التعليم كما يراه البرازيلي باولو فريري / الأمريكي جون ديوي و الفلسطيني خليل السكاكيني ، بقلم : د. فواز عقل
باولو فريري صاحب كتاب تعليم المقهورين 1968 ويقول في كتابه أن تغيير المجتمعات يبدأ في التعليم الذي يرسم تاريخ وثقافة المجتمعات، وهذا الكتاب قائم على الحوار النشط لحل المشكلات القائم على الأمل والحب والتواضع والإنسانية، ويرى ان التعليم ليس محايدا فإما أن يكون أداة للترويض وصهر الأجيال أو أداة لتحرير العقل وقدح شرارة الإبداع ويركز على الحوار المتبادل بين المعلم والمتعلم و على أنسنة التعليم للخروج بما سماه التعليم البنكي الذي يشجع على الحفظ والتلقي وخزن المعلومات. وطالب بأن يتحول التعليم ليكون المتعلم محور العملية التعليمية و ليس المعلم والمحتوى. ويرى ضرورة تغيير أساليب التدريس بأساليب أكثر تحفيزا وتنوعا ومرونة كالتعلم التعاوني والتعلم النشط وحل المشكلات، مما يغير دور المعلم المهيمن على كل ما يجري داخل الصف الى محاور وميسر ومسهل للتعليم. و يؤمن فريري بالتعليم الحواري البعيد عن التلقين وخزن المعلومات في عقل الطالب وهيمنة المعلم و رفض ثقافة الصمت الصفي الذي يجعل الطلبة سلبيين، واعتبر أن الحوار والحديث سبب لنهضة التعليم من خلال تربية تفاعلية قائمة على الحب و التواضع والأمل و الإنسانية. و يؤكد فريري أن البشر يستطيعون تغيير ظروفهم اذا اعتمدوا الحوار المتبادل. ويرى فريري أن أزمة الحوار التي نعاني منها هي نتيجة حتمية لضعف ثقافة الحوار التي تسود المجتمعات، فالتربية الحوارية في نظره تبدأ من البيت لأنه إذا نشأ الطفل محروم من الحوار في البيت فسيكون عدوا للحوار.
و يرى أن الحوار يجب أن يكون أسلوب حياة في البيت والمدرسة و المجتمع. و دعا فريري الى أن يكون نظام التعليم ديموقراطيا من خلال المبادئ التالية:
⦁ المحبة هي أساس الحوار ويكون من الصعب أن يقوم حوار مع شخص أخر دون أن يكون الحب أساس العلاقة
⦁ يؤمن فريري بأنسنة التعليم ويقول أن الناس يستطيعون تغيير ظروفهم من خلال حوار قائم على الإحترام والتواضع.
⦁ الثقة بالطالب وقدرته على إحداث تغيير.
⦁ تشجيع التفكير الناقد فالإنسان المفكر يرى أن المستقبل عملية تطور ونماء مستمر لتحقيق أنسنة الإنسان ويرى أنه من الضروري وجود معلم صاحب نظرة إيجابية ولا يؤمن بأنه المصدر الوحيد للمعلومات.
أما جون ديوي في كتابه الديموقراطية والتربية 1916 الذي يدعو فيه إلى الوحدة بين النظرية والممارسات، ويرى ديوي أن المعلمين يعتبرون الطلبة مكتسبين للمعرفة فقط حيث يتم فصل العقل عن الجسم مما ينتج عنه مشاكل في الإنضباط الصفي و إهمال الحواس والأنشطة الجسدية، ويقول ديوي “إذا علمنا الطلبة اليوم بنفس الأسلوب الذي استخدمناه في الأمس فإننا سنسرق منهم الغد” فالتعليم بالنسبة لديوي ليس إعداد للحياة وإنما هو الحياة. ويقوم التعليم بالنسبة له على التجربة والخطأ والتأمل والتجربة والممارسة والخبرة وإنعكاس الخبرة العملية على عملية التعلم. والتعليم بالنسبة له هو قدح الشرارة وليس ملء الوعاء وطالب بأن يكون الصف مركز تفريخ للإبداع من خلال بيئة تعليمية محفزة تشاركية مشجعة يتفاعل فيها الطالب مع المواقف المختلفة والمتنوعة. وقد ربط ديوي في كتابه بين الديموقراطية والتربية والتعليم من خلال المبادئ التالية:
⦁ التعلم بالحوار وهنا يتفق مع فريري على أهمية الحوار والمناقشة من خلال بيئة تعليمية ديموقراطية تركز على ثقافة الحوار.
⦁ التعلم النشط الذي يركز على النشاط الذلتي للمتعلم في بيئة جذابة شيقة أمنه.
⦁ التعلم الديموقراطي من خلال قرارات يشارك فيها المعلمون والطلبة والأهل والمجتمع وأصحاب الإختصاص.
⦁ الخبرة أن تزويد الطلاب بخبرات متعددة متنوعة يتفاعل فيها الطالب مع الأخرين من خلال بيئة خاصة وأن الخبرة والنمو لا يتوقفان، ويرى أن التربية هي عملية بناء ونماء مستمرة هادفة في بيئة يتفاعل فيها الإنسان مع الأخر.
و يؤكد انه لا يوجد نظام تعليمي مثالي أو معلم مثالي أو بيئة مثالية أو منهاج مثالي.
أخيرا أرى أن كلا النهجين يتشاركون في نظرتهم عن التعليم و دور المعلم و دور الطالب ودور البيئة، ويركز النهجين كذلك على ديموقراطية التعليم من خلال أساليب محفزة مشجعة مرنة متنوعة، و طالبوا بأنسنة التعليم. وأقول أن تطبيق هذه الأراء التربوية في أي نظام تعليمي تقود الى تغيير التعليم ومخرجاته.
