النيكروبوليتيكس والأهداف الجيوسياسية ، أداة الهيمنة الأمريكية والإسرائيلية في الشرق الأوسط الآن ، بقلم : مروان أميل طوباسي
تعد النيكروبوليتيكس ، أو “سياسة الموت”، أداة أساسية في تنفيذ الأجندات الجيوسياسية للولايات المتحدة وإسرائيل في الشرق الأوسط. هذا المفهوم الذي صاغه الفيلسوف أشيل مبيمبي من الكاميرون ، هو مصطلح يجمع بين كلمتي “نيكرو”(الموت)و”بوليتيكس” (السياسة) ويعني “سياسة الموت” ، وهي كلمات مشتقة اساسا من اللغة اليونانية ، ويشير بها إلى الطريقة التي تمارس فيها السلطات السياسية السلطة عبر السيطرة على حياة الأفراد والمجتمعات وتقرير من يعيش ومن يموت لتحقيق السيطرة ، بما يهدف لمصالح استراتيجية أوسع .
في حالتنا بمنطقة المشرق العربي الذي اطلق عليه الأمريكان مصطلح الشرق الأوسط ، يبدو أن النيكروبوليتيكس تلعب دورا حاسما في تعزيز الهيمنة الصهيونية الإسرائيلية والأمريكية والحفاظ على قدرة تفوق ردعهم التي قد تصبح مهددة بفعل عوامل ومتغيرات جديدة ، من خلال زعزعة استقرار المجتمعات الفلسطينية والعربية وتدمير قدرتها على مقاومة مشاريعها .
— ارتباطها برؤية نتنياهو والصهيونية .
ان العقيدة التي يروج لها نتنياهو والتي تتفق مع العقيدة المسيحية الصهيونية حول حرب هارماجدون بين ما يسميه الخير والشر بالعالم ، تربط بين المفاهيم الدينية والسياسية، وتستغل نيكروبوليتيكس لإدارة الصراع في الشرق الأوسط . فمن خلال هذه الرؤية، يُعتبر الصراع الدائر جزءًا من تحقيق نبوءة دينية ، ويتم استخدام القتل والعنف كأدوات لتحقيق هذا الهدف، مما يربط بين العقيدة المسيانية والنيكروبوليتيكس بشكل واضح.
— غزة ، مختبر لسياسة الموت.
تُعد غزة مثالاً حيا على تطبيق النيكروبوليتيكس من قبل الأحتلال الاسرائيلي ، بدعم أمريكي ضمني بل ومباشر . من خلال الحصار المستمر منذ أكثر من عشرين عاما، والعمليات العسكرية المتكررة التي تتسبب في تدمير البنية التحتية وحياة المدنيين من خلال المجازر الجماعية البشعة ، تسعى إسرائيل إلى تحقيق أهدافها الجيوسياسية عبر استخدام الموت كسلاح استراتيجي . السيطرة على حياة الفلسطينيين في غزة من خلال قصفهم وتجويعهم وحرمانهم من الرعاية الصحية والموارد الأساسية يجعل البقاء على قيد الحياة معركة يومية ، في مكان لم يعد صالحا للحياة بفعل جرائم الأحتلال من الإبادة والاقتلاع العرقي .
الهدف النهائي وفق ذلك هو تحطيم الروح المعنوية للشعب الفلسطيني ، ودفعه نحو الهجرة أو الاستسلام . إسرائيل، بتواطؤ واضح من الولايات المتحدة كشريك استراتيجي ، تتعامل مع غزة كأداة لفرض سيطرتها الجيوسياسية في المنطقة، وذلك عبر القضاء على أي تهديد مستقبلي لقدرتها على الهيمنة من خلال اعادة احتلالها لغزة بأشكال جديدة .
— الضفة الغربية ، الموت البطيء وتفريغ الأرض.
في الضفة الغربية بما فيها القدس بالطبع ، تتبنى إسرائيل الإستعمارية والأحلالية سياسة النيكروبوليتيكس بشكل أكثر تدرجا ، من خلال الأستيطان والاعتقالات الجماعية والاغتيالات كما حصل في نابلس طولكرم مؤخرا والهدم والترحيل والسيطرة على الموارد . هنا تُستخدم سياسة الموت بطرق غير مباشرة، حيث يتم تقليص حقوق شعبنا الفلسطيني وحريتهم في الحركة من خلال استنباط اشكال الكانتونات المحاصرة ومنع التنمية بل وحتى في محاصرة السلطة الوطنية وجعلها دون سلطة . تهدف هذه السياسات إلى إرهاق شعبنا الفلسطيني وخلق ظروف تجعل الحياة غير محتملة وفق ما يجري ، مما يؤدي إلى تهجير تدريجي دون الحاجة إلى صدام مباشر .
