10:44 مساءً / 20 ديسمبر، 2024
آخر الاخبار

الإحتلال الصهيوني للخط الأزرق وصياغة المنطقة ابراهيميا بقلم : نسيم قبها

الإحتلال الصهيوني للخط الأزرق وصياغة المنطقة ابراهيميا بقلم : نسيم قبها

لا شك أن عملية طوفان الأقصى والتي انطلقت باسم “محور المقاومة” قبل أكثر من عام قد هزت تداعياتها منطقة الشرق الأوسط، ووصلت ارتداداتها إلى دول العالم؛ إذ رأت الدول النافذة الاستعمارية قدرة الناس على الصبر واستبسالهم وصمودهم وتضحياتهم وإرادتهم للحياة . ولم يكن لهذا المأزق الذي حاصر دولة الإحتلال ماديا ومعنويا أن يفشل في لجم مطامع الإحتلال وتوجهاته الإحلالية الفاشية لولا فزعة الغرب وموظفيه في المنطقة لنجدة الكيان الصهيوني حفاظًا على مصالحه . حيث سخروا له كل سبل البقاء ضاربين عرض الحائط القوانين والأعراف الدولية والقيم الإنسانية وحقوق الإنسان التي يتاجرون بها لخداع الواهمين وتخدير الحالمين بالتحرر. فواجهوا مازق دولة الإحتلال بطوفان من السلاح والمال والغطاء السياسي والظهير العربي الوظيفي الرسمي الذي أدار ظهره عن دور نصرة المظلومين في غزة والضفة، ووفر للصهاينة فرصة النيل من الفلسطينيين بشكل دموي غير مسبوق ، وتنفيذ مخططاته التوسعية المدفوعة بشهوة الإجرام والدم، بتواطؤ الإرادة الدولية اللعينة التي تحرص على تفريغ ( المقاومة) من مضمونها الصحيح بقتل الفكرة ، واجتثاث القوى المانعة لمشاريعهم حتى لو كانت ضعيفة ، ومواصلة سيرهم في تشكيل المنطقة بما يضمن مصالحهم وهيمنتهم عليها عبر أداتهم الصهيونية والأنظمة الوظيفية التابعة لهم.
فمنذ إبرام اتفاق الهدنة مع لبنان في 27 تشرين ثاني/نوفمبر 2024 وتحييد حزب الله وتفكيك الساحات القتالية، وسيطرة الجيش الصهيوني على غزة، وتقلص قدرة مقاوميها على المواجهة لشكل كبير ومكابدة أهلها وتنكيل المحتل الصهيوني وتنفيذه المجازر اليومية بهم، ومع تردد إيران في الرد على العدوان الصهيوني على أراضيها، بدأت جبهة المواجهة مع الكيان الصهيوني بالانعطاف نحو التقزم، مُلخصةً بسقوط نظام الشام الطويل المتواري بغطاء المقاومة، والذي لم يكن يُمثل في الحقيقة سوى مقاول لنقل الإمداد العسكري لحزب الله من جهة، وحارسًا لحدود الكيان الصهيوني من جهة أخرى، متخذًا من ذلك ومن تضارب المشروع الإيراني مع المشروع الصهيوني ومن التنافس الجيوسياسي الأميركي مع روسيا وسيلة لاستجلاب الدعم وتثبيت نظامه. وعقب سقوط هذا النظام الأشد وحشية وشراسة في تاريخ المنطقة وتخلي القوى الداعمة له بمن فيهم الكيان المحتل بعد استنفاد مبرر وجوده وتولي “إسرائيل” حماية حدودها بنفسها بالتوغل في الأراضي السورية، وبعد قطع الطريق على مدد إيران لحزب الله الذي يمثل ذراعها الأهم في المنطقة، وتجريد سوريا من أصولها العسكرية الدفاعية واحتلال الكيان الصهيوني للخط الأزرق ومرتفعات الجولان ووصوله إلى ريف دمشق وسيطرته على منطقة حوض اليرموك ومصادر المياه النظيفة في جنوب سوريا، وقطعه الطريق بين العاصمة السورية وبيروت، وانشغال قادة المعارضة السورية بأولوية الشأن الداخلي، وتحوط الفصائل العراقية المدعومة من إيران من تداعيات سقوط النظام السوري. بعد ذلك كله بات مجرى التيار السياسي وميزان القوة يصب في قناة الكيان