ويؤكد النهجين على أهمية التعليم وتطويره وإصلاحه في إحداث نقلة نوعية على صعيد المخرجات لتحقيق نهضة تنموية تساهم في تحقيق التحول نوعي للعملية التعليمية.
أما خليل السكاكيني الذي أسس المدرسة الدستورية سنة 1909 م، و حاول من خلالها بناء نموذج تربوي من أسفل يعتمد على المحيط و على السياق الأهلي و متطلباته و كرامة الإنسان من خلال شعار تعلم تحرري يركز على إعزاز التلميذ لا إذلاله ،و يرى أن كل إنسان فريدا و ليس فردا أي أن كل فرد له نمط معين للتعلم يختلف عن الآخر ، و طالب بتحرير التلميذ و بناء تربية إعزازه لا إذلاله و يرى أن التعلم التحرري هو فعل مستمر للتغيير و للتفكير و للتعديل و للتنوع و المرونة و التعددية و فهم ذلك في سبيل عقل متحرر متحرك ،و أكد على أن التلميذ محور العملية التعليمية مع تعزيز مستمر من المعلم مع بث الدافع لدى التلميذ من خلال تعريضه لتجارب مختلفة من أجل تعزيز مهاراته ثم ترك القرار له و التخصص و الاستكشاف و المحاورة لكسر سلطة المعلم و مداورة هذه السلطة في الصف بين المتعلمين و المعلم ،و هو ما يعني حاليا بلغة العصر : تبادل الأدوار بين المعلم و الطلاب، و يرى كل متعلم فريد و هو إضافة جوهرية للصف علينا استكشافه تمهيدا لمعفة المتعلمين كل على حدة بما يختلفونه، و يرى أنه لا يمكن أن يكون هنالك مستقبل أكثر من أهمية من ضمان أن أطفالنا لديهم مستقبل،و يجب أن تكون المدرسة حرة حتى يكون التلميذ حرا، و يرى أن المدرسة هي موروث استعماري كل شيء فيها مقيد من سلطة المعلم و سلطة الكتاب و سلطة الامتحاناتو يقول أن المدرسة هي مصنع ثقافي للطبقة الوسطى، و هنا يتفق مع باولو فريرو ،و أن المدرسة هي شكل يذوب فيه الفرد في إطار سلطة المعلم لأن المعلم هو السبيل الوحيد للوصول للعلم و المعرفة و يرى أن التعليم التلقيني هو تعلم بنكي من حيث المضمون و قمعي من حيث الشكل ، مدرسة السكاكيني تقوم على شعار إعزاز التلميذ لا إذلاله ولا علامات ولا جوائز و لا عقاب .
و ما أجمل ما قاله :
أننا نعلم أطفالنا التاريخ لا ليعرفوا التاريخ بل ليكونوا مؤرخين
نعلم أطفالنا الأدب لا ليعرفوا الأدب لكن ليكونوا أدباء.
تعلم أطفالنا اللغة لا ليعرفوا اللغة بل لينزلوا منها منزلة أهلها.
نعلم أطفالنا الرياضيات ليكون لهم أدمغة رياضية.
و من خلال شعارها إعزاز التلميذ لا إذلاله يتفق مع باولو فريرو بأن التعليم يجب أن يكون إنسانيا و يتفق مع باولو فريرو و جون ديوي على اعتبار المتعلم مجرب محاور بلغة اليوم مركز العلمية التعليمية،و يتفق معهم كذلك بأن التعليم يجب أن يضع التلميذ بجو حواري مما يساعد على نمو شخصيته و يتفق مع ابن خلدون أن قهر المعلم للطالب يفسد معاني الإنسانية.
أعجبني جدا مصطلحه المداورة في الصف، بلغة اليوم تبادل أدوار و تدوير الادوار و الحوار بين المتعلمين و كذلك مصطلح بث الدافع لدى المتعلم ، و يعرف التعلم التحرري بأنه فعل مستمر للتغيير و التفكير و التعديل و التنوع و المرونة و التعددية لخلق عقل متحرر متحرك، و يتفق مع نيتشيه الألماني
أن التعليم أداة للسيطرة و القمع و ترويض الإنسان من خلال إذلاله و هدر كرامته، و تكلم عن فردية المتعلمين كل على حدة، في المحيط و السياق الأهلي و متطلباته و كرامة الإنسان
بلغة العصر: البيئة الصفية.
أعجبني جدا هذه الأفكار التربوية التقدمية في ذلك الزمان التي جاءت قبل كثير من الأفكار التربوية التي نرددها اليوم من قبل باولو فريرو و جون ديوي و لم يتم ترجمتها إلى فعل تربوي و رؤية السكاكيني تضاهي ما جاء به ديوي 1916في كتابه عن ديموقراطية التعليم و ما جاء به باولو فريرو في كتابه تعليم المقهورين 1968، و ما زال الكثير منا يتذكر كتاب اللغة العربية دار دور راس روس لخليل السكاكيني، و أرى أن يتم تشكيل لجنة من التربويين و علماء الاجتماع و المهتمين و العارفين و أصحاب القرار لترجمة هذه الأفكار لبناء نموذج تربوي عصري فلسطيني لأننا نقف في هذا القرن على عتبة باب رداد فإما أن يفتح اتجاه النور و التقدم و التغييرة التفكير و التطوير و النظر للأمور من زوايا مختلفة من خلال عقل ناهض متفتح متحرك أو
- – د. فواز عقل – باحث في شؤون التعليم والتعلم