هل اقتربت نهاية الإفلات من العقاب؟ الجنائية الدولية تصدر أمرًا باعتقال قادة إسرائيليين، بقلم : محمود جودت محمود قبها
في تطور قضائي غير مسبوق أصدرت المحكمة الجنائية الدولية أمرًا باعتقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف جالانت بتهم تتعلق بارتكاب جرائم حرب وانتهاكات لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة يُعد هذا القرار علامة فارقة في مسار العدالة الدولية ويطرح تساؤلات حول إمكانية كسر الحلقة الطويلة من الإفلات من العقاب خاصة عندما يتعلق الأمر بالجرائم الكبرى التي تُرتكب من قبل قيادات سياسية وعسكرية بارزة.
خلفية القرار
ترتبط التهم الموجهة إلى نتنياهو وجالانت بالسياسات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية التي تضمنت عمليات عسكرية واسعة النطاق في قطاع غزة والضفة الغربية وجرائم مثل استهداف المدنيين التهجير القسري توسيع المستوطنات وفرض حصار خانق على قطاع غزة منذ عام 2021 فتحت المحكمة الجنائية الدولية تحقيقات في هذه الجرائم المزعومة بعد مطالبات متكررة من السلطة الفلسطينية ومنظمات حقوقية دولية ورغم التحديات والضغوط السياسية جاء قرار المحكمة الأخير ليؤكد على أهمية المساءلة الدولية حتى في وجه معارضة دولية قوية العدالة الدولية وتحدي الإفلات من العقاب لعدة عقود ظل الإفلات من العقاب سمة مميزة للعديد من الصراعات الدولية غالبًا ما كان القادة السياسيون والعسكريون يتمتعون بحصانة فعلية من المحاسبة إما بسبب نفوذهم السياسي أو بدعم من قوى دولية كبرى لكن قرار المحكمة الجنائية الدولية ضد نتنياهو وجالانت يبعث برسالة قوية أن العدالة قد تكون بطيئة لكنها حتمية.
ما الذي يجعل هذا القرار مختلفًا؟
محاسبة القادة الحاليين :
استهداف شخصيات بارزة مثل رئيس الوزراء ووزير الدفاع يُظهر أن المناصب الرفيعة لم تعد توفر حماية من العدالة الدولية.
التركيز على الجرائم الكبرى :
يُظهر القرار التزام المحكمة بمحاسبة مرتكبي الجرائم الخطيرة مثل جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية بغض النظر عن جنسية المتهمين أو مكانتهم الدولية.
الدفع نحو توازن جديد :
في عالم يشهد تصاعد النزاعات يمثل القرار محاولة لإعادة تعريف معايير العدالة الدولية وكسر حاجز الحصانة.
تداعيات القرار على النظام الدولي
1 .تأثير على إسرائيل
إسرائيل رفضت القرار بشدة واعتبرته مسيسًا وغير قانوني كما أكدت أنها لن تتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية وعلى الصعيد الداخلي يمكن أن يزيد القرار من التوترات السياسية في إسرائيل لا سيما وأن نتنياهو يواجه بالفعل تحديات داخلية كبيرة.
.2 مواقف دولية متباينة
لاقى القرار إشادة واسعة من قبل الدول الداعمة للعدالة الدولية والمنظمات الحقوقية التي طالما طالبت بمحاسبة إسرائيل على أفعالها في المقابل عارضت الولايات المتحدة وعدد من الدول الغربية القرار معتبرةً أنه يعيق فرص السلام في الشرق الأوسط.
.3 تعزيز دور المؤسسات الدولية
قرار المحكمة يُبرز أهمية المؤسسات الدولية في مواجهة الانتهاكات الكبرى لكنه يختبر أيضًا مدى قدرة هذه المؤسسات على فرض قراراتها في وجه المعارضة السياسية والدبلوماسية.
التحديات أمام تنفيذ القرار
رغم أهمية القرار فإن تنفيذه يواجه عقبات كبيرة أبرزها :
رفض إسرائيل التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية :
إسرائيل ليست عضوة في نظام روما الأساسي وبالتالي ليست ملزمة قانونًا بتنفيذ قرارات المحكمة.
الدعم الدولي لإسرائيل :
الدعم الذي تحظى به إسرائيل من قوى كبرى مثل الولايات المتحدة قد يعيق تنفيذ القرار.
التحديات الميدانية :
يعتمد تنفيذ مذكرة الاعتقال على سفر المتهمين إلى دول تعترف بسلطة المحكمة وتلتزم بتنفيذ قراراتها.
هل نحن أمام تحول حقيقي؟
قرار المحكمة الجنائية الدولية باعتقال نتنياهو وجالانت يُمثل خطوة نحو إنهاء الإفلات من العقاب لكنه في الوقت نفسه يكشف التحديات التي تواجه النظام الدولي في فرض العدالة.
الرسالة الرمزية للقرار
حتى لو تعذر تنفيذ القرار على الفور فإنه يُشكل ضغطًا سياسيًا وأخلاقيًا على إسرائيل ويعزز جهود المنظمات الحقوقية المطالبة بالمحاسبة كما يُعيد التأكيد على أن الجرائم الكبرى لا تسقط بالتقادم وأن العدالة الدولية ستبقى تلاحق مرتكبيها.
الأمل في مستقبل أكثر عدالة
قد يكون هذا القرار بداية لتحول أكبر في النظام الدولي حيث تصبح القوانين الدولية أكثر قوة وقدرة على مواجهة الانتهاكات مهما كانت هوية مرتكبيها يبعث قرار المحكمة الجنائية الدولية باعتقال نتنياهو وجالانت برسالة واضحة العدالة قد تكون بطيئة لكنها لا تتوقف وبينما يواجه النظام الدولي تحديات كبيرة في تطبيق هذا القرار فإنه يبرز أهمية المثابرة في السعي لتحقيق العدالة وإنهاء ثقافة الإفلات من العقاب التي لطالما هيمنت على السياسة الدولية.
باحث في درجة الدكتوراه في العلوم السياسية والعلاقات الدولية