عصر التنوير ، بقلم : غازي الصوراني
أشرق نور التنوير على أوروبا من إنجلترا الليبرالية، ثم انتقل إلى فرنسا وألمانيا وبقية أوروبا، ومع تلك الاشراقة التنويرية الحاملة لمفاهيم الحرية وسيادة العقل، والتحرر من وصاية الكنسية والاقطاع ، خرج الانسان الأوروبي من إسار التخلف والاستبداد الإقطاعي صوب الحرية و الروح النقدية التي انطلقت في النظر إلى الوجود بتفكير عقلاني يبحث عن أسباب الظواهر بعيداً عن غيبيات الكنيسة من ناحية، ورافضاً للعلاقات الاقتصادية الاجتماعية المتخلفة التي تراكمت طوال العصر الإقطاعي البائد من ناحية ثانية، ولذلك لا نبالغ في القول بأن فكر التنوير افتتح بوابة العالم الحديث، لأن معظم أفكار الحداثة (العقلانية والديمقراطية والعلمانية والمواطنة والتقدم والحرية.. إلخ) جاءت من تأثير مباشر من فكر التنوير.
ولذا، “فالتنوير ليس مجرد حلقة من حلقات تاريخ الأفكار بل ثابت أساسي من ثوابت الفكر الفلسفي الغربي منذ كانط حتى الآن، فالمذهب الليبرالي يؤكد حرية التعبير وحرية الكلام. وهنا تتلاقى الليبرالية السياسية مع فلسفة عصر التنوير، فالدفاع عن مثل هذه الفضائل ليس مبنياً على النظرة المفيدة أن التسامح هو قيمة “خير” فحسب، وإنما أيضاً على النظرة التي تقول إن نقاشاً مفتوحاً وحراً هو شرط ضروري لنكون قادرين على الوصول إلى رؤية صحية في العلم، كما في السياسة”.
فالحرية شرط العقلانية، وفي الوقت نفسه هي شرط للديمقراطية في عملية خلق الرأي العام الشعبي، وفي التأمل المتنور، ذلك ما عبر عنه بوضوح المفكر الفرنسي مونتسكيو الذي ربط الحرية بشكل خاص بإسهامين اثنين أساسيين وهما: نظرية فصل السلطات كشرط للحرية، ونظرية تأثير البيئات المختلفة على السياسة، وكانت فرنسا في القرن الثامن عشر هي الرافد الاساسي والأكبر لنهر العالم الكبير الذي تحدر من أرض اليونان قبل ذلك باثنين وعشرين قرنا.
نستخلص مما تقدم، أن مفكري التنوير (في انجلترا وفرنسا وألمانيا) كانوا قد “أَحَلُّوا العقل السيد المستقل محل العقيدة اللاهوتية المسيحية التي سيطرت على البشرية الأوروبية قرون وقرون، لقد كان العقل هو القضية الكبرى لفلاسفة القرن الثامن عشر والذي دعي في كل أنحاء أوروبا بعصر التنوير”.