4:19 صباحًا / 28 أكتوبر، 2024
آخر الاخبار

رؤى لمواجهة اّثار العنف المحلي (1) بقلم : د. غسان عبدالله

العنف وبكل أطيافه ( اللفظي verbal، الجسدي physiological والمعنوي non- verbal)) هو نتيجة حتمية لحالة الصراع ( بكل أشكاله وأطرافه) الذي يعيشها الانسان منذ بدء الخليقة ، لا يمكن القضاء عليه ، بل يمكن التخفيف والحد من اّثاره وانعكاساته السلبية على أطراف الصراع المحتدم ، بغض النظ عن الجنس والعمر ، المستوى التعليمي أو الخلفية الاجتماعية للأفراد.
تكمن الصعوبة الأكبر في العنف المعنوي ، حيث تبقى آثارها دفينة و عميقة و قد لا تظهرفي الحال.

يقول صلى الله عليه و سلم “المسلم من سلم المسلمون من لسانه و يده”.
يقول الشاعر :

” جراحات السنان لها التئام و لا يلتتم ما جرح اللسان “.
والقول المأثور ” رب قول أنفذ من صول”، قول عربي حكيم حرص على كيفية التعامل المعنوي مع البشر .

تتنامى الميول الى ممارسة العنف المتعمّد (intentional violence) أو غير المتعمد- العفوي( incidental violence) كلما حلّت نكبة/ جائحة أو ظروف طارئة غير مريحة لدى الفرد، نتيجة لقناعات وتصورات ومعتقدات محدّدة لديه ، والأمثلة على ذلك كثيرة لا تعدّ ولا تحصى( بدءا من حادثة قابيل وهابيل )، اقدام سيدنا موسى على قتل أحد المتشاجرين ، وأيضا محاولة ايذاء والايقاع بسيدنا المسيح عليه السلام، وتتواصل الأسباب والجج والتبريرات الى يومنا هذا .
كلما ازداد منسوب الضغوطات النفسيّة ( متعدّدة المصادر )وانخفضت تجارب الفرد، اما بسبب العمر أو غيره ، واضمحلت / انحصرت ثقافته في قفص معيّن لا يتيح لذاته الانعتاق منه ، كلما ازدادت الميول نحو ممارسة العنف . لنمط شخصة الفرد دور في ذلك ، فالإنسان المزاجي تختلف ردات فعله عن الانسان البالون وعن ذلك الانسان الرزين المتزن الحكيم بفعل نضجه الثقافي وتجاربه السابقة ، والأهم تقوى الله ومخافته ,
يعود اهتمام الكاتب في الموضوع هذا ، الى عام 2001 ، ( بدء الاجتياحات الاسرائيلية وما سبقها من ممارسات عنف خلال انتفاضة 1987 ) ،حيث عملت على اصدار دليل عملي لحل النزاعات سلميا بعنوان ” استراتيجية السلحفاة في حل النزاعات سلميا ، قامت مؤسسة KAS الألمانية بنشره وتوزيعه إقليميا، وفي عام 2003 ، شاركت في اعداد كتاب تحت عنوان ” التعلم للقضاء على العنف … التعلم من أجل ثقافة السلام ، مع فريق من جامعة كولومبيا / كلية اعداد المعلمين منهم هيذر فورست ،جانيت جرسون ، نورما نعمةو اّخرين ، صدر الكتاب مؤسسة ” نداء لاهاي” نيو يورك ” تبع ذلك عام 2005 كتاب اخر بعنوان ” التعليم ضد الكراهية” نشره معهد USIP في واشنطن ، وخلال جائحة كورونا تم اعداد دليل عملي للأسر في كيفية الحد من اللجوء الى توظيف العنف لحل الخلافات وتقليل انعكاساتها عل أفراد الأسرة قاطبة والأطفال خاصة .جميع هذه الكتب متوفرة باللغات العربية والانجليزية والتي تم توزيعها في حينه مجانا .
إضافة الى المساهمة مع مجموعة من المفكرين ورجال دين أمثال بروفسور حمزة ذيب ، د.أيمن بدارين في اصدار دليل تعزيز السلم الأهلي عام 2022 .
نرى ضرورة الولوج في لماذا علينا جميعا أن تتكاتف جهودنا من أجل كبح فرص وباء العنف المحلي/ الأسري!!!؟؟؟
للاجابة على هذا نبدأ بحتمية الحاجة الى بعضنا البعض لأسباب مادية ، تسيير الشؤون الحياتية وسيكولوجية كون الانسان يأنس بالانسان من خلال بناء علاقات مع الاّخر .
ورد في حديث نبوي شريف ” ألا أنبئكم بشر الناس؟ قالوا بلى يا رسول الله، قال من أبغض الناس و أبغضوه. “ وقول سيدنا علي بن أبي طالب ” رأس الجهل معاداة الناس “.
أضف الى ذلك الانعكاسات السلبية في حالة النزاع مثل:
أولاً: عذاب النفس: النزاع بمثابة حمل ذو عبء ثقيل على النفس البشرية. تخيل وأنت تدخل على مجموعة من الناس، صف وقارن بين شعورك وأنت في مجموعة لديك فيها الأحباب و الأصدقاء وأخرى لديك فيها الأعداء؟؟؟