الصهيوني، ويُنذر بتقويض ما تبقى من ( مقاومة) في المنطقة برمتها. مسنودًا بمواقف حكام المنطقة الباهتة وهلعهم من سقوط النظام السوري ورهانهم على خيار التطبيع والتحالف مع الكيان الصهيوني لتثبيت سلطتهم، ومسنودًا كذلك بموقف ترمب الصارم من النظام الإيراني وباستعراض القوة بتدمير أصول سوريا العسكرية في يومين لإثبات جدارته وقدرته على الردع وقيمته الاستراتيجية للمعسكر الغربي في مواجهة التحالف الروسي مع الصين وأتباعهما . وهذه المعطيات قد مهدت بجملتها الطريق أمام الكيان الصهيوني لصفقة تبادل مرتقبة للأسرى مع حركة حماس وقوى المقاومة الجريحة المنهكة في غزة بدعم مستشار الأمن القومي الأميركي جاك سوليفان، وفق شروط نتنياهو بشأن محوري فيلادلفي ونتساريم، وضمن الحدود الدنيا من مطالب حماس في أحسن الأحوال نتيجة لعزلتها الناجمة عن الإجرام الصهيوني، وضعف جبهة المقاومة عقب اتفاق الهدنة الإسرائيلية مع حزب الله. حيث ستؤول الصفقة إلى احتفاظ الكيان الغاصب بالسيطرة العسكرية والأمنية على قطاع غزة، ومواصلة العمل على تصفية جيوب المقاومة في غزة، وإبطال مفعولها في الضفة الغربية الذي بات واضحا ، بعد تحجيم دور السلطة الفلسطينية اكثر وأكثر ، في ظل مساعي اليمين الصهيوني الديني لتقويضها وتولي العمليات الأمنية في الضفة بنفسه، وفرض الضم والسيادة على الضفة الغربية. وذلك في إطار تصفية المقاومة وقضية فلسطين على أساس الدولة اليهودية ذات السيادة الكاملة على فلسطين من النهر إلى البحر دون أن يؤثر في سيادتها إدارة المكون الفلسطيني من قِبل أية جهة كانت تحت عناوين فارغة من مضمون الدولة. وفي إطار تغيير موازين القوة في الشرق الأوسط لصالح الكيان الصهيوني ومسار التطبيع “الإبراهيمي”.
وأما الموقف السياسي على الجانب السوري تحت سلطة قوى المعارضة، فيمكن قراءته من خلال تصريحات الجولاني ولقاءاته مع الدبلوماسيين الدوليين، ومن خلال اجتماعاته بممثلي الدروز، وموقفه من العلويين، ومن خلال ثناء مسعود برزاني على موقفه من الكورد، ومما يدور من مقترحات لرفع هيئة تحرير الشام من لائحة “الإرهاب”، ومن استبعاد الجولاني التصادم مع “إسرائيل” وقوله إن مبرر الهجمات الإسرائيلية على سوريا قد انقضى بعد خروج حزب الله وإيران منها. وقوله: ملتزمون باتفاقية عام 1974 وعلى المجتمع الدولي ضمان التزام إسرائيل بها أيضًا. ووفقًا لذلك فقد بات واضحًا أن الجولاني يسعى إلى دولة “وطنية” علمانية تراعي التنوع العرقي والطائفي ، حيث قال: “لدينا علاقات مع المسيحيين والدروز وهم قاتلوا معنا ضمن إدارة العمليات العسكرية”. وهو ما ينطوي على تبرير للنهج التوافقي القادم والذي لا يتيح للشريعة الإسلامية أن تكون خيارًا وحيدًا في الحكم، علاوة على أن عناية الجولاني بما يرضي “المجتمع الدولي” يجعل من الدولة خاضعة لإرادة الولايات المتحدة، والتي تحرص من جانبها على إقصاء الدين من المجتمع وتمزيقه وتسخير بعض مكوناته لخدمة مصالحها الداخلية والإقليمية، نحو حرصها على إبقاء قوة كوردية ضاغطة على تركيا بذريعة محاربة تنظيم الدولة “داعش” ولو في إطار فدرالي قابل للتشقق وتقسيم الدولة جغرافيًّا وإقامة كيان كوردي متصل مع شمال العراق لتهديد أمن تركيا ووحدتها. وهذا ما