11:54 مساءً / 18 ديسمبر، 2024
آخر الاخبار

المقاومة بين الوجود والفكرة ، هل تنتهي المقاومة بموت قادتها؟ بقلم : سالي أبو عياش

المقاومة بين الوجود والفكرة ، هل تنتهي المقاومة بموت قادتها؟ بقلم : سالي أبو عياش

المقاومة بين الوجود والفكرة ، هل تنتهي المقاومة بموت قادتها؟ بقلم : سالي أبو عياش


عند الحديث عن تجارب التحرر في العالم لا يسعنا الا تذكر الاقتباس الشهير لكاتب الفلسطيني غسان كنفاني: “تسقط الأجساد لا الفكرة والمقاومة فكرة والفكرة لن تموت”، كلمات أثبتت أزليتها على مر التاريخ، فمع كل محاولات التحرر الوطني في العالم، لم يكن كنفاني وحده الذي أثبت لنا أن المقاومة فكرة لا يمكن أن تموت.


فمثلا؛ (مهاتما غاندي) صاحب نظرية اللاعنف في العصر الحديث قال: أنها لا تصلح دائماً أو بكل الحالات، فغالباً تأتي نظرية اللاعنف كوسيلة لإحراج الحكومات وفضح ظلمها أمام الرأي العام لانتزاع الحقوق المدنية وما شابه، بمعنى أنها قد لا تكون ناجعة دائماً ولربما تصلح لمواجهة الأنظمة الديكتاتورية أو المتطرفة فربما تُخفق الحِراكات الشعبية السلمية في مواجهة هذه الأنظمة أو الدول وتحقق الإصلاح.


ومن هنا ندرك أن الملم بالتاريخ يدرك تماماً أن شتى محاولات التحرر الوطني من الاستعمار جاءت بعد مقاومة مستمرة أسفرت عن خسائر جمة في سبيل الحرية، فمثلاً حصلت الولايات المتحدة الأمريكية على استقلالها عن بريطانيا بعد خوضها حرب الاستقلال الأمريكية التي تعرف باسم الحرب الثورية الأمريكية لتحصل على استقلالها عام 1776، ونموذجاً أخر هو الجزائر التي حصلت على استقلالها من الاستعمار الفرنسي بعد حربٍ أسفرت عن جعلها بلد المليون شهيد وحصولها على استقلالها وحريتها عام 1962.


إن شتى محاولات التحرر والاستقلال الوطني جاءت بالمقاومة سواءً كانت محاولات عربية أو غير عربية، حتى فلسطين حينما تحررت من الاستعمار البريطاني جاء ذلك بعد عدد من الثورات الشعبية للمقاومين الفلسطينيين كالثورة الفلسطينية الكبرى والعصيان المدني عام 1936، وبعد نجاح المقاومة من التخلص من الاستعمار البريطاني وقعت فلسطين تحت الاحتلال الإسرائيلي لتبقى المقاومة في فلسطين مستمرة حتى يومنا الحالي ولن تندثر إلا بتحررها.


يمتلك الاحتلال الإسرائيلي خصائص تجمع بين كونه استعماراً، واحتلالاً في آنٍ واحد، إذ يمارس شتى أساليب الضغط، والإبادة والاضطهاد، والتطهير العرقي، ويقوم على سلب الأراضي من ساكنيها وتحويلها إلى مستوطنات إسرائيلية بعد طرد وتهجير أصحابها أو قتلهم كما جرى في مدينة الطنطورة الفلسطينية، وكفر قاسم، ودير ياسين التي مسحت معالمها العربية وحولت إلى مستوطنات إسرائيلية، وهناك بعض المدن التي تم سلبها أو سلب جزء من أراضيها لبناء مستوطنات جديدة أو طرق التفافية توصل إلى المستوطنات التي تم بنائها سابقاً كما هو الحال في الضفة الغربية، وبطبيعة الحال هذا يعطيه صفة الاحلالية أي أنه ( احتلال احلالي يقوم بسلب الأرض من سكانها الأصليين ( إسكان وإحلال سكان جدد بدل منهم)، وبالرغم من كل ما يمارسه هذا الاحتلال من أساليب وخطط ومشاريع لتفريغ الأرض من شعبها وقتلهم بهدف منع قيام دولة فلسطينية مستقلة على الأراضي الفلسطينية المحتلة بدأً من احتلالها وإعلان دولة إسرائيل عام 1948 حتى يومنا الحالي والخطط والأساليب لطرد وتهجير الشعب الفلسطيني من أرضه في تطور مستمر فكان أخرها خطة وزير المالية الإسرائيلي سموتريش لضم أراضي الضفة الغربية لصالح المستوطنات الإسرائيلية، إلا أن المقاومة الفلسطينية لم تمت وبقيت صامدة باستمرار لتبقى صدمة في المجتمع الإسرائيلي؛ إذ أنه كبر وبنيت سياسته على ما قاله بن غوريون” الكبار يموتون والصغار ينسون”، وتبناها من بعده الساسة الإسرائيليون ليتلقوا الصدمة في كل مرة راهنوا فيها على هذه الفكرة ليروا أن الكبار يموتون والصغار لا ينسون، حتى عندما يغيب قائد ينهض قائد جديد وعندما يستشهد مقاوم يأتي ألف مقاوم لأن هذا الدرب؛ درب الحقيقة، وزج الاحتلال للوصول إلى الحرية هو المبتغى، فعلى سبيل المثال عندما وقعت الانتفاضة الفلسطينية الأولى قام الفلسطينيون بمقاومة المحتل بالعدم (الحجارة) وسميت هذه الانتفاضة بانتفاضة الحجارة إذ قام الصغار الذين روهن على نسيانهم باستخدام الحجارة كسلاح أساسي لمقاومة المحتل والدفاع عن نفسهم أمام سلاحٍ فولاذي، ولم يكل أو يمل من إيجاد أفكار نافعة للمقاومة بصورة مستمرة ليحقق ما يريد.


