شفا – أبرز موقع Mondoweiss الأمريكي، تعمد الاحتلال الإسرائيلي تصعيد هجماته على خيام النازحين في غزة في خضم حرب الإبادة الجماعية المستمرة للعام الثاني على التوالي.
ونبه الموقع إلى أنه في الفترة ما بين 9 و20 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، نفذ الاحتلال الإسرائيلي ما لا يقل عن ست غارات جوية استهدفت خياماً تؤوي النازحين من غزة في ما يسمى “المناطق الآمنة”، فيما كان معظم الضحايا من النساء والأطفال.
وجاء في تقرير للموقع: تجلس أريج القاضي على أرضية مستشفى ناصر بخانيونس، أمامها جثث أطفالها، تنظر إليهم بذهول، وتقرأ آيات من القرآن الكريم، يقاطعها مجموعة من الصحافيين المحيطين بها، تجيب، ثم تعود لغناء أغنية شعبية تقول فيها إنها قدمت كل ما لديها للوطن.
وبعد فترة قصيرة من الهدوء تنفجر الأم غضباً وتصرخ وتضرب الأرض بيدها وتصيح: لم يبق لي من أبنائي شيئا، وتتحدث إلى ابنها الشهيد الملقى على الأرض فتسأله: من سيتحدث معي ليلاً من الآن فصاعداً؟ ألم تقل لي يا عبد العزيز أنك ستقرأ القرآن معي كل يوم؟ ماذا أفعل الآن بدونك؟.
وقد اغتال جيش الاحتلال الإسرائيلي، الأربعاء 20 نوفمبر/تشرين الثاني، أبناء المواطنة القاضي، عبد العزيز محمود بن حسن (9 أعوام)، وحمزة (6 أعوام)، أثناء تواجدهما في خيمة بمنطقة مواصي خانيونس.
واستهدفت غارة جوية إسرائيلية خيمة مجاورة لخيمتهما، ما أدى إلى استشهاد أربعة أشخاص على الفور، من بينهم أبناء المواطنة القاضي، التي لم تكن في خيمتها وقتها ولم تصب بأذى. وباستشهاد أبنائها، أصبحت القاضي الأرملة بلا عائلة.
وكانت هذه الغارة الجوية السادسة منذ التاسع من نوفمبر/تشرين الثاني التي تستهدف فيها الغارات الجوية الخيام في منطقة المواصي.
لا مكان آمن
كانت القاضي وأولادها من بين عشرات الآلاف من العائلات الغزية النازحة التي تعيش في خيام ومنشآت مؤقتة في ما يسمى “المناطق الآمنة” على طول شاطئ غزة.
ومثل جيرانهم في الخيام، جاءت القاضي إلى المواصي بعد أن نزحت عائلتها من منزلها في مدينة غزة، بناءً على أوامر من الجيش الإسرائيلي بالتوجه إلى منطقة المواصي في إطار نهج الإخلاء القسري المستمر منذ بداية حرب الإبادة.
ولكن الآن، يقول الفلسطينيون النازحون في المواصي إن المنطقة أصبحت مثل أي منطقة أخرى في غزة، حيث يقصف الجيش الإسرائيلي الناس ويقتلهم كل يوم.
وكان المسعف لؤي الأسطل من بين الأشخاص الذين تم استدعاؤهم إلى مكان استشهاد أبناء القاضي.
وقال “تلقينا إشارة بقصف خيمة في منطقة العطار بخانيونس، توجهنا إلى المكان، وفوجئنا أن جميع الضحايا من الأطفال والنساء، والشهداء كانوا أشلاء، لم نستطع أن نميز الشهداء عن بعضهم البعض لأن الصاروخ مزق أجسادهم”.
وأضاف أن “المنطقة التي تعرضت للقصف تعتبر منطقة آمنة بحسب ترويج جيش الاحتلال، لكنها تعرضت للقصف عدة مرات في الآونة الأخيرة، رغم أن الجيش هو من يحددها كمكان آمن لتوجه المدنيين إليه”.
وتابع “عندما يتم قصف خيمة مصنوعة من القماش والنايلون بصاروخ، فماذا تتوقع أن يحدث لسكان الخيمة والخيام المجاورة؟ سوف يتم تمزيقها كلها.”
أوامر الإخلاء مستمرة
في الثاني عشر من نوفمبر/تشرين الثاني، حذر الجيش الإسرائيلي النازحين في المواصي من إخلاء خيامهم لأنه ينوي قصف خيمة وسط حشد من الملاجئ. وقد تم وضع أمر الإخلاء على أي خيمة تقع على مسافة 500 متر من الخيمة التي كان من المقرر قصفها، والتي تعود لعائلة نازحة.
لكن رغم إجلاء السكان، ونظرا لقرب الخيام من بعضها البعض، أدى القصف إلى استشهاد شخص على الأقل، وإصابة العشرات.
ووقعت الإصابات نتيجة شظايا الصاروخ الإسرائيلي، الذي أدى أيضاً إلى تدمير عشرات الخيام المحيطة، كما أدى القصف إلى اشتعال النيران في عشرات الخيام في المنطقة واحتراقها بالكامل.
