9:49 مساءً / 4 ديسمبر، 2024
آخر الاخبار

“القرار الدستوري لعباس: خطوة نحو الاستقرار أم تعميق للأزمة الفلسطينية؟” بقلم : م. غسان جابر

“القرار الدستوري لعباس: خطوة نحو الاستقرار أم تعميق للأزمة الفلسطينية؟” بقلم : م. غسان جابر

في ظل استمرار الأزمة السياسية والانقسام الفلسطيني، أصدر الرئيس عباس قرارًا دستوريًا يقضي بتولي رئيس المجلس الوطني الفلسطيني، روحي فتوح، مهام الرئاسة مؤقتًا في حال شغور منصب الرئيس، إثر غياب المجلس التشريعي الفلسطيني وتعطل عمل المؤسسات الفلسطينية.


هذا القرار أثار نقاشًا قانونيًا وسياسيًا واسعًا، حيث يرى البعض فيه ضرورة لضمان استمرارية عمل المؤسسات، بينما يعتبره آخرون خطوة غير دستورية تعمق الأزمة الفلسطينية.


في هذا المقال، سنقوم بتحليل مدى قانونية القرار في إطار القانون الأساسي الفلسطيني، وأثره على مسار الانتخابات الفلسطينية ومستقبل القضية الفلسطينية.

الإطار القانوني:


غياب الدستور وتحدياته

يعد القانون الأساسي الفلسطيني لعام 2003 بمثابة الدستور المؤقت لفلسطين، وتم تعديل العديد من مواده استجابة للتغيرات السياسية والواقعية التي مرت بها القضية الفلسطينية. ومن أبرز التحديات التي يواجهها هذا القانون غياب المجلس التشريعي الفلسطيني منذ عام 2007 نتيجة الانقسام بين الضفة الغربية وقطاع غزة، ما يجعل تطبيق بعض المواد مستحيلاً، مثل المادة (37) التي تنص على تولي رئيس المجلس التشريعي مهام الرئاسة في حال شغور المنصب.

قرار محمود عباس:


الاجتهاد الدستوري أم خرق للقانون؟

جاء قرار محمود عباس بتكليف رئيس المجلس الوطني الفلسطيني بتولي مهام الرئاسة مؤقتًا كرد فعل على تعطيل المجلس التشريعي.


بينما يهدف القرار إلى منع الفراغ الدستوري وضمان استمرارية عمل المؤسسات الفلسطينية، إلا أنه يثير تساؤلات قانونية بشأن توافقه مع أحكام القانون الأساسي الفلسطيني:

  1. غياب المجلس التشريعي: تطبيق المادة (37) الخاصة بشغور منصب الرئيس يتطلب وجود مجلس تشريعي ساري المفعول، وهو ما لا يحدث في ظل غياب المجلس منذ أكثر من 15 عامًا. لذلك، كان لزامًا على الرئيس محمود عباس اللجوء إلى الاجتهاد القانوني لاختيار بديل عن رئيس المجلس التشريعي.
  2. التعديل غير الرسمي: تكليف رئيس المجلس الوطني يشكل تعديلاً غير رسمي في نص القانون الأساسي دون المرور بالآلية المنصوص عليها في المادة (120) التي تتطلب موافقة ثلثي أعضاء المجلس التشريعي. هذا يثير شكوكًا حول شرعية القرار من الناحية القانونية.
  3. أداء اليمين: تطبيق المادة (35) الخاصة بأداء اليمين أمام المجلس التشريعي أصبح مستحيلًا نتيجة لتعطيل المجلس. يبرز هنا التساؤل حول كيفية إجراء هذا الإجراء الدستوري في حال تولي رئيس المجلس الوطني مهام الرئاسة، خاصة إذا كان هذا الأخير غير منتخب بشكل مباشر من الشعب الفلسطيني.

دوافع القرار وتداعياته السياسية

دوافع القرار:


سياسيًا، يسعى الرئيس عباس من خلال هذا القرار إلى الحفاظ على تماسك مؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية وضمان استمراريتها في ظل تعطيل العديد من المؤسسات الدستورية. كما يعكس القرار محاولة لتعزيز دور منظمة التحرير الفلسطينية كمرجعية سياسية أعلى، خاصة في ظل الانقسام الفلسطيني المستمر.

