ترامب المُقامر بِحُلته السياسية ، بقلم : آمنة مضر النواتي
عُرف في التاريخ منذ أكثر من ثلاثين سنة بعد المئة وتحديدًا أواخر القرن التاسع عشر نجد أن الرئيس الأميركي كليفلاند تولى الحكم فترة (١٨٨٣-١٨٨٩) ثم خسر أمام هاريسون، ثم تولى الحكم فترة(١٨٩٣-١٨٩٧)، وهذا ما حدث مع ترامب، إذ وصل إلى سدة الحكم في فترتين متباعدتين الأولى (٢٠١٦-٢٠٢٠) ثم خسر أمام بايدن، وعاد الآن مرة أخرى، هذا يستدعي قول أن عودة ترامب عودة تاريخية قوية، على الرغم من ارتفاع المؤشرات التي تستبعد ترشحه؛ لكونه الرئيس الوحيد في تاريخ أميركا الذي تعرض لمحاولتي عزل من البرلمان الأولى عام (٢٠١٩) بما تُسمى “فضيحة أوكرانيا”، والثانية عام (٢٠٢١)، بالإضافة إلى إدانته بثلاثة وأربعين قضية جنائية معظمها تتعلق بجرائم تزوير مستندات وسجلات، كما في حملاته الانتخابية عامي (٢٠١٦ و٢٠٢٠) للوصول إلى نتائج معينة تُفسد الانتخابات، وكذلك قضايا احتيال أخرى، انتهاءً بعلاقته المباشرة في حادثة اقتحام أنصاره الكونجرس عام (٢٠٢١) بعد فشله أمام بايدن، وهذه سابقة في تاريخ أميركا أن يحاول الشعب تغير نتيجة الحكم بالقوة بدلًا من الأصوات.
عهد ترامب الأول باستقراء حكم ترامب الأول (٢٠١٦-٢٠٢٠) وانعكاسها في تعامله مع إسرائيل فإن أبرز خطواته العالقة في أذهان العالم هي عمله على نقل السفارة الأميريكية إلى القدس، حينها تعالت أصوات نتنياهو ومواليه أن العرب لم يفعلوا شيئًا ولو أُخذت القدس لن يفعلوا شيئًا، لكن الحقيقة أنه بعد ٣ سنوات حدث “طوفان الأقصى” واتضح حينها أن ترامب أُحيط ببطانة مُضللة، والآن يتبلور السؤال في “هل سيكون ترامب في عهده الثاني كماعهده الأول؟”، وفي جميع الأحوال والتغيرات فإن الشعب الأميركي انتخب ترامب ليحل مشاكل أميركا، ليس إسرائيل وإن كانت الابن المدلل، وليس العرب وإن كانوا قوى تؤثر وتتأثر، ولا الشرق الأوسط. حقيقةً، ما يلفت الإنتباه في فوز ترامب هذه المرة هي الفرحة الساذجة من اليمين، بالرغم من الدعم اللامحدود من إدارة بايدن إلى إسرائيل من أسلحة وذخائر وطائرات F35 وحتى منظومة الدفاع ثاد، وتشير التقديرات أن أكثر من ٧٠٪ من تكلفة الحرب دفعتها إدارة بايدن، لم يقتصر الدعم ماديًا، فعلى أرض الواقع حين أُغلق باب المندب في وجه السُفن المتجه إلى إيلات سخرت إدارة بايدن بوارجها وقواتها وسياستها لتعزيز الأمن الغذائي والاقتصادي والحماية الدبلوماسية لإسرائيل.
شعار ترامب كتبت سابقًا فور فوز بايدن “من ترامب لبايدن يا قلب لا تفرح”، وأقول الأن إن بايدن شرٌ مُطلق، وترامب شرٌ مطلي، ترامب الذي يدّعي إحلال السلام في الشرق الأوسط هو ذاته مُروج صفقة القرن، ومُمهد التطبيع، وما خفي ليس بالعظيم، بل القادم مخزي ومُهين للشرق الأوسط.
في مقال نُشر بصحيفة “جيروزاليم بوست” بعنوان “إن كنت تدعم إسرائيل عليك أن تنتخب ترامب” أشادت كلمات المقال بمواقف ترامب خاصة في العقوبات على إيران، وصفقة القرن التي مهدت لتطبيع العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل أثناء حكمه.
منذ أول مناظرة إعلامية بين بايدن وترامب، صرّح الأخير إن “إسرائيل هي من تريد أن تستمر بالحرب، ويجب السماح لهم بإنهاء عملهم”، كما أكد على وقوفه بجانب إسرائيل ودعمه للعمليات العسكرية داخل قطاع غزة، وعارض ترامب مساعي بايدن لإنهاء الحرب.
