قد أحترم من يخالفني الرأي، وقد أذهب بعيداً في احترامي لرأي من يخالفني الرأي إلى ان أدفع حياتي – كما يقول فولتير – ثمناً لحقه في إبداء رأيه، ولكنني لا أستطيع السكوت أو التغاضي على مفتريات لا تستند إلى اي حقائق على الأرض، حتى وإن جاءت من رجل بوزن عبد الباري عطوان رئيس تحرير جريدة القدس العربي ذائعة الصيت، الذي أمضى سنين طويلة في أحضان أعرق ديمقراطية في العالم الحديث، لم يتأثر أو يكتسب منها – وللآسف الشديد – بعض مفرداتها الأولية أو حدودها الدنيا باحترام رأي الآخرين، وخاصة إن كان هؤلاء يتصدون بلحم أجسادهم لقمع عصابة حاكمة تجاوزت كل الخطوط الحمر في التعامل الإنساني مع شعبها، وقد كفلت له كل شرائع السماء والأرض حقه في التعبير السلمي عن رأيه، وحقه في اختيار نوع الحكم وشخوص حكامه.
فلم يدر في خلدي للحظة واحدة أن أجد السيد عبد الباري عطوان شبيحاً متطوعاً لخدمة المافيا الحاكمة في سورية من الطراز الأول مسوقاً جرائمها ومتهماً عبر شاشة فضائية قناة الحوار التي نعتز بمواقفها النبيلة تجاه ما يجري في سورية الذبيحة، ومواقفها الشجاعة إلى جانب الشعب السوري الثائر، والتي لم نسمع مثل هذه المفتريات على ألسنة شبيحة النظام المأجورين، متهماً هذا الشعب الحضاري الذي صبر على جور وظلم حكامه لنحو نصف قرن، وقدم على مذبح الحرية خلال ثلاثة عشر شهراً من ثورته ما يزيد على أربعة عشر ألف شهيد وأضعافهم من المفقودين والمعتقلين والنازحين والمهجرين، إضافة إلى مدن أحال هذا النظام السادي أحياءها إلى ركام دفن تحتها المئات من النساء والشيوخ والأطفال، ومارس عمليات قتل فظيعة وبشعة بحق أطفالنا ونسائنا وشيوخنا تأنف الضواري فعلها مع فرائسها، وانتهك أعراض حرائرنا ودمر مساجدنا ودور عبادتنا وبنية مدننا التحتية.
أقول خرج علينا الشبيح عبد الباري عطوان، وكنت لا أتمنى أن أصفه بمثل هذا الوصف، خرج علينا بمفتريات متقولاً على الشعب السوري ما لم يقله، متهماً هذا الشعب الذي خرج من أول يوم في ثورته يرفع شعار (واحد واحد واحد.. الشعب السوري واحد) وبقيت الجماهير الثائرة تردد هذا الشعار حتى يوم أمس في كل مظاهراتها واحتجاجاتها التي غطت مساحة سورية من النهر إلى البحر ومن الجبل إلى السهل.
أقول خرج علينا هذا الشبيح مفترياً على الثورة السورية بأنها ثورة مزقت الشعب السوري وفتتت وحدته الوطنية حتى بتنا نسمع – كما يقول – أن هناك من يقول أنه علوي وأنه درزي وأنه إسماعيلي وأنه مسيحي وأنه سني وأنه شيعي وأنه كردي وأنه تركماني، وهذه المفتريات لم يتجرأ شبيح مأجور مثل شريف شحادة، الذي ينتمي إلى عظام رقبة النظام، أن يتهم الثورة أو المعارضة بكل أشكالها أنها نادت ولو لمرة واحدة بالطائفية، رغم أن النظام كان يدفع من اليوم الأول باتجاه الطائفية، وكان الثوار له بالمرصاد يفشلون مخططاته الطائفية القذرة، وقد ضمت المعارضة والثورة نخب من العلويين والدروز والأكراد والمسيحيين والإسماعيليين إلى جانب السنة في صفوفها، مطالبين بالحرية والكرامة والديمقراطية بأسلوب سلمي حضاري، يواجهون آلة قمع النظام الجهنمية المدمرة بصدورهم العارية وجنازات شهدائهم المكللة بأغصان الزيتون والرياحين.
إنه من العار على الصحافة والصحافيين أن يخرج من بينهم من يصمت عن أفعال نظام يقتل الصحافيين ويحجر على عقول المثقفين والمبدعين ويجفف أقلامهم ويكسر أناملهم ويمنع عليهم فتح افواههم إلا عند أطباء الأسنان.
أقول عار على الصحافة والصحافيين أن يخرج من بينهم من يسوق للنظام السوري جرائمه وآثامه وفواحشه بحجة الخوف على سورية من التمزيق والتفتيت والحرب الطائفية، ويدعو الضحية لمحاورة الجلاد والنزول على شروطه والقبول بما يقدمه من فتات موائده، بعد أن جرت في سورية أنهار من الدماء، وأزهقت أرواح الآلاف، وفقد الآلاف، وغيب في السجون الآلاف، وأجبر مئات الآلاف على النزوح من مدنهم والهجرة إلى خارج الوطن، طلباً للنجاة والفوز بحياة من تبقى من أطفال يتم، فقدوا الأب والأم والعم والخال والأخ والبيت والبلد!!
لا أعتقد أن السيد عبد الباري عطوان لم يشاهد أو يسمع بما فُعل بحمزة الخطيب وعلي فرزات والقاشوش وما أقترفه شبيحة النظام بطلاب جامعة حلب يوم الأول من أمس، واعتقال الأمن لولدي الزميل الصحفي المعارض فايز سارة لابتزازه وممارسة الضغط عليه، وما قبل وبعد ذلك من قصص وحكايا هي أقرب إلى الخرافة من الواقع، مما تقترفه قطعان هذا النظام السائبة المتوحشة من جرائم بحق الشعب السوري وحرائره ومساجده ودور عبادته ومدنه وبلداته وقراه وأسواقه وبيوته ومحاله التجارية نهباً وحرقاً.
أخيراً أتمنى على السيد عبد الباري عطوان أن تواتيه الجرأة والشجاعة ليقف أمام الشعب السوري العظيم بكل احترام، ويبدي أسفه واعتذاره عما بدر منه تجاهه وما تقوله بحقه من مفتريات، ولن يبخل الشعب السوري العظيم، الذي عرف عنه الكرم والتسامح، على السيد عبد الباري عطوان بقبول اعتذاره وتجسيد ذلك في شعاراته المكتوبة، وان لم يفعل ذلك السيد عبد الباري عطوان فإنه سيصنف إلى جانب الإعلاميين الشبيحة الذين تغص بهم ساحة التضليل والكذب والمفتريات، ويفقد المصداقية لدى الشارع العربي كما فقدها من قبله صديقه حسن نصر اللات!!