“القنوات العربية ، حيث الحقيقة في إجازة مفتوحة!” بقلم : م. غسان جابر
في زمن باتت فيه الحقيقة سلعة نادرة، تبيعها القنوات كعينات مجانية محدودة، تختلف الفضائيات العربية في أسلوب عرضها للأحداث، لكن النتيجة واحدة: وجع رأس، وجرعة دسمة من الضحك المرير.
إذا كنت تبحث عن الحقيقة، فربما أنت في المكان الخطأ. أما إذا كنت تفضّل السيرك السياسي ودراما التهريج الإعلامي، فأهلًا بك في صالة العرض الكبرى، حيث يُباع الوهم بشعار: “الخبر اليقين من قلب الحدث!”
الجزيرة: سيناريوهات مشتعلة وإخراج سينمائي
في قناة الجزيرة، كل نشرة أخبار تبدو كأنها من إخراج سينمائي متقن. العناوين نارية، المذيع متجهم وكأنه يحمل مصير الكوكب على أكتافه، والموسيقى التصويرية تجعلك تشعر أنك أمام مشهد من فيلم نهاية العالم.
ثم يُعلن الخبر: “مظاهرات حاشدة تهز البلاد!”
لكن بعد ثوانٍ، تظهر اللقطات لتكشف خمسة أشخاص فقط، اثنان منهم يبحثان عن مقهى قريب. تغلق التلفاز مقتنعًا أن العالم ينهار، بينما الحقيقة أن العالم يتثاءب بهدوء.
الميادين: المقاومة بطعم التحليل الممل
الميادين، قناة “الممانعة”، تُقدم وجبات إعلامية دسمة بنكهة المؤامرات. يظهر المحلل على كرسيه الوثير، يرفع نظارته، يتنحنح، ثم يعلن: “المقاومة بخير!”
لكن عندما ترى الشوارع المدمرة والأرواح المهدورة، تتساءل: “أين هذه المقاومة بالضبط؟!”
لا تقلق، فالجواب جاهز: “إنها مجرد نكسة مرحلية!”
وهكذا تكتشف أن حياتنا سلسلة من النكسات المرحلية… بينما المرحلة الأخيرة ما زالت بعيدة المنال.
العربية: الأناقة تغطي على الرماد
في قناة العربية، كل شيء أنيق ومرتب. المذيع يرتدي بذلة مكوية بعناية، والمذيعة تبتسم كأنها تروج لمنتج فاخر. لكن خلف هذه الأناقة، الأخبار تُختصر وكأنها وجبات سريعة.
مثلًا:
حرب أهلية طاحنة؟
العنوان: “الوضع مستقر!”
تظن أن الأمور تحت السيطرة، لكن ما إن تخرج إلى الشارع حتى تكتشف أن “الاستقرار” مجرد دخان يتصاعد من الأنقاض.
القنوات الرسمية: البث من كوكب موازٍ
القنوات الرسمية تبث من كوكب لا يمت للأرض بصلة. كل شيء “عظيم”، وكل إنجاز “تاريخي”.
الشارع يغرق بمياه الصرف الصحي؟
العنوان: “افتتاح مسابح عامة مجانية!”
انقطاع الكهرباء لساعات؟
“ترشيد حكيم للطاقة!”
في هذه القنوات، المآسي تتحول إلى “مكاسب وطنية”، والمشاهد يُطلب منه التصفيق بحرارة وإلا اتُّهم بالعمالة.
القنوات الرياضية: الهزائم بطلّة المنتصر
حتى في الرياضة، لا يختلف الوضع كثيرًا. إذا خسر الفريق، فالتحليل يقول:
“الهزيمة جزء من خطة تكتيكية لإرباك الخصم!”
الجمهور يصرخ غاضبًا؟
“تشجيع حماسي لا مثيل له!”
وهكذا تصبح كرة القدم أهم من أي قضية، والعشب أهم من العقول التي تُركل قبل أن تُحرز الأهداف.
في الختام: مصانع الوهم مستمرة!
شكرًا لقنواتنا العزيزة التي جعلت الحقيقة كائنًا أسطوريًا نسمع عنه ولا نراه. سواء كانت الجزيرة، الميادين، العربية، أو القنوات الرسمية، الجميع يشارك في حفلة تنكرية ضخمة يرتدي فيها الكذب بدلة الحقيقة.
نصفق لهم أحيانًا، نضحك أحيانًا، لكن في النهاية نكتشف أن الحقيقة كانت مجرد فاصل قصير ضاع بين مشاهد التهريج الإعلامي.
ابقوا معنا… فالمزيد من الوهم قادم بعد هذا الفاصل!
م. غسان جابر – قيادي في حركة المبادرة الوطنية الفلسطينية