شفا – تصاعد كبير في اعتداءات المستوطنين وجرائمهم، تنتظره الضفة الغربية، إثر قرار وزير الجيش الإسرائيلي يسرائيل كاتس، وقف إصدار مذكرات اعتقال ضد المستوطنين الذين يشاركون بهجمات على الفلسطينيين.
ويعد القرار وفق مراقبين جزءًا من خطط إسرائيلية لضم الضفة الغربية وفرض السيادة الإسرائيلية الكاملة عليها، من خلال سحب صلاحيات الجيش وتسليمها لسلطات مدنية.
واعتبر الناشط في مقاومة الاستيطان بالخليل عيسى عمرو ، أن قرار كاتس هو في الحقيقة يهدف “لسحب وصاية الجيش والشاباك عن المستوطنين، وإخضاعهم للحكم المدني، وبدء تطبيق القانون المدني الإسرائيلي على مستوطنات الضفة”.
واعتبر عمرو أن القرار سيتيح “إطلاق يد المستوطنين في تشكيل خلايا سرية مسلحة، تكون مقدمة لإعادة هيكلة ميليشيات الهاغاناه والأرغون التي كانت ناشطة قبل النكبة عام 1948.
وشدد على أن هجمات مجموعات “فتيان التلال” وغيرهم، تمثل هجمات منظمة، وهذه المجموعات لها بنى هرمية، وعلاقات عضوية، ومرجعيات سياسية ودينية، تشبه تمامًا وتذكرنا بواقع العصابات الصهيونية إبان النكبة.
و”الهاغاناه”؛ منظمة صهيونية تأسست بمدينة القدس عام 1921، وهي تكتّل عسكري تشكل خلال الانتداب البريطاني على فلسطين بالفترة السابقة لإعلان “دولة إسرائيل”.
أما “الأرغون” فهي منظمة عسكرية سرية، نشأت إبان الانتداب البريطاني، واستمرت حتى النكبة، وقد صنفتها بريطانيا آنذاك منظمة إرهابية، إذ لم تقتصر جرائمها على الفلسطينيين فحسب، بل تعدتهم إلى الجنود البريطانيين واليهود.
ويرتبط اسم هذه المنظمة ارتباطا وثيقا بمجزرة دير ياسين، واغتيال الدبلوماسي السويدي الكونت برنادوت، وتفجير فندق الملك داوود في القدس، إضافة إلى عشرات العمليات الإرهابية ضد الفلسطينيين.
ويعتبر زئيف فلاديمير جابوتنسكي الأب الروحي لهذه المنظمة، والتي لمع من قادتها كذلك رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق مناحيم بيغن، وكذلك رئيس وزراء إسرائيل الأسبق إسحاق شامير، الذي انشق عنها لينضم إلى منظمة شتيرن.
وتابع الناشط عمرو “الهدف هو تهجير الفلسطينيين والتقليل من أعدادهم إلى الحد الأدنى، تطبيقًا للرؤية التي قامت عليها دولة الاحتلال، أرض بلا شعب لشعب بلا أرض”.
وأوضح عمرو أن القرار هو استجابة لمطالب المستوطنين، حتى لا يتلقوا عقوبات على ارتكاب جرائم أو اعتداءات بالقرى والبلدات الفلسطينية، وهو ما ينذر بوضع خطير مستقبلا”.
كما عدّ الناشط عمرو القرار “تجسيدًا لسياسة الفصل العنصري الإسرائيلية، حيث يتواصل تطبيق الاعتقال الإداري فقط على الفلسطينيين، ولا يتم تطبيقه على الإرهابيين من المستوطنين”.
وحذر من واقع خطير وصعب تنتظره الضفة الغربية، واعتداءات دون حسيب ولا رقيب، خاصة بعد توزيع الوزير المتطرف ايتمار بن غفير 170 ألف قطعة سلاح على المستوطنين، وبن غفير نفسه تعرض للاعتقال سابقا لارتكابه انتهاكات ضد الفلسطينيين”.
وفي أكتوبر الماضي، نقلت إذاعة جيش الاحتلال عن وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، قوله إنه تم توزيع 170 ألف قطعة سلاح على الإسرائيليين خلال 8 أشهر.
وانتقدت الأمم المتحدة تصريحات بن غفير عن تسليح الإسرائيليين، وقالت إن هذا التصريح “يزيد المخاوف من تصاعد الهجمات ضد الفلسطينيين”.