من خلال هذه الاستراتيجية ، تهدف إسرائيل إلى السيطرة الكاملة على الأرض الفلسطينية التاريخية ، ومحاولة تحقيق ما يُعرف بمشروع “إسرائيل الكبرى”، حيث تصبح المناطق الفلسطينية المحتلة مهجورة أو ضعيفة بما يكفي لفرض السيطرة التامة عليها ، بل وفي اراضٍ ابعد من فلسطين كما يعلن غلاة الصهاينة اليوم لتصل لأجزاء من لبنان والأردن والعراق وسوريا . الدعم الأمريكي لهذه السياسات يتجلى في الدعم المطلق، التمويل العسكري والغطاء السياسي الذي يمنح إسرائيل مساحة كبيرة للتحرك دون رادع دولي وفق محددات العلاقة الإستراتيجية بينهم وأهمها العقائدية ، والتي للأسف ما زال هنالك من يعتقد بامكان تبدلها فيسعون خلف سراب أمريكي .
— لبنان ، التحكم في المقاومة عبر التهديد بالموت.
أما في لبنان، فتستخدم إسرائيل النيكروبوليتيكس كوسيلة لتحجيم حزب الله وقاعدته وحاضنته الشعبية والاجتماعية ، عبر الاغتيالات الجارية اليوم والضربات العسكرية والتوترات الحدودية ، تحاول إسرائيل وضع حزب الله في موقف دفاعي دائم ، مما يجعل المدنيين اللبنانيين عرضة للخطر المستمر كما يحدث من مجازر كان اخرها امس في وسط بيروت . هنا أيضا، يكون الهدف الجيوسياسي لإسرائيل هو إضعاف أي مقاومة محتملة قد تعيق مشاريعها التوسعية في المنطقة بل ومحاولات القضاء عليها بما يستوجبه مشروع الشرق الاوسط الجديد ، والذي ستفشل هي في تحقيقه نظرا للمتغيرات الجارية واستهدافها من جهات وجبهات متعددة تستنزف قوة ردعها وتسارع من أزمات مجتمعها .
الدور الأمريكي يتجسد في الدعم العسكري والاستخباراتي لإسرائيل في هذه العمليات، وكذلك في الضغط على السلطة الوطنية الفلسطينية وعلى الحكومة اللبنانية والأطراف السياسية فيها ، بل وعلى الأطراف العربية بشكل عام سياسيا واقتصاديا للتراجع عن دعم أي حركات مقاومة حتى ثقافة المقاومة واستقلالية القرار الوطني التي قد تعرقل النفوذ الإسرائيلي في المنطقة ، وممارسة كافة اشكال الضغط المختلفة عليهم لاعتبار إيران العدو الأول لهم بدلا من دولة الأحتلال من اجل تسويق مشروعهم بالشرق الأوسط الجديد مقابل وعود سرابية جديدة لن تختلف عن سابقاتها المعهودة والتي لن تحمي أحداً او تجعله خارج دائرة استهدافهم لاحقا.
— الهدف الجيوسياسي ، الهيمنة على المنطقة.
تستهدف سياسة النيكروبوليتيكس في النهاية إعادة تشكيل المشهد السياسي والديموغرافي في الشرق الأوسط لصالح هيمنة الولايات المتحدة وتفوق إسرائيل كدولة مارقة . وذلك من خلال القضاء على أي تهديدات محتملة واستخدام سياسات الموت كأداة ضغط، حيث تسعى إسرائيل إلى تفريغ الأرض من سكانها الأصليين أو تهميشهم واستمرار قهرهم ، بينما تعمل الولايات المتحدة على تأمين مصالحها الإستراتيجية في المنطقة اضافة الى حماية اسرائيل ، بضمان الوصول إلى الموارد الحيوية مثل النفط والغاز وطرق التجارة والملاحة في محاولة لمنع تمدد النفوذ الصيني الإقتصادي والسياسي الروسي وإلى حد ما العسكري ، وضمان استمرار الهيمنة العسكرية والسياسية الأمريكية .
لقد إستخدم النازيون والفاشيون النيكروبوليتيكس خلال الحرب العالمية الثانية ، حيث كانت سياساتهم تجاه الأقليات العرقية في أوروبا بل وبحق كل شعوبها تعتمد بشكل كبير على التحكم في الحياة والموت . معسكرات الاعتقال والإبادة كانت مثالاً صارخا على استخدام النيكروبوليتيكس، حيث تم استخدام الموت كأداة سياسية لإبادة مجموعات بأكملها وتحقيق أهداف إيديولوجية عنصرية وفوقية .
أما بالنسبة لنا نحن الفلسطينين ، فيمكن القول إننا ضحايا لسياسات النيكروبوليتيكس من جانب الفاشيين الجدد .
