التربية الخاصة الاهمية والاحتياج ، بقلم : د. محمود حسين
يعتبر موضوع التربية الخاصة من الموضوعات الحديثة في ميدان التربية وعلم النفس مقارنة مع الموضوعات المتناولة في هذه العلوم، ويشهد القرن الحالي اهتماما ملحوظا برعاية المعوقين وذوي الاحتياجات الخاصة، وتزايد اهتمام المجتمعات الإنسانية بتوفير الرعاية الاجتماعية والنمو والتعلم لهذه الفئة الخاصة، وخاصة مع تطور البرامج والمناهج التربوية، والوسائل والتقنيات الحديثة، بهدف التخطيط الواعي لإحداث التغيير المقصود، ومساعدة هذه الفئات على تنمية قدراتها وتحقيق ذاتها وإيجاد نوع من التوافق بينها وبين بيئاتها الاجتماعية، لتتمكن ما أداء أدوارها ووظائفها الاجتماعية، وإشباع احتياجاتها الضرورية للنمو والتفاعل الإيجابي، بعد أن كان مصيرها سابقا هو العزلة والازدراء والإهمال، والتخلص منها وعدم الاهتمام بتأهيلها وتدريبها أو محاولة علاجها، وإيجاد الثقافة والطرق الخاصة للتعامل الصحيح معها، وإعادة دمجها وكأنها ليست جزءا من المجتمع، وقد شهد ميدان التربية الخاصة اهتماما كبيرا وسريعا خلال السنوات القليلة الماضية، وتضافرت جهود العلماء والمفكرين والأطباء والمهندسين والأخصائيين الاجتماعيين ومختلف المنظمات الرسمية والشعبية، وانتشرت حركة البحوث العلمية لهذه الفئات، للبحث عن الطرق والآليات التي تمكن الأفراد المعوقين من تلبية احتياجاتهم التربوية والتأهيلية واستثمار ما تبقى لديها من قدرات وإمكانات، وإعادة تكييفها الاجتماعي والنفسي والاهتمام بالوعي والتأمين الصحي والرعاية الاجتماعية والنفسية والعقلية والمهنية، وبذل كل الجهود الممكنة للتكيف والتوافق مع الإعاقة، وإعادة التوازن المنظومة علاقاتها مع ذاتها ومع بيناتها الاجتماعية حتى لا يتحول عجزها وقصورها الوظيفي إلى حالة من العجز والسلبية والعزلة الاجتماعية، والشعور بالنقص والحساسية الزائدة، وفقدان الثقة بالنفس والدونية، والشعور بعدم الانتماء والحب، مما يحول دون اكتساب مظاهر السلوك التكيفي، والعزلة عن مجرى الحياة اليومية.
واهتمت المواثيق العالمية والدولية والمجتمعية بذوي الاحتياجات الخاصة ونصت على حقوقها في البقاء والنمو والحماية والحياة الكريمة والرعاية الاجتماعية والتعليم، شأنهم في ذلك شأن ذويهم من العاديين، على أن تتاح لهم فرص التعلم والتعليم المناسبة في ضوء احتياجاتهم وإمكاناتهم، بهدف الاستفادة من طاقاتهم كأفراد في المجتمع، وليسوا عبنا عليه وهو أمر تنص عليه التشريعات السماوية والقوانين الوضعية.
وقد أصبح موضوع التربية الخاصة من أكثر المواضيع انتشارا، واتسع مجال خدماتها ليشمل بالإضافة إلى تقديم البرامج المتخصصة للأطفال والأفراد داخل صفوف التربية الخاصة، خدمات الأطفال داخل الصفوف العادية حسب هم أولئك الذين يختلفون على نحو أو آخر عن الأشخاص الذين يعتبرهم المجتمع عاديين، إنهم الأشخاص الذين يختلف أداؤهم جسميا أو عقليا أو سلوكيا عن أداء أقرانهم العاديين.
وهذا الاختلاف يكون اختلافا ملحوظا وبشكل مستمر ومتكرر يحد من قدرتهم على النجاح في تأدية النشاطات الأساسية الشخصية والتربوية والاجتماعية، وقد أطلقت عدة مصطلحات لوصف هذه الفئة، وعرفها كل من الدكتور مصطفى القمش وناجي السعايدة، بأنهم تلك الفئة من الأطفال الذين ينحرفون انحرافا ملحوظا عن المتوسط العام للأفراد العاديين في نموهم العقلي والحسي والانفعالي والحركي واللغوي، مما يستدعي اهتماما خاصا من المربين والمعلمين لهذه الفئة من حيث طرائق تشخيصهم ودفع البرامج التربوية، واختيار طرائق التدريس الملائمة لهم.
والمقصود بالتوافق الشخصي والنفسي هو نجاح الفرد في التوفيق بين مختلف دوافعه، وحسن تكيفه مع نفسه، والتوافق الاجتماعي هو حسن التكيف مع الآخرين والتوافق والتواؤم مع البيئة الاجتماعية التي ينتمي إليها، والقدرة على تكوين العلاقات الإيجابية بينه وبين الفئات التي يتعامل معها، وبإعادة توافق الأفراد مع أنفسهم ومجتمعهم، وإتاحة الفرصة أمامهم للتعلم والتدريب والتأهيل والعمل والصلاح، يمكن تحسين حياتهم ومساعدتهم على التغلب على المعوقات التي تعوق نموهم وتفاعلهم وعلاقاتهم بالآخرين، ويقلل تعرضهم للكثير من الانحرافات الخلقية والنفسية والاجتماعية.
وقد أشارت الجمعية العامة إلى أن الشخص المعاق هو كل شخص لا يستطيع تأمين حاجاته الأساسية بشكل كامل أو جزئي أو حياته الاجتماعية، نتيجة الإعاقة خلقية أو غير ذلك، وتؤثر في أهليته الجسمية والعقلية .