تقف رويدا أبو طعيمة (36 عاماً) أمام خيمتها ممسكة بقطعة من الشظايا بحجم كتاب مفتوح. تقول إن عائلتها كانت في خيمتها عندما جاء تحذير الإخلاء. لقد تركوا كل شيء وراءهم وفروا على عجل خوفاً من التعرض للقصف.
وروت أبو طعيمة “بعد ربع ساعة قصفت الطائرات الحربية خيمة، وعندما عدت إلى خيمتي وجدت بداخلها قطعة شظايا كبيرة، لو سقطت على أحد لقتلته على الفور”.
وأضافت “لقد شاهدنا دمارًا هائلاً وكبيرًا، حيث احترقت العديد من الخيام، وأصيب عدد كبير من الناس بالشظايا، ولم يكن لدى الناس الوقت الكافي للخروج والابتعاد عن موقع القصف”.
وتابعت “كان الناس يركضون ويتصادمون من شدة الخوف. وعندما وقع القصف بدأت الشظايا تتطاير فوق رؤوسنا”. وفي تلك الليلة، نامت عائلتها في الهواء الطلق خوفًا من وقوع قصف آخر.
“لقد نجونا بأعجوبة هذه المرة. كل يوم نقضيه على قيد الحياة ما هو إلا هروب من الموت.”
الجميع مستهدفون
تحيط بها مجموعة من قريباتها، تداعب أريج القاضي بحنان وجهي ابنيها اللذين يبلغان من العمر ست وتسع سنوات. بعد استشهاد زوجها خلال حرب الإبادة، كان لم يتبق لها سوى عبد العزيز وحمزة.
وتروي القاضي الساعات التي سبقت استشهاد أبنائها قائلة: “صلى عبد العزيز صلاة العصر وأخذ مني شيكلاً لشراء الحلوى واللعب مع أقرانه، لكنه ذهب ولم يعد”.
“ليرى العالم أطفالي ويسمع صراخي؛ لم يبق لي أحد”، صرخت القاضي، بينما امتزجت دموعها المنهمرة على وجهها بالدماء على يديها ووجهها، وهي آثار ملامستها لأجساد أطفالها.
وتتساءل القاضي قبل أن تتوجه إلى من حولها: “من سيقول لي أمي من الآن فصاعداً؟ دماء أبنائي ليست أغلى من فلسطين، والحرية لها ثمن”.
وخلال الأيام الـ11 التي سبقت استشهاد أطفال القاضي، استهدف جيش الاحتلال الإسرائيلي ما لا يقل عن ست خيام للنازحين في مناطق مختلفة في المواصي وخان يونس وبالقرب من مستشفى شهداء الأقصى في دير البلح ما أسفر عن استشهاد عائلات مدنية من الأطفال والنساء.
قبل يومين فقط من الهجوم الذي أودى بحياة أطفال القاضي، قصف جيش الاحتلال الإسرائيلي خيمة في نفس المنطقة في المواصي. استهدف القصف خيمة خالد أبو حسن، مما أدى إلى استشهاده وزوجته أماني وأطفالهما الثلاثة أثناء نومهم. تم القضاء على العائلة بأكملها.
وقال شقيق خالد محمد أبو حسن (29 عاماً): “كانوا في خيمة نزوح، وتعرضت الخيمة للقصف، ولم تكن هذه المرة الأولى التي يقصف فيها الاتلال خيمة لعائلة مدنية، ولن تكن المرة الأخيرة”.
وأضاف أبو حسن من داخل مستشفى ناصر وهو يقف بجوار جثث شقيقه وعائلته: “لقد وجدناهم أشلاء. الأطفال كانوا مقطعين. لم يكونوا يحملون أسلحة ولم يكونوا من المقاومين. كانوا مدنيين عزل. لكن هذه هي طريقة الاحتلال”.
ويتابع أبو حسن مشيراً إلى جثث شقيقه وعائلته: “فليشهد العالم على هذه الجرائم، والله سيحاسب كل من رآنا نقطع ونذبح ولم يساعدنا، وليشهد كل جبان ومطبع مع (إسرائيل) أن هذا ما تفعله بالمدنيين”.
واستشهاد شقيقه وعائلته ليس الخسارة المدمرة الأولى التي يتعرض لها أبو حسن خلال هذه الإبادة الجماعية. فقد استشهد والده قبل شهرين فقط، في سبتمبر/أيلول، في قصف إسرائيلي على خان يونس.
وعلى الرغم من خسارته، يظل أبو حسن، البالغ من العمر 29 عامًا، صامدًا ويقول إن لا شيء سيثني الفلسطينيين في غزة عن نضالهم من أجل التحرير.
وقال متحديا “نحن صامدون وصابرون ولن نتراجع وسنبقى صامدين وهذا طريقنا وسنحرر فلسطين رغما عن الصهاينة والاحتلال ونتنياهو”، مضيفا “لقد قتلوا اخي وعائلته وقتلوا والدي خلال هذه الحرب ولكننا سننجب لكل واحد ألف شهيد وسنبقى صامدين على أرضنا”.