يفسر الحشود التركية على الحدود السورية، ومحاولة سوليفان التدخل لدى الأتراك واحتواء تحركهم، ويفسر كذلك تحذير الجولاني للأكراد بقوله: “لن نسمح بوجود مجموعات مسلحة خارج الجيش وأي مجموعة تستخدم سوريا لاستهداف دول مثل تركيا”. ويُفسر تشديد أردوغان دومًا على أن “تركيا لا تتنازل عن وحدة التراب السوري”. ورغم أن استقرار الوضع الداخلي السوري يشغل أولوية في برنامج الجولاني السياسي إلا أن ملف الجيب الكوردي يبقى لغمًا قد أعد لنسف أي انحراف سوري عن بوصلة المشاريع الصهيونية والأميركية في المنطقة. ولذلك بدأت أميركا وحلفاؤها بالتلويح بورقة تنظيم الدولة “داعش” لتبرير التدخل ودعم قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، والمحافظة على خيار “الكيان الكوردي” التفكيكي. وهذا فضلًا عن تطلع الكيان الصهيوني لإنشاء جيب درزي في الجنوب السوري بذريعة الأحزمة الأمنية التي يفرضها حول حدوده، ومن ذلك احتفاظه بمرتفعات الجولان الاستراتيجية وإخلاء جنوب الليطاني في لبنان، والاحتفاظ بقواته العسكرية في غزة ومواصلة مخطط التهجير لأهلها.
وبالإضافة إلى ما تقدم فإن الخلافات الفئوية السورية تشكل عقبة إضافية تغرق أهل سوريا في دوامة سياسية تؤسس لحكم ذاتي دستوري للأقليات، وتزيد من ضعف الكيان السوري، وسهولة التحكم فيه وتفجيره من الداخل في إطار مخطط إشغال الناس بأنفسهم، ودفع المخاطر عن الكيان الصهيوني والمصالح الغربية عند الضرورة.
وبالرغم من أن الأمور تسير في هذه الظروف والمعطيات لصالح الكيان الصهيوني ومخططات الغرب الاستعمارية وبخاصة إعادة هيكلة أنظمة لبنان وسوريا والعراق وجرهم إلى معسكر التطبيع وتوسيعه ليشمل السعودية التي يجري الترتيب معها للتطبيع على قدم وساق حتى في الأيام الأخيرة، غير أن المنطقة ما تزال مرشحة للانفجار بسبب الطابع العسكري للصراع والأفق السياسي المتشابك والمعقد، حيث لا تزال القيادة العسكرية الإيرانية تصر على الرد على العدوان الصهيوني الأخير على أراضيها رغم مساعي القيادة السياسية الإيرانية الإصلاحية للانفتاح على الغرب ومقتضياته، ولا تزال تبعث برسائل ردع للكيان الصهيوني عبر ذراعها الحوثي قبل أن يُبرم الكيان صفقة تبادل الأسرى مع حماس ويسد ذريعة الإسناد الحوثي لغزة، والذي قد يعرض اليمن لضربة انتقامية صهيونية كبيرة قبل إبرام صفقة الأسرى أيضًا.
كما لا يزال اتفاق الهدنة الإسرائيلية مع حزب الله هشًا ومحكومًا بمخرجات الهيكلة السياسية اللبنانية على كيانه وسلاحه ونفوذه الحكومي ومقيدًا بتحالفه الوثيق مع إيران في المواجهة مع “إسرئيل”، ولا يزال نتنياهو أيضًا عازمًا على تقويض قدرات إيران النووية، مما قد تندلع معه حربٌ واسعة في المنطقة. إذ إن ما حققته أميركا و”إسرائيل” من نتائج لطوفان الأقصى بالحرب والسياسة رغم أهميته وخطورته على المقاومة وإيران لكنه غير كافٍ لإنهاء ملف قدرات إيران العسكرية والإمساك بلجامها رغم تحجيم نفوذها في المنطقة، مما يجعل استقرار المنطقة بعيد المنال في المدى المنظور.

شاهد أيضاً

اقليم حركة فتح في بلجيكا يزور سفارة فلسطين لبحث اليات العمل المشترك

شفا – في إطار تعزيز العمل الجماعي والتكامل الوطني، عقدت السفيرة الفلسطينية في بلجيكا أمل …