جيش الاحتلال الإسرائيلي مدينة نابلس، بعد الإبلاغ عن دخول مستوطن لقبر يوسف …