يدفع ممارسة العنف ال تشتيت الجهد، ويجعلك دوما تشعر بأنك مرمى السهم ، وقد يدفعك الى اقتراف الحرام ، ومن ثم إضعاف المجتمع، لذا علينا الاعتراف بأن الاختلافات من سنة الطبيعة، يتوجب الاعتراف بها و احترامها، على سبيل المثال لا الحصر: اختلافات جنسية – ذكر / أنثى ،اختلافات في لون البشرة – أسمر / أشقر ،اختلافات العرق البشري، اختلافات في الدين، ولنا هنا أن نستذكر قول مارتن لوثر كنج ” حلمي أن يعيش الأطفال يوماً في أمة لا يحكم عليهم حسب لون بشرتهم، لكن وفقا لمحتوى شخصيتهم / نظامهم .
لتذويت هذا نقترح على القارئ البحث عن آيات من الكتب السماوية الثلاثة تحرم القتل والسرقة و الزنا .
خطوة أخرى يمكن تبنيها لتقليل فرص والحد من ممارسة العنف ، ألا وهي التفكير خارج القفص الثقافي ، فالثقافة هي نموذج الحياة اليومية لمجتمع ما تشمل الدين، اللغة، الأعراف، الفنون العادات و الطقوس المأكولات و الملابس، وبالتالي تشكل الاختلافات الثقافية مصدراً للاختلاف بين الناس.
كما نحن بحاجة الى الإقرار بوجود الفروق الفردية، نقاط قوة ونقاط ضعف لدى كل شخص ( طاقة ، قدرة اجتماعية ، قدرات سيكولوجية وعاطفية ).
استراتيجيات مقترحة للسيطرة على الذات والتحكم بالذات لتجنب ممارسة العنف
(1) التفكير المليّ قبل الكلام وتجنب الحديث الارتجالي.
(2) أن يجعل الإنسان ذاته مقياساً و يضع ذاته مكان الآخر، فلا ينطق بكلمة لا تقبلها لنفسه.
(3) حسن الاستقبال للشخص وان سبق وحصل سوء فهم بينكما.
(4) الابتعاد عن المزاجية في التعامل و التعامل مع الإنسان يختلف عن التعامل مع البيئة، فأنت تتعامل مع مزاجات مختلفة و نفسيات متفاوتة.
(5) ضبط حب الذات و كره الآخر، محاسبة الذات أولاً قبل محاسبة الآخر.
(6) ممارسة الاعتذار : الاعتذار هو الإقرار بالخطأ وطلب العفو و في رأيي هو سلوك حضاري يكرس احترام الفرد لذاته وتقديره لغيره. فالاعتذار ليس تعبير عن حالة ضعف و هزيمة، هو حالة شجاعة.
أما بخصوص الاختلاف في الرأي
قد نستطيع فهم احتدام نزاع بين شخصين اعتدى أحدهم على ممتلكات الآخر، و لكننا لا نستطيع فهم احتدام نزاع لدرجة القطيعة حيال شخص يخالفني الرأي. الرأي لغة هو الاعتقاد و العقيدة هي ما عقد عليه القلب و الضمير و ما يدين به الإنسان و اتخذه عقيدة له.
و عليه ، فإن مفهوم رأي يدل على أنه شيء خاص بالإنسان يرتبط بمشاعره لا يحق لأحد مهما أوتي من قوة أو سلطة ، أن يتدخل فيه و إن حاول فلن يستطيع و إن بدى ظاهرياً إخضاعه، فيبقى في قراره الداخلي مستعصيا على كل قوة عاتية، ولنا في قصة سيدنا بلال بن رباح وقصة العالم غاليليو، حين خالف الكنيسة بأرائه. أعطت جميع الديانات السماوية هامشاً كبيراً لممارسة حريتي التفكير والتعبير عن الرأي و الابتعاد عن التعصب وضرورة الاستماع إلى الآخر.
غريب نحن البشر نعترف بخصوصيات الآخرين مثل اللباس والمأكل، في حين لا نعترف بحق الفرد في تكوين وبلورة رأيه الخاص.
لن يفوتنا الإفصاح عن أن من أسباب الاختلافات بين البشر، الخلاف الديني، هنا نقترح تبني نهج الحوار كأساس الصلاح، ولنتعظ بقول العلي العظيم “لكم دينكم ولي دين” وقوله جلا وعلا في الآية الكريمة 82 من سورة الأنعام ” الذين اّمنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم ، أولئك لهم الأمن وهم مهتدون ” ” أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده ” 90 الانعام والا نكون من الجاهلين الذي ينطبق عليهم ما ورد في الذكر الحكيم ” وان كثيرا ليضلون بأهوائهم بغير علم” 119 الانعام .

شاهد أيضاً

السيسي : طرحنا مبادرة لوقف إطلاق نار في غزة لمدة 48 ساعة

السيسي : طرحنا مبادرة لوقف إطلاق نار في غزة لمدة 48 ساعة

شفا – أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، اليوم الأحد، أن مصر اقترحت مبادرة لوقف …