صمود الفلسطينيين هو عنوان المرحلة ، بقلم : فادي البرغوثي
ما تقوده اسرائيل من حرب على الفلسطينيين لا يشمل فقط انهاء حلم الدولة الفلسطينية المستقلة التي هي برنامج منظمة التحرير الفلسطينية منذ السبعينات القرن الماضي مرورا في قرارات المجلس الوطني ١٩ عام ١٩٨٨ م والتي تجسدت في إعلان الاستقلال أو ما جاء في اوسلو الذي كنا نختلف معه لكنه ظلت الدولة الفلسطينية حلم يراود قيادة منظمة التحرير الفلسطينية خصوصا الزعيم التاريخي لشعبنا ياسر عرفات .
ان تجربة السلام مع الاسرائيليين كشفت عن شيء واحد هو ان اسرائيل نفسها التي وقعت اتفاقية أوسلو هي نفسها التي تعاملت معها لمنعها من اقامة دولة فلسطينية مستقلة حتى في فترة حكم من ايدوا الاتفاق، وعلى سبيل المثال قال إسحق رابين أمام منصة الكنيست بان أوسلو مثل الجبنة السويسرية مليء بالثقوب وقد اطلق العنان للاستيطان وهو امر كان يثير جدية السلام التي وقعت عليه منظمة التحرير الفلسطينية.
وباستطاعتنا ان نقول، ان مشروع السلام لم يكن في يوم من الايام الا موضوع وهمي وهو مفصل على مقاسات معينه فالقيادة الاسرائيلية التي وقعت السلام كان برنامجها لا بتجاوز الحكم الذاتي المسخ، كما أوضح عنه شمعون بيرس وزير خارجية الاحتلال آنذاك في حينه في كتبه الشهير شرق أوسط جديد الذي شرح فيه رؤية ” اسرائيل ” في اتفاقية أوسلو .
وما يمكن أن تقدمه للفلسطينيين كان الحكم الذاتي المسخ الذي يختلف عن حتى الحكم الذاتي المتفق عليه بين الدول حيث ان مفهوم الحكم الذاتي بتيح للمجموعات المختلفة عن بقية الشعب ان يكون لهم شكل حكم متفق عليه لكن هذا الحكم نفسه لا يلغي صفة المواطنة فهم يكونوا ضمن أجهزة الدولة ويحق لهم حتى تولي منصب الرئاسة كنموذج الدولة الفدرالية لكن الإسرائيليين اجترعوا مفهوم خاص للحكم الذاتي وهو نموذج يتسق مع الاستعمار ورؤية الاحتلال
وفي هذا الإطار يجب أن نوضح ان ” اسرائيل ” كانت لا تريد اعطاء دولة فلسطينية لكنها اتضح بعد حرب الابادة التي تشنها اليوم في غزة بقتل البديل الذي كان ينظر اليه البعض ويظن بان فشل عملية السلام تنقل الأمور بشكل دراماتيكي إلى دولة واحدة بغض النظر عن الديانة وما حرب الابادة التي تشن على قطاع غزة أو القوانين الصادرة عن دولة الاحتلال في الفترة الأخيرة منها قانون القومية الشهير الذي يتجاهل الفلسطينيين ويعطي للإسرائيليين حق تقرير المصير فقط لليهود ويتضح أيضا من خطة الحسم التي تتبناها حكومة الاحتلال الحالية ما يجعل موضوع التهجير موضوعا قائما سواء في الضفة أو في غزة.
هنا يصبح تعزيز الصمود الفلسطيني هو الأكثر اهمية هذه الأيام ويصبح غير مسموح اطلاقا الفرقة والتجمهرات خلف كل فريق … لان الأمور ليست وردية فنحن لا نملك رفاهية تأجيل الأمور والانتظار فالخطر سيداهم الجميع بما فيهم الذين ما زالوا يروا الأمور ما قبل توقيع أوسلو فالإسرائيليون يعملون على قدم وساق من أجل مخططتهم بإنهاء وتصفية القضية الفلسطينية بما فيها السلطة الوطنية الفلسطينية ومن ينظر ما الذي يحدث في غزة وغير مستبعد في الضفة الغربية طالما الظروف أصبحت تسمح في ذلك .
وتتسع دائرة الخطر بعد مجيء ترامب للسلطة الذي يصرح قبل ان يأتي بان مساحة دولة الكيان ضئيلة ويريد ان يوسعها وهو مخطط كان يكرره نتنياهو بشكل دائم حتى انه أعلن عنه في مذكراته عام ١٩٩٦م في كتابه ” مكان تحت الشمس ” وبالتالي فإننا أمام تلاقي في الأفكار بين الاداريين بشكل تام الإسرائيلية والامريكية ولا يوجد بينهما تباين بسيط كما يكون دائما حتى في فترة صفقة القرن الذي كان نتنياهو ينظر إليها فقط بعقد سلام مع العرب فقط دون الفلسطينيين بيننا ترامب يرى في ان الصفقة تشمل الفلسطينيين وإنشاء دولة بدون القدس ودون مناطق ” ج ” وعدم العودة للاجئين بينما اليوم تعاد القضية إلى جذورها وهو إعادة انتاج النكبة يعني ان الأمور ستتجاوز الصفقة كما كان سابقا.
قد يقول البعض هذا مستبعد لدرجة انه يحمل مسؤولية ما جرى لسابع من أكتوبر وهذا يعد خطأ استراتيجي خاصة ان المخطط الذي اتحدث عنه يشمل الضفة الغربية التي هي عمليا تحت سيادة السلطة الفلسطينية التي لم تشارك في السابع من أكتوبر وتعارضها بشكل جذري فالمخطط القادم هو ضم الضفة واعطاها لإسرائيل دون السكان ومن يعتقد غير ذلك فإنه لا يرى الأمور على طبيعتها وإلى أين تسير ومدى خطورتها وجديتها وبالتالي تصبح الأدوات السابقة لمواجهة هذا المخطط الأكثر خطورة على شعبنا غير مجدية وتصبح تكرار الحديث بالوحدة دون تطبيقها على الأرض أيضا مشاركة في مخطط العدو ويصبح الاقتتال في جنين يزيد الخطر خطرا ونكون كالذي يحفر قبره بيده.