إلى الشامتين بمُصاب أُمتنا ، بقلم : نزار موسى أبو دهيم
على وقع أخبار ارتقاء واستشهاد البطل المجاهد يحيى السنوار تقبله اللّهُ تعالى مع الأنبياء والصدّيقين والشهداء وحسُنَ أولئك رفيقا. شاهدت عشرات التسجيلات المرئية (فيديوهات) على مواقع التواصل الإجتماعي ورأيتُ العربي الذي يشعرُ بالعزة والكرامة والفخر لهذه الشهادة التي أكرم اللهُ تعالى بها السنوار على أرض مسرى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وأرض الأنبياء و الرسالات والمرسلين بوابة الأرض إلى السموات العُلى . أكرمه اللهُ تعالى بالشهادة على تراب هذه الأرض المقدسة مقبلا غير مدبر في الصفوف الأولى مجاهداً مقاتلاّ صلباً عنيداً كالفولاذ لا يُكسر. وببأسٍ شديدٍ قويٍ لا يلين ولا يتغير.وبعقيدةٍ وعهدٍ كالجبال الراسيات شامخاً لا يتزحزح.لا يسعنا إلا أن نرفعَ رؤوسنا بكلِّ فخرٍ وعزٍّ وثباتٍ واحتسابٍ عند الله تعالى لهذه الشهادة والقتل في سبيله التي طالما تمناها وسمعناها منه.سبحانه إنه ربٌ سميعٌ مجيب. ورأيت أيضاً العربي الحزين الباكي والمتألم الصادق في عاطفته وانتمائه بمشاعره الحزينة للظلم والإبادة والتحريق الذي نراه يقع على أهلنا في فلسطين وعلى إخوتنا في لبنان واليمن وسوريا والعراق ليل نهار.لكن الغريب والقاسي و المؤلم جدا أن ترى من يَدّعُون العروبة و التدين والعلم الشرعي الذين هم لا يعرفون فقهاً ولا يفهمون قولاً ولا يعيشون واقعاً وكأنهم في كوكبٍ غير الأرض.فيخرجُ علينا أحدهم ويبشر العالم عن خبر استشهاد (مقتل)السنوار بأنها أخبار جيدة للعالم…ويخرج آخر يُحسبُ على المثقفين والشعراء يزفُ الفرح ويحمد اللّه على هذا (الهلاك) الذي أصاب السنوار. ويخرج آخر ممن يدّعون التدين والعلم والفهم ممن صُودرت عقولهم وغسل الصهيوني دماغه ونزع الحياء من قلبه ويسجدُ شكراً لله بمقتل السنوار ويضيف أنه من إحدى الفرق التي حصرت الإسلام فقط في أهل السنة والجماعة دون باقي المسلمين.ثم يحصُر الإسلام بعد ذلك في طائفة أهل السنة ومن ثم يحصر الإسلام في جماعته السلفية ويُخرجُ بذلك التصريح الخطير الغريب كل المسلمين وجماعة الإخوان وجماعة الدعوة والتبليغ من دائرة الإسلام ويجعله فقط في فرقته السلفية المَدخليةُ.!!!! هل يُعقل لهذه الدرجة أصبح واقع الأمة الإسلامية والعربية.هل يعقل لهذا أن يكون هذا بعد كل شلالات الدم التي اُريقت في بلادنا؟؟هل يحدث كل هذا الشقاق والتنازع بعد مقتل الآف النساء والشيوخ والأطفال…هل يعقل أن تكون هذه الشماتة بأخيك المسلم والعربي وطائرات العدو ما زلت تقصف المدارس والمستشفيات والمساجد وتذبح دون هوادة ؟ أنا لا أتردد ولو للحظة وأجزم بأن مثل هؤلاء الأشخاص والمشايخ والدّعاة المُدّعين للعروبة والدين ما هم إلا مطايا للعدو يركبهم متى شاء وما هم إلا أداة العدو الذي يضربُ بهم . وما هم إلا بُوقهِ الذي ينفُخُ فيه الكراهية ويبثُ السمومَ به ويمرر بهم مخططاته في أوطاننا بين أهلنا ومجتمعاتنا فانتبهوا أيها العرب لهؤلاء الجواسيس والخونة والمُسلَّطينَ علينا من أبناء جلدتنا والمتحدثون بألسنتنا.
فالعربي الشهم والأصيل لا يفرح لمصيبة عربي مثله ولو كان عدوّه على أي أمر كان بينهما وهذه كانت في تاريخ العرب حتى ما قبل الإسلام فكيف بعد الإسلام؟ففي تاريخ العرب الجاهلي قبل الإسلام .في المُعلّقة الشعرية المذهبة (هل غادرَ الشعراءُ من مُترَدمِ) يقول عنترة بن شداد مادحاً وواصفاً بعد قتله لعدوٍ له من قبيلة أُخرى جرى بين القبيلتين نزاعاً وحربا ومعارك طويلة.يقول عنترة بأن عدوه كان بطلاً فارساً طويلاً شهماً نبيلاً لم يكن هذا العدو خائفاً ولا جازعاً من مواجهتي وكانت ثيابه نظيفة يرتدي نعلاً من الجلد المدبوغ.ويستمر عنترة بوصف شجاعته ويُثني على إقدامه لنزاله ومواجته ويصفه بأنه رجلا نبيلاً كريما
وهذه هي أبيات عنترة الشعرية من مُعلّقته :
ومُدَجَجٍ كَرِهَ الكُماةُ نِزالَهُ
لا مُمعِنٍ هَربًا، ولا مُستَسلِمِ
جَادت يَدايَ لهُ بِعاجلِ طَعنةٍ
بِمُثقفٍ صَدقِ الكُعُوبِ مُقَوّمِ
بِرَحيبةِ الفَرغَينِ يَهدي جَرسُها
بِالليلِ مُعتَسَ الذئابِ الضُرَمِ
فَشككتُ بِالرُمحِ الطويل ثيابَهُ
ليسَ الكَريمُ على القنا بِمُحَرَّمِ
فتركتُهُ جَزَرَ السِباعِ يَنُشنَهَ
ما بين قُلةِ رَأسهِ والمِعصَمِ
ومِشكِ سَابِغةٍ هَتكتُ فُروجها
بالسيفِ عن حامي الحَقيقةِ مُعْلَمِ
رَبذٍ يداهُ بِالقِداحِ إذا شَتا
هَتّاكِ غاياتٍ التِجارِ مُلَوَّمِ
لما رآني قَد نَزَلتُ أُريدهُ
أبدى نَواجِذَهُ لِغَيرِ تَبَسمِ
فَطَعنتُهُ بِالرُمحِ، ثُم عَلوتُهُ
بِمُهَندٍ صافي الحَديدةِ مِخذَمِ
عَهدي بِهِ مَدَّ النَهارِ كَأنما
خُضِبَ البنانُ، ورأسهُ بِالعِظلَمِ
بَطَلٍ كأنَّ ثيابَهُ في سَرحَةٍ
يُحذى نِعالَ السِبتِ ليسَ بِتوأمِ
وفي النهاية أقول لقد أصبح الرجل بين يدي ربه سبحانه وتعالى الذي طالما تمنّى لقائه شهيداً.وعلى ذلك سار ومضى وقاتل وقتل البطل المجاهد يحيى السنوار..رحمك اللهُ يا أبا ابراهيم.