ومن المعلوم أن حرب غزة تُعد من أبرز القضايا الخارجية المؤثرة بقوة في مجريات الانتخابات الأمريكية، إلى جانب قضية الهجرة، والاقتصاد والعلاقة مع الصين وحرب أوكرانيا. سر انهاء الحرب بالعودة إلى الدعاية الانتخابية لترامب، نجد أنه نجح بإدلاء تصريحات تداعب العاطفة خصوصًا بعد مرور سنة على حرب دموية شغلت العالم، تصريحات وتعهدات بأسلوب مميز بالتوازي مع استراتيجية تفاوضية توحي بإنهاء الحروب كافة، ليس فقط حرب غزة ولبنان، بل مردود هذه الدعاية فوز ساحق بالانتخابات. بعض السيناريوهات التي تلوح في الأفق إذا قرر ترامب أن يجعل من تصريحاته أفعالًا تُرى لا أقوالًا تُسمع، وبما أنه سياسي مُحنك بالصفقات فممكن أن ينتهج الآتي:
1. صفقة شاملة تنهي الحروب بشروط إسرائيلية منحازة، بنزع سلاح حماس، وعودة اللبنانين إلى ما وراء الليطاني، مقابل إعادة إعمار البلدين وإنعاشهم اقتصاديًا، وبذلك تكون السلطة العليا لإسرائيل.
2. صفقة جزئية بوقف اطلاق النار بشروط صارمة على الفلسطينين واللبنانين مقابل وعود بتخفيف الحصار أو تحسين الوضع المعيشي، وبهذا يكون الحل سطحي، وليس جذريًا.
3. الضغط غير المباشر على إيران لوقف أوتخفيف دعمها لحزب الله وحماس وبذلك ينخفض خطر التصعيد بين إسرائيل والأذرع المدعومة من إيران، ثم وقف للحرب.
4. مؤتمر دولي للسلام بإشراك دول عربية طبعت حديثًا، مدعيًا بذلك انهاء الحرب بمبادرة شاملة تُخفي في تفاصيلها توافقها الإسرائيلي. رؤية للشرق الأوسط في زمن ترامب لنستذكر أن ترامب هو في الأصل رجل أعمال اقتصادي، كما ذكرفي كتابه “The Art Of The Deal” عدة شروط لنجاح أي موقف يتخذه، وأهمها المردود، بمعنى أنه يقيس نجاح أي صفقة أو خطوة بناتج مردودها، لذلك يفكر ويتعامل كرئيس بمنصب سياسي بعقلية تفاوضية وليس سياسية.
وينعكس ذلك جليًّا في أثر فوزه الساحق إذ جعل الشرق الأوسط على صفيح ساخن، لبنان، سوريا، العراق، اليمن، وإيران مرورًا بتركيا والخليج حيث تنتظرهم أيام صعبة وتغيرات تكتيكية، وصفقات تلوح في الأفق.
بداية في تركيا إذ قال ترامب في عهده الأول إن “تركيا حليف إقليمي مهم لواشنطن”، لذا يُعلق أردوغان آماله على إعطاءه مساحة أكبر في سوريا للعمل ضد الأكراد خاصة بعد وعد ترامب بالانسحاب منها، مع المحافظة على المصالح الأمريكية، وإعادة التوصل لاتفاق بشأن طائرات F35التي توقفت في عهد بايدن، ودعم الاقتصاد التركي بتوسيع التبادل التجاري.
وعلى صعيد العراق فعدد من القوات الأمريكية تعد خط دفاع ضد داعش إلا أن هناك تخوف من انقلاب العلاقات بعد مشاركة الميليشيات المدعومة من إيران بضرب إسرائيل، كونها قد تدخل في ميليشيات ما دون الدولة. وبخطٍ متوازٍ مع اليمن فينتظرها أيام صعبة كونها ضمن خطة القضاء على ميليشيات ما دون الدولة.
وبما يتعلق بسوريا فتخوف النظام السوري لاعتباره جزء من المحور الإيراني، لكن الذي يذيب هذا التخوف هو عدم تصديه لأي مواجهة ضد إسرائيل منذ السابع من أكتوبر، ومن جهة المعارضة السورية فمصيرها مصير أنقرة في علاقتها مع واشنطن، فمن الممكن أن يتوسع نفوذها في شمال شرق سوريا.
ودول الخليج تعد شريك استراتيجي للتحديات الأمنية خاصة ضد إيران في عهد ترامب الأول، وبفوزه الثاني تُراهن السعودية خاصة بضرورة التوصل لاتفاق يقضي بدخولها النادي النووي من خلال الضغط باتجاهين وهما التطبيع مع إسرائيل والاعتراف بدولة فلسطينية.
وأخيرًا إيران تعد الطرف الأهم والأكثر توترًا منذ عهد ترامب الأول فانسحابه من الاتفاق النووي عام (٢٠١٥) بالتوازي مع حملة “الضغط الأقصى ضد طهران” أدى لفرض عقوبات اقتصادية ضدها، وتشير التقديرات بفوزه الثاني إلى إعادة تفعيل هذه الحملة مع التركيز على تقليص مبيعات النفط الإيراني، وعزل طهران دبلوماسيًا، لكن هذا لا ينفي أن ترامب قد يعقد صفقة أفضل لتشمل البرنامج النووي الإيراني وبرنامج الصواريخ الباليستية ونفوذ طهران الإقليمية.