التداعيات الداخلية:

  1. تعميق الانقسام الفلسطيني: يعكس القرار عجزًا عن التوصل إلى توافق سياسي بين الفصائل الفلسطينية، خصوصًا مع حركة حماس التي ترى في هذه الخطوة تجاوزًا للشرعية. كما أن هذا القرار قد يعمق الانقسام القائم بين الضفة الغربية وقطاع غزة.
  2. الصراع داخل حركة فتح: قد يُثير القرار خلافات جديدة داخل حركة فتح بين التيارات المختلفة التي تسعى كل منها لتولي القيادة، خاصة في ظل غياب الانتخابات الداخلية للحركة.

التداعيات الدولية:

  1. الدعم الدولي: الدول المانحة قد ترى في هذا القرار وسيلة لتجنب الفوضى السياسية، لكنه قد يثير تساؤلات حول مدى احترام المعايير الديمقراطية وحقوق الشعب الفلسطيني في اختيار قيادته.
  2. التحديات في إجراء الانتخابات: القرار ينص على ضرورة إجراء انتخابات رئاسية خلال 90 يومًا، إلا أن ذلك يواجه العديد من التحديات، سواء من الناحية اللوجستية أو السياسية، خاصة في ظل الانقسام الفلسطيني وتعثر مساعي المصالحة.

هل روحي فتوح قادر على إدارة الشأن السياسي الفلسطيني؟

من الناحية العملية، يُعتبر روحي فتوح شخصية ذات وزن سياسي في حركة فتح، لكن توليه مهام الرئاسة في هذه الظروف قد يواجه تحديات كبيرة. في ظل غياب المجلس التشريعي وتعطيل المؤسسات، فإن إدارة الشأن الفلسطيني ستكون محاطة بعراقيل قانونية وسياسية كثيرة. كما أن الوضع الداخلي في حركة فتح، والعلاقات المعقدة مع حماس، وغياب القدس عن العملية الانتخابية، كلها عوامل ستؤثر على قدرة فتوح على تحقيق استقرار سياسي أو إجراء انتخابات حرة ونزيهة.

إلى أين مصير الشعب الفلسطيني؟

المستقبل السياسي للشعب الفلسطيني يعتمد بشكل كبير على تطور الأزمة الداخلية بين الفصائل، وعلى قدرة القيادة الفلسطينية في التوصل إلى توافقات وطنية. استمرار غياب الإجماع الوطني حول مسألة القيادة والشرعية قد يؤدي إلى مزيد من التفكك الداخلي، بينما يبقى الاحتلال الإسرائيلي أبرز التحديات التي تؤثر بشكل مباشر على مصير الشعب الفلسطيني.

التوصيات:

  1. إصلاح قانوني:
    من الضروري تعديل القانون الأساسي الفلسطيني ليواكب التحديات الحالية ويضع آليات واضحة للتعامل مع الأزمات السياسية والدستورية.
  2. إطلاق حوار وطني شامل: يجب أن يكون هناك حوار شامل بين جميع الفصائل الفلسطينية، لضمان توافق سياسي يضمن الاستقرار ويعزز الشرعية.
  3. صياغة دستور دائم:
    في ظل التحديات الحالية، ينبغي الإسراع في صياغة دستور فلسطيني دائم يتوافق مع تطلعات الشعب الفلسطيني ويؤسس لنظام سياسي مستقر.

يُعتبر قرار محمود عباس خطوة هامة في مواجهة الفراغ السياسي، لكنه يعكس أيضًا واقع الأزمة القانونية والسياسية التي تعيشها القضية الفلسطينية. في ظل غياب التوافق الوطني، يبقى مستقبل فلسطين معلقًا بين تحديات داخلية كبيرة واحتلال خارجي يعرقل أي جهود نحو الحل.


م. غسان جابر – قيادي في حركة المبادرة الوطنية الفلسطينية – فلسطين

شاهد أيضاً

10 شهداء في قصف الاحتلال لمنزل شمال مدينة غزة

10 شهداء في قصف الاحتلال لمنزل شمال مدينة غزة

شفا – استشهد عشرة مواطنين على الأقل، وأصيب آخرون، مساء اليوم الأربعاء، في قصف الاحتلال …