الفرد الفلسطيني جوهر السلم الأهلي وأساسه ، بقلم : صبا جبر
في المجتمعات المختلفة، تعد الوحدة الاجتماعية والتعايش السلمي من أهم الأسس التي تسهم في بناء مجتمع مستقر وآمن، وبالنسبة للمجتمع الفلسطيني عامة والمجتمع المقدسي خاصة، الذي يعاني من تحديات ومعوقات متعددة؛ نتيجة للاحتلال الإسرائيلي، فإن السلم الأهلي غدا أكثر من مجرد هدف، بل صار حاجة ملحة لضمان استقرار المجتمع وحمايته من الانقسام والتمزق. وفي هذا السياق، يعد الفرد في المجتمع الفلسطيني حجر الزاوية الذي يرتكز عليه السلم الأهلي، إذ إن بناء فردٍ واعٍ ومسؤول هو الطريق إلى تحقيق هذا السلم في كل مكوناته.
السلم الأهلي مسؤولية فردية ومجتمعية، تنبع من داخل الفرد نفسه لتصبح ظاهرة اجتماعية جوهرية وإيجابية، فالفرد هو الأساس الأول والركيزة الأولى، فإذا ما عملنا على بناء فرد سليم، فإننا نكون قد وضعنا اللبنة الأولى في مجتمع سليم وصحي وإيجابي، ومن هنا نكون قد حققنا هدف أسمى الحملات التي تسعى بشكل دؤوب لتعزيز السلم الأهلي في مجتمعنا الفلسطيني.
بادئ بدءٍ، تعد التربية الركيزة الأولى في تكوين شخصية المواطن الفلسطيني، والتي تسعى غالبًا لضم أي فرد فيها بوصفه عضوًا من أعضاء الجماعة (العائلة)، حيث يصبح –غالبًا- تابعًا لقرارات العائلة إن أصابت وإن أخطأت، علاوة على التربية القائمة على رد العنف بالعنف، بالجملة الشهيرة “اللي بيضربك إضربه” وذلك على مستوى رياض الأطفال أو المدرسة وما إلى ذلك.
وعلى صعيد آخر، فيعد التعليم أحد العوامل الأساسية التي تُشكل وعي الفرد، وفي فلسطين، يجب أن يركز النظام التعليمي على تعزيز قيم السلم الأهلي، مثل: التسامح، والعدالة، والاحترام المتبادل من خلال التعليم، ويُمكن تكوين جيل قادر على التفكير النقدي، واتخاذ القرارات المسؤولة التي تسهم في نشر ثقافة السلام والتعايش في المجتمع. علاوة على ذلك، يساعد التعليم على تجاوز مفاهيم العنف والكراهية التي قد تنشأ في أوقات الصراع، ليحل محلها الحوار البنّاء.
ويعاني الفرد الفلسطيني من ضغط في المؤسسات التعليمية، وفي كيفية تعامله مع أقرانه بشخصياتهم وخلفياتهم المجتمعية المختلفة؛ ما يجعل جزءًا من صقل شخصيته معتمدًا على ما يتلقاه من الخلان، ويمكن تجاوز هذا التأثير عن طريق التربية السليمة والصحية؛ للحفاظ على فرد سليم، وهذا لا يعني عدم تأثره بالمطلق، ولكن قد يكون الأثر أقل حدة.
ومن جانب آخر، فالمجتمع يمكن أن يكون ذا تأثير كبير في تعزيز السلم الأهلي أو تقويضه، وَفْقَ البيئة الاجتماعية والسياسية التي ينشأ فيها الفرد، فإذا كان المجتمع يعاني من التوترات الداخلية أو الانقسامات السياسية الحادة؛ فإن ذلك يؤدي إلى تأثيرات سلبية على الأفراد الذين قد يتبنون مواقف عدائية أو متطرفة تجاه فئات أخرى داخل المجتمع.
ومن أخطر العوامل غياب دور المؤسسات الشبابية، أو عدم فعاليتها في المجتمع الفلسطيني، حيث تلعب تلك المؤسسات دورًا محوريًا في أي مجتمع بهدف تعزيز التنمية الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، حيث تسهم في بناء أجيال قادرة على تحمل المسؤولية، والتفاعل بشكل إيجابي مع التحديات التي يواجهها المجتمع، لكن المجتمع الفلسطيني تعاني العديد من مؤسساته من ضعف دورها أو قلة فعاليتها؛ ما يؤثر سلبًا على تحقيق السلم الأهلي وتوطيد الوحدة الوطنية.
ولوسائل الإعلام في العصر الحديث دور مهم، إذ تعد من أهم الأدوات التي تؤثر على وعي الأفراد وتوجهاتهم في المجتمع الفلسطيني، فيمكن لها أن تلعب دورًا حيويًا في نشر رسائل التسامح والتعايش السلمي بين مختلف شرائح المجتمع، ويُفترض أن يتحلى الأفراد بوعي إعلامي يعزز من نشر الأخبار الموثوقة، وينبذ الشائعات والتضليل الذي يمكن أن يؤدي إلى تفاقم الصراعات.
أما الخطورة الكبرى فتكمن في الاحتلال ومضايقاته، وشدّ الخناق على الفلسطيني بشكل عام، وعلى المقدسي بشكل خاص، حيث تعمل انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي في محافظة القدس خاصة، وفي فلسطين عامة، على خنق طموح الشباب وأسرها، وتحطيم آمالهم، وحرمانهم من رسم مستقبل واعد أمامهم، الأمر الذي يقيد فرص نجاحهم وتفوقهم وحصولهم على أحلامهم؛ ما يحبط معنوياتهم، ويجعلهم أكثر تأثرًا بالتعصب.
فالاحتلال الإسرائيلي يجعل فهم واقع السلم الأهلي في محافظة القدس وتحليله أمرًا أكثر تعقيدًا، وأكثر صعوبة، فيد الاحتلال طائلة بجبروتها، وغاشمة تفرض واقعًا مفروضًا بالقوة والآلة الحربية الغاشمة التي لا ترحم شيئًا في كل مناحي الحياة للشعب الفلسطيني.
عودًا على بدءٍ أقول: إن التربية السليمة هي أساس بناء شخصية الفرد القادرة على التعايش بتسامح في المجتمع وتعزيز السلم الأهلي في المجتمعات التي تعاني من التوترات السياسية والاجتماعية، مثل المجتمع الفلسطيني، فتصبح التربية على السلوكيات الإيجابية والتعايش السلمي ضرورة ملحة؛ لنحمي أبناءنا ومجتمعنا، ونقدم لهم التربية السليمة؛ ليقدموا لنا مستقبلًا أفضل.