الولايات المتحدة بعد فوز ترامب الى أين؟ بقلم : د. محمد عودة
الانتخابات الامريكية هي انتخابات ديمقراطية الى حد بعيد نسبياَ فكل مواطن أمريكي يمتلك صوتاً لا يقل عن صوت أي مرشح سواءً للرئاسة أو لمجلسي الشيوخ والنواب. بالتالي من حيث الحقوق الفردية في الانتخاب والترشح فهي مكفولة بالقانون وتخضع ضمن معايير تسمح لكل من تنطبق عليه أن يترشح لشغل منصب أي من المؤسسات الثلاثة آنفة الذكر.
تعاقب على الولايات المتحدة ستة وأربعون رئيساً ونحن على بعد فترة قصيرة من تنصيب الرئيس السابع والاربعين. كان الالتزام بفترة السنوات الاربع للبقاء في البيت الأبيض صارماً (إلا في حالات قليلة عند اغتيال الرؤساء، أو إقالتهم او استقالتهم).
منذ خمسينات القرن التاسع عشر انحصر رؤساء الولايات المتحدة في الحزبيين (الجمهوري والديمقراطي) على الرغم من كون نظام الانتخاب في أمريكا أكثر مرونة مما عليه الحال في المملكة المتحدة الا ان النظام نفسه يمنح الحزبين الفرصة الأكبر.
عودةً الى الموضوع الرئيسي، وهنا ربما تُطرح تساؤلات كثيرة، بما إن الانتخابات تجري في مواعيدها، ويتم التسليم بسلاسة فما هو الجديد؟ خاصة وانه وعبر سنين طويلة تعاقب الحزبان على إدارة الولايات المتحدة ضمن سياسة المؤسسة وبتأثيرٍ محدود للشخوص، أما دواعي اختيار العنوان فهي مرتبطة بعدة عوامل مستجدة في أمريكا والعالم.
مع دخول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في الفترة الرئاسية السابقة طفى الصراع على السطح وحل محل التنافس بين الحزبين ورغم ان ترامب لم يخض أي حرب خارجية الا انه رفع العصا الغليظة في وجهة حتى الخصوم فحاصر ايران وابتز العربية السعودية وحاول فرض صفقة القرن ،كل ذلك كان مرتبطاً بعوامل داخلية تخص طبيعة ترامب وتوجهاته السيودينية (ربط السياسة الامريكية بالرؤيا الايفانجيلية)وقد كانت حينها الظروف في الولايات المتحدة مريحة إلى حد ما وكانت امتداد لفترة الحرب الباردة التي من نتائجها تبعية الغرب كاملاً للولايات المتحدة مرورا بانهيار الاتحاد السوفييتي حتى بداية استعادة روسيا الإتحادية لعافيتها وبدء تشكيل حلف سياسي اقتصادي، إن لم يكن نقيض للحلف الامريكي الغربي فسيكون منافس قوي، ونعني مجموعة البريكس الصاعدة.
عبر التاريخ عملت الولايات المتحدة إلى افتعال الحروب خارج حدودها للحفاظ على هيمنة سياسية واقتصادية مدعومة بالقوة العسكرية على العالم، فنشرت قواعد عسكرية في مشارق الارض ومغاربها، وأنشأت ودعمت فصائل التطرف في كل القارات حتى تُبقي مصانع السلاح تعمل خاصة وأنها تسهم بشكل كبير في الدخل القومي. وللتدليل على ذلك نورد بعض الامثلة، حيث احتلت أمريكا دول مختلفة مثل نيكاراغوا، كوستاريكا، غواتيمالا، غرينادا، بنما في امريكا اللاتينية والعراق وسوريا في الشرق الاوسط والفيتنام في اسيا. ولتعزيز الهيمنة نشرت قواعدها في هندوراس، قطر، كوريا الجنوبية وغيرها.
اما اليوم وبعد اعلان فوز ترامب فان على أمريكا ان تعيد حساباتها في علاقاتها مع الخارج من جهة وتصويب الأوضاع في الداخل من جهة أخرى من اجل البقاء كشريك في صدارة العالم ضمن عالم متعدد الأقطاب وأن تبقى موحدة خاصة وان ترامب لن يحظى برئاسة ثالثة، فان على الإدارة الامريكية الانكفاء نحو الداخل من أجل تحصينه وهذا سيتيح بناء علاقات جديدة بين الشعوب أكثر عدلاً وانصافاً.
مطلوب من الإدارة الامريكية الكف عن الشعور بالفوقية خاصة في ظل الظروف الدولية الراهنة والحروب الدائرة بما فيها حروب الأوبئة، كما ان على الإدارة الامريكية تفكيك قواعدها في الخارج وتصليب اقتصادها على أسس مغايرة لما هو حاصل، فالدولار سينهار وتجارة السلاح كذلك.
ان وجود تكتلات سياسية اقتصادية صاعدة في اسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية مثل البريكس ومجموعة النمور يصعب كثيرا من استمرار قيادة العالم بقطب واحد كما ان هذه التكتلات ستقلص كثيرا من إمكانية ان تنهب الولايات المتحدة وحلفائها مقدرات شعوب الجنوب.
إن لدى أمريكا القليل من الوقت لتصحيح المسار والحفاظ على ذاتها كقوة فاعلة في المشهد الدولي، فإن لم تفعل، سيكون أمامها خيارين لا ثالث لهما: الخيار الاول التفكك والذهاب إلى تحويل التنافس الداخلي إلى تصارع وربما اقتتال، أما الخيار الثاني فهو الذهاب إلى حرب عالمية لن تخرج منها أمريكا منتصرة، بل ستعيد من يبقى في هذا الكون إلى العصر الحجري.
وهنا أنتهزُ الفرصة لاخاطب قيادة الولايات المتحدة الجديدة بكل مؤسساتها واقول لقد حاولتم وربيبتكم إسرائيل خلال ما يزيد على مئة عام طمس هوية الشعب الفلسطيني، ولم ولن تفلحوا، وعليه انصحكم بإلزام ربيبتكم بالكف عن حماية هذا الكيان في مجلس الامن حينا وبالقوة في كل الأحيان، ان على إسرائيل التخلي عن اطماعها في فلسطين والمنطقة، أما أنتم فعليكم العمل مع الاقطاب الجديدة من اجل تمكين شعوب العالم وعلى راسها الشعب الفلسطيني من الانعتاق من ظلمكم وعدوان صنيعتكم.
سواء فعلتم ام لم تفعلوا ستتحرر كل شعوب الأرض وستسهم في ترسيخ عالم أكثر إنسانية، يسوده السلم والاستقرار والازدهار. فأنتم مطالبون أيها الأمريكيون بالكف عن ممارسة دور الشرطي وعن تبني الدول الإرهابية المارقة كما هو حال الكيان الصهيوني وكفى تفريخاً للإرهاب في كل مكان.
في الختام أتمنى للشعب الامريكي وقيادته الجديدة صحوة تؤهله للإسهام في بناء عالمٍ جديد وان يكون دوركم مغاير لما حصل خلال قرنين ونصف من عمر دولتكم ولكي تخطوا حروفا مشرقة في التاريخ تعفيكم نسبيا من كونكم الدولة الأكثر دموية واذية عبر التاريخ..