التفكير النّكبوي الإحلالي إلى أين؟ بقلم : سماح خليفة
الإبادة، التهجير، مواطن من الدرجة الثانية بحقوق مدنية وليست وطنية يقيم في الدولة اليهودية. تلك هي السيناريوهات المطروحة للتعامل مع سكان غزة والفلسطينيين في الضفة، باستخدام القوة العسكرية المفرطة والحاسمة في الوقت ذاته، والتي هي استكمال لخطة ممنهجة بدأ تنفيذها منذ عام 1948.
لكن الخيار الذي يحتل رأس القائمة حاليًا وفق رؤية بن غفير وسموتريتش الذي يستغل سلطاته كوزير مالية، ومسؤول عن الإدارة المدنية في منطقة الضفة الغربية في وزارة الحرب الإسرائيلية، وبمباركة ودعم من الحكومة الإسرائيلية، هو الإبادة الجماعية للمدنيين الفلسطينيين وخاصة في غزة، وذلك يبدو جليًّا بعد قيام قوات الاحتلال بأكثر من محرقة متعمدة لخيام النازحين المدنيين فيها، وخاصة بعد إدراكهم أن الأغلبية من سكان غزة يصرون على البقاء بين ركام بيوتهم وعدم مغادرتها، برغم الحياة شبه المعدمة في ظل الظروف الإنسانية القاسية، ورؤيتهم لجثث الشهداء حولهم في كل مكان، في الشوارع وتحت أنقاض منازلهم، بامتهان متعمد لكرامة الإنسان حيًّا أو ميتًا، وعدم القدرة على انتشال تلك الجثث؛ نتيجة ملاحقة جيش الاحتلال للفرق الطبية، ومزامنة ذلك مع انتشار المجاعة و الأمراض في المنطقة.
ومن جملة ما قامت به إسرائيل؛ لتحقيق تلك الخطة النكبوية الممنهجة في الضفة الغربية، مجموعة إجراءات تتوافق مع سياستها، وهي مصادرة الأراضي الفلسطينية باستخدام القوة العسكرية المفرطة، وتسارع الاستيطان، فضلًا عن إحداث تغييرات جوهرية في شبكة الطرق فيها، والعمل على توظيف الأدوات الاقتصادية؛ لتسريع خطتها، وذلك من خلال تضييق ممنهج ومدروس في الضفة الغربية.
وتمثلت الأدوات الاقتصادية التي وظفتها إسرائيل في سبيل تنفيذ خطتها، وخلق واقع اقتصادي سيء، في احتجاز إيرادات المقاصة، التي تشكل المكوّن الأكبر للإيرادات الفلسطينية، تحت مبررات ومسميات متعددة، إما خصم مخصصات الأسرى وأسر الشهداء، أو خصم مخصصات قطاع غزة، أو عدّها تعويضات لقتلى وجرحى إسرائيليين.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد إنما ثبّتت تلك الخصومات عن طريق قوانين عنصرية أقر بها الكنيست الإسرائيلي، مثل حرمان أكثر من 200 ألف عامل فلسطيني من العمل داخل الخط الأخضر، وذلك بإغلاق السوق الإسرائيلية أمام العمالة الفلسطينية، فضلًا عن حرب الإبادة غير المسبوقة على قطاع غزة، والتي دمرت اقتصاده وبنيته التحتية بشكل شبه كامل، ولا يفوتنا حصار المدن والقرى والمخيمات وتقطيع أوصال الضفة الغربية، وتدمير البنية التحتية في مدن ومخيمات شمالي الضفة الغربية، وخلق واقع معيشي قاسٍ جدًا للشعب الفلسطيني، من خلال إجراءات السيطرة والهدم في المناطق المصنفة (ج)، وكذلك التمدد في إجراءات الهدم إلى المناطق المصنفة (ب).
كذلك استهداف الاقتصاد الفلسطيني ومحاصرته، وتراجع دورة الأعمال، والناتج المحلي الإجمالي بشكل حاد، من خلال خلق مخاطر متعددة أمام آفاق الاستثمار في الضفة الغربية، وعدم انتظام استقبال عملة الشيكل في البنوك الإسرائيلية، والتهديد بقطع العلاقة البنكية، وتقليص معظم منشآت القطاع الخاص أعمالها في الضفة الغربية، وما نتج عنه من ارتفاع نسب البطالة، وفقدان مئات آلاف فرص العمل.
كل ما سبق، يدلل على سياسة إسرائيل في خنق الضفة الغربية وإفقارها، وتقويض مقومات الاقتصاد لديها، وهو إحدى الأدوات الاستراتيجية لإجبار الفلسطينيين على الهجرة الطوعية، طلبًا للرزق أو الأمان الاقتصادي والاجتماعي، تنفيذًا للخطة الممنهجة بالاستمرار في نكبة الشعب الفلسطيني، وتهديد وجوده على أرضه.
إن العمل العسكري المستمر ضد الشعب الفلسطيني الممتد بهمجيته من قطاع غزة إلى خنق شمال الضفة الغربية ومدنها من خلال العمليات العسكرية المتواصلة، وتدمير البنى التحتية فيها، وتحويلها إلى غزة جديده والقضاء على مقومات الحياة شمال الضفة الغربية المحتلة ومخيماتها، وقتل روح المقاومة في أواسط الفلسطينيين، وتدمير المخيمات التي تشكل حاضنة للعمل الفلسطيني المقاوم، فضلًا عن عودة الاستيطان والمستوطنات التي تم إخلاؤها في شمال الضفة الغربية، وزيادة الاستيطان والمستوطنين، واعتداءاتهم على السكان في المدن والقرى والتجمعات البدوية؛ لدفعهم الى الهجرة إلى أماكن آمنة وخنق المدن والقرى بالاستيطان، إنما هو يؤكد خطة إسرائيل الجديدة المتدرجة بأهداف أولية تقوم بها حكومة نتنياهو واليمين المتطرف، وذلك بالانتهاء من شمال قطاع غزة وشمال الضفة الغربية بالقتل والعمليات العسكرية والاستيطان والتهجير مقدمة إلى ما هو أخطر وأعمق في كافة أراضي فلسطين التاريخية بشقيها الأهم، الضفة الغربية وقطاع غزة، والذي لن يتوقف عند ذلك الحد إنما سيجر المنطقة برمتها إلى ذلك الخطر، مشكلًا تهديدًا حقيقيًّا للأمن القومي العربي عما قريب.