إن الأمثلة على المقاومين الذين لم تمت فكرتهم بعد موتهم لا حصر لها؛ فمثلاً تمكن يحيى عياش الملقب (بالمهندس) من تطويع علمه في المقاومة حيث كان مهندس كهربائي، نضيف أيضاً أحمد جبريل الذي كان أول من استخدم الطائرات الشراعية في المقاومة الفلسطينية، ولم تقتصر المقاومة على الرجال فحسب وإنما خاضت النساء الفلسطينيات المعترك ذاته وشاركت الرجال في المقاومة والعمليات المُقاومة، فشاركت دلال المغربي في المقاومة وخاضت التجربة وكذلك ليلى خالد التي تعتبر أول امرأة تنفذ عملية اختطاف طائرة، فلم تقتصر مشاركة النساء في المقاومة الفلسطينية على عدد وشخصيات محددة وانما تشمل شتى النساء الفلسطينيات، حيث عانت المرآة الفلسطينية من الأسر والسجون الإسرائيلية وعذابها بجانب الرجال.


اليوم وبعد ما يزيد عن عام من الحرب التي لم يرى لها نموذجاً مثيل من حيث القسوة والإبادة وقوة السلاح المستخدم فيها اتجاه أبناء الشعب الفلسطيني، شاركت جميع أطياف المجتمع بالمقاومة وتلاحمت الفئات بأسرها من أجل استمرارية الحياة وتحمل ما يحصل فرأينا الكثير من الصور والتوثيقات التي تثبت مدى تلاحم الشعب حول المقاومة وانغراسه فيها بالرغم من المعاناة الأليمة التي عاشها الشعب ويأتي هذا الايمان الذي ظهر بصور كثيرة وحالات ضعف من الوعي أن لا سبيل للتحرر إلا بالمقاومة مهما كان الثمن الذي يعيشه هذا الشعب، وحتى عندما غاب القادة لم ينهزم الشعب أو يتجرد من المقاومة واشكالها بل استمر في مقاومته ونضاله دون ملل ليحصل في يوم على حريته وعودته إلى حياته الطبيعية في دولته المستقلة.


إذن المقاومة بين الوجود والفكرة تعني أنها فكرة غير فانية مهما طال الزمن وحتى لو مات أصحابها سيولد من عمق الأرض مقاومون جدد ويصبحوا أصحابها مجدداً حتى لا تموت، هذا ما برهنه الزمن والتجارب التحررية على مر التاريخ، فهي ليست مرتبطة بجنسٍ، أو عمر محدد إنما ملكٌ لجميع الأحرار كانوا رجالاً أم نساء، أطفالاً أم شيوخ، فالشعوب انتصرت بالإيمان بالفكرة ووجودها مستخدمة المقاومة واساليبها لتحقيق غايتها وفي نهاية المطاف نالت ما أرادت وهذا الذي يثبته الواقع الفلسطيني يوماً بعد يوم فمع كل عملية قمع أو مخطط استعماري جديد نرى ان لا سبيل لنا الا المقاومة بشتى اساليبها واشكالها.

شاهد أيضاً

مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان : على إسرائيل وقف هدم منازل الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة

شفا – قال مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان إن إسرائيل تسرع وتيرة الخطوات الرامية إلى …