“النظام السوري الجديد” ما بين الاعتراف بشرعيته وبين الاعتراف باسرائيل ، بقلم : فادي البرغوثي
(هذا المقالة مبنية على ان قيادة دمشق الجديدة قيادة شريفه ومتمسكة بالقضية الفلسطينية وتريد وحدة سوريا )
بعيدا عن العواطف التي شدت الجميع هذه الأيام، سواء المعارضين للنظام السوري السابق والذين فرحوا بسقوطه أو المؤيدين للنظام السوري وحزنوا برحيله فإن النظام الجديد له تحديات جمة كبيرة تتطلب منه النجاح واخذ بلاده الغارقة إلى بر الأمان فليس لنا الا ان نتمنى له ذلك.
اقول ذلك من باب النصح، واتمنى ان يصل هذا المقال إلى قيادة النظام الجديد في سوريا لتأخذ العبر فتركة النظام السابق صعبة من ناحية الاقتصادية والاجتماعية بينما السياسية لا يمكن فصلها عن الناحية الاقتصادية والاجتماعية، بل ان ما صدر عن الولايات المتحدة الأمريكية هذا اليوم ، من انها ستبقي على العقوبات المفروضة على سوريا والانفلات الأمني باغتيال العلماء وكذلك ما قامت فيه اسرائيل بقصف جميع المواقع العسكرية السورية، يؤكد على ان المطلوب من النظام الجديد الاعتراف في اسرائيل والقبول في دولة منزوعة السلاح لا تشكل خطرا مستقبلي على الاحتلال الاسرائيلي .
ومن اجل ذلك أرغب في استحضار تجربتان حدثتا في الفترات الأخيرة، وهما تجربة الثورة المصرية والتي افرزت نظاما منتخباً برئاسة محمد مرسي ، الذي تم افشاله بالرغم ان وراء هذا النظام ، كانت جماعة الإخوان حيث لا يختلف اثنان على ان جماعة الإخوان في مصر كانت هي التنظيم الاقوى على صعيد التنظيمات والحركات السياسية في العالم العربي والإسلامي ، وتحمل من الكفاءات والخبرات ما لا تحمله الأجسام التنظيمية الأخرى بدليل ان جماعة الإخوان في مصر كانت تأخذ أغلبية البرلمان المصري في الانتخابات النزيهة اقول النزيهة لأنه كانت تحصل احيانا انتخابات غير نزيهة وكذلك كانت تحصل على فوز كاسح على صعيد النقابات المهنية من أطباء ومهندسين ومحامين … الخ.
وقد قام مرسى باستخدام عبارات فضفاضة مثل احترام الاتفاقيات، ومع ذلك خلق لمرسي مشكلة كبيرة وقد تم محاصرته وخلق رأي عام ضده ، ادت في النهاية إلى الانقلاب عليه والاطاحة به وسجنه ، ولو لم يتكفل فيه القدر لكان اليوم معدوما .
اما النموذج الثاني، فهو النموذج التونسي الذي بدأ فيه الربيع العربي وقد فاز أيضا حزب النهضة التابع إلى جماعة الإخوان المسلمين ، لتتصدر المشهد بتجربة بهلوانية، تريد ارضاء جميع مكونات الشعب التونسي لدرجة انه اوصل يساريا ليكون على راس الحكم في توتس ، وحاول ان يبني تحالفات مع الجميع مع انه حصل على أغلبية برلمانية ساحقة وقدم خطاب معتدل جداً للعالم ومع ذلك تمت محاصرته ، وانتهى بأمين عام النهضة والمنظر والمفكر الاول للإسلام السياسي راشد الغنوشي إلى السجن ومع الانقلاب على حزب النهضة فشلت التجربة الديمقراطية في تونس التي عادت إلى نظام حكم لا يختلف عن نظام زين العابدين.