من جانبه، قلّل رئيس لجنة مقاومة الاستيطان في بيت لحم حسن بريجية، من آثار قرار كاتس على الواقع في الضفة الغربية.
وقال بريجية “اعتقال المستوطنين الإرهابيين لم يساهم فعليا في التقليل من تلك الاعتداءات أو تشكيل رادع لهم”.
وأضاف “الاعتقالات كانت عبارة عن ذر للرماد في العيون ويتم احتجازهم بطريقة شكلية وبأعداد قليلة جدا لا تتناسب مع حجم ما يرتكب من اعتداءات”.
واعتبر أن ما سيؤثر على اعتداءات المستوطنين هو اعتقال نتنياهو وغالانت ومحاكمتهم على جرائمهم في الضفة وغزة.
وخلال أكتوبر/ تشرين أول الماضي، نفذ الجيش الإسرائيلي والمستوطنون 1490 اعتداء في مناطق متفرقة بالضفة الغربية المحتلة، بحسب هيئة مقاومة الجدار والاستيطان الفلسطينية.
وذكرت الهيئة أن “قوات الاحتلال نفذت 1130 اعتداء، فيما نفذ المستوطنون 360 اعتداء”.
وبينت أن من تلك الاعتداءات 307 وقعت في محافظة نابلس، و280 في الخليل، و179 في القدس.
وتراوحت الاعتداءات بين هجمات مسلحة على قرى فلسطينية وإعدامات ميدانية وتخريب وتجريف أراضٍ واقتلاع أشجار، واستيلاء على ممتلكات وإغلاقات ونصب حواجز.
متفقًا مع بريجية، رأى رئيس مجلس قروي ياسوف وائل أبو ماضي، أن سلطات الاحتلال لم تتعامل بشكل جدي مع اعتداءات المستوطنين، ولم يشكل اعتقال جزء منهم أي ردع أو تقليل لحجم تلك الاعتداءات.
وقال، إن “اعتداءات فتيان التلال مستمرة بدعم حكومة الاحتلال، وكان يتم اعتقال بعضهم والتحقيق معهم بطريقة شكلية، ثم يطلق سراحهم”.
وبين أبو ماضي، ان أحد قادة المستوطنين ممن أحرقوا مسجد ياسوف عام 2009، اعتقل عدة أيام، ثم أطلق سراحه، وهو الآن يدير عمليات الاعتداء في جنوب نابلس ويحرض على الفلسطينيين بشكل واسع”.
وعبر عن الخشية من موجة مستقبلية أكثر تطرفا، وما يزيدها هو اعتماد الجيش أكثر فأكثر على المستوطنين، وأصبح أغلبهم يرتدون الزي العسكري”.
من جهته، أكد مشرف النشر والتوثيق في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، أمير داوود، أن “اعتقال بعض المستوطنين سابقًا، كان يتم شكليًا ولم يؤثر على طبيعة وكثافة اعتداءاتهم، وأظهر تواطؤا للحكومة الإسرائيلية معهم”.
وقال داوود، أن “حكومة قادتها ووزراؤها هم من قادة المستوطنين ومنظماتهم، لا يتوقع منها سوى دعم إرهاب المستوطنين وتشجيعه”.
ورأى في قرار كاتس رسالة طمأنة للجمهور الإسرائيلي بأن الحكومة لن تتراجع أمام قرار المحكمة الجنائية الدولية إصدار مذكرتي اعتقال ضد نتنياهو وغالانت.
وبين أن “قادة المستوطنين ممن يدعمون ويمولون إرهابهم بالضفة، لم يسبق أن تعرضوا للاعتقال أو المساءلة”.
فيما رأى منسق تجمع “المدافعون عن حقوق الانسان” عماد أبو شمسية أن القرار تهميد لمزيد من شرعنة البؤر الاستيطانية في الضفة، وسرقة الأرض، ومقدمة لتوسيع اعتداءات المستوطنين.
واعتبر أبو شمسية، أن القرار يشرعن الاعتداءات التي يمارسها المستوطنون، دون أن يكونوا عرضة للمساءلة أو المحاكمة.
وقال “من خلال توثيقنا، حتى في ظل وجود اعتقالات لبعض المستوطنين ممن يمارسون الاعتداءات والترهيب، كانت الاعتداءات كبيرة وسافرة، فكيف سيكون الحال بعد إلغاء الاعتقال”.