هذان نموذجان، ينبغي اخذ العبر منهما مع ان تحدي سوريا اكبر بكثير من هاتان التجربتان خاصة ان التجربة السورية جاءت ضمن واقع أعقد ويراد منها الاعتراف بإسرائيل، وما صدر من واشنطن اليوم بانها “لا تريد ان ترفع العقوبات عن سوريا النظام الجديد”، وكذلك ما تفعله اسرائيل بقيامها في احتلال مناطق جديدة لدرجة انها اصبحت تبعد عن دمشق 20 كيلو فقط، وكذلك خلق واقع اقتصادي صعب يهدف لدفع النظام الجديد بالسير وفق الأجندة الأمريكية والاسرائيلية وليس مستغربا ان يتم تقسيم سوريا ، وتأليب الطوائف لتكون كل طائفة لها دولة ،ولربما نموذج جنوب السودان الذي تم فصله عن السودان مقابل ابتزاز النظام السابق برفع العقوبة عن السودان ورئيسه (البشير )، يعاد من جديد بواقع اصعب .
هنا يطرح السؤال المهم ما الذي يجب عمله على هذا الصعيد، وكيف ينجو هذا النظام من هذا الواقع المعقد؟؟؟
في اعتقادي، يجب أن تبقى راية الجهاد والنضال عند السوريين مرفوعة، ليس من قبل الدولة بل من قبل الشعب وخلق نموذج للمقاومة على طراز حزب الله والدولة اللبنانية وفي هذا المضمار تكون وضع الدولة يختلف عن واقع فصائل المقاومة بل ان الدولة نفسها تخرج من عباءة عدم الاعتراف ، وفي نفس الوقت تشغل المناطق السورية المحتلة سواء الجديدة والقديمة، الى ان يضطر العالم ان يدعو لوقف إطلاق النار كما حدث في جنوب لبنان ويمكن أيضا للمقاومة الجديدة ان تنسق مع حزب الله في لبنان وتتجاوز الخلافات ضمن مصالح مشتركة.
في هذا الإطار فانه لا بد من اظهار نموذج نظام الأسد السابق ، ونموذج لبنان ، حيث يفكر الاسرائيلي الف مرة قبل قصف لبنان ، بينما لا يتردد بقصف النظام السوري السابق ، بل إنني أجزم بان المقاومة ضد اسرائيل ترفع من قيمة التفاوض لديه في عدم التدخل فيه ، وتبعد النظام عن شروط معينه ، كالاعتراف به، فلا احد يضغط رغم الظروف السيئة بالاعتراف في اسرائيل انما يتم الضغط لضبط المقاومة.
وهنا تصبح اسرائيل من موقف الهجوم إلى موقف الدفاع ، كما ان هذا الخيار يدفع الفصائل المسلحة نفسها لتتوحد على شيء واحد ومن ناحية أخرى يتم تفريغ الطاقات الثورية التي ما زالت مشحونة ضد الاحتلال وهي شيء ضروري في هذه الايام ، فحالة عدم السلم وعدم المقاومة ، كما فعل الآخرين ، لا ينفع ، بل ان المقاومة تدعم النظام وتجعله قويا في فرض اجندته ،وكذلك النظام يدعم المقاومة ، كما ان المقاومة نفسها تكون شيء جامع للناس تدفع للناس لتوحيد الموقف وتفشل خطر تقسيم سوريا كما يخطط الاحتلال والذي افصح عنه نتنياهو شخصيا.
وغير ذلك فإن التجارب السابقة في الربيع العربي ، معروفة إلى اين وصلت الأمور حيث ينتهز العالم أي فرصة للانقضاض على كل واقع جديد ويدفعه لخيارات اما الرحيل بدلاً من البقاء ، أو القبول في خيارات غير وطنية مرتبطة فيه وتصب في مصلحته اولا واخيرا ، وكما قيل انك لا يمكنك أن تحصل على نتيجة مغايرة لنفس التجربة.