فإسرائيل والولايات المتحدة تستخدمان هذه الأداة لتحقيق مشروع طويل الأمد يهدف إلى إعادة تشكيل المنطقة وفق مصالحهما الاستراتيجية مهما كانت التكاليف الإنسانية التي لم تكترث لمثيلها الولايات المتحدة عبر تاريخ جرائمها باستخدام هذه الوسيلة القذرة حول العالم لبسط نفوذها ، ولن تكترث لها اليوم ايضا في ظل هذا النظام الدولي أحادي القطب . الأمر الذي يستوجب تحركا جادا اليوم من الصين وروسيا والقوى الأخرى الصاعدة والشعوب الحرة لحماية اصحاب الأرض الأصلانيين في منطقتنا والأسراع من اجل انفاذ نظام دولي جديد متعدد الأقطاب يحقق العدالة والمساواة وتقرير المصير للشعوب ويمنع مثل هذه السياسات الإجرامية من جهة ، ومراجعة سياساتنا الفلسطينية والتوافق على رؤية واضحة شاملة بمواجهات التحديات المذكورة لاستكمال مسيرة التحرر الوطني سندا لفهم هذه الرؤى والمتغيرات الجارية .
Necropolitics and Geopolitical Goals: The American and Israeli Tool of Dominance in the Middle East Today
By Marwan Emil Toubassi
Necropolitics, or the “politics of death,” is a critical tool in advancing the geopolitical agendas of the United States and Israel in the Middle East. This concept, coined by Cameroonian philosopher Achille Mbembe, combines the Greek-derived words “necro” (death) and “politics” to describe the way political authorities exert power by controlling life and deciding who lives and who dies. This form of governance serves broader strategic interests.
In the context of the Mashreq (Eastern Arab region), often referred to as the Middle East by Americans, necropolitics plays a crucial role in reinforcing Israeli Zionist and American dominance. This is done by destabilizing Palestinian and Arab communities, weakening their ability to resist, and maintaining their strategic deterrence capabilities, which may otherwise become threatened by new factors and changes.
The Nexus Between Netanyahu’s Vision and Zionism
Netanyahu’s ideology, which aligns with Christian Zionist beliefs about the battle of Armageddon between what they consider good and evil, intertwines religious and political concepts. Necropolitics is instrumental in managing the conflict in the Middle East. According to this worldview, the ongoing conflict is part of fulfilling a religious prophecy, and killing and violence are employed as tools to achieve this goal. This creates a clear link between messianic ideology and necropolitics.
Gaza: A Laboratory for Necropolitics
Gaza stands as a stark example of the implementation of necropolitics by the Israeli occupation, with both implicit and direct American support. Through a siege that has lasted more than two decades, and repeated military operations that have devastated infrastructure and civilian life through horrific massacres, Israel aims to achieve its geopolitical goals by using death as a strategic weapon. The occupation controls the lives of Palestinians in Gaza through bombing, starvation, and deprivation of healthcare and essential resources, making mere survival a daily battle in a place rendered uninhabitable by crimes of genocide and ethnic cleansing.
The ultimate goal is to break the Palestinian people’s morale, forcing them either into migration or surrender. Israel, with the clear complicity of the United States as a strategic partner, treats Gaza as a tool for imposing geopolitical control over the region by neutralizing any future threat to their dominance, including reoccupying Gaza in new forms.
The West Bank: Slow Death and Land Emptying
In the West Bank, including Jerusalem, Israel adopts necropolitics in a more gradual manner through settlement expansion, mass arrests, assassinations (as recently seen in Nablus and Tulkarm), home demolitions, expulsions, and resource control. Here, death politics are used more indirectly, where the rights and freedoms of Palestinians are severely restricted by creating isolated cantons and blocking any form of development. Even the Palestinian Authority is strangled, rendered powerless. These policies aim to exhaust the Palestinian people and create unbearable living conditions, leading to gradual displacement without the need for direct confrontation.
Through this strategy, Israel seeks total control over historical Palestinian land, attempting to realize the so-called “Greater Israel” project, where occupied Palestinian areas are either emptied or weakened to the point of total control. The expansion of this vision, as declared by extreme Zionists, even extends beyond Palestine to parts of Lebanon, Jordan, Iraq, and Syria. The unwavering American support for these policies is manifested in military funding and political cover, granting Israel significant leeway without international repercussions, in line with their deep-seated ideological and strategic relationship.
Lebanon: Controlling Resistance Through the Threat of Death
In Lebanon, Israel uses necropolitics to constrain Hezbollah and its base of popular and social support through ongoing assassinations, military strikes, and border tensions. Israel seeks to keep Hezbollah in a permanent defensive position, leaving Lebanese civilians constantly at risk, as witnessed in the recent massacre in central Beirut. The geopolitical goal here is to weaken any resistance that might obstruct Israel’s expansionist ambitions in the region, particularly as part of the so-called “New Middle East” project, which is bound to fail due to emerging changes and the multiple fronts draining Israel’s deterrent power.
America’s role in this is clear in its military and intelligence support for Israel, as well as its pressure on the Palestinian Authority, the Lebanese government, and other political actors, both in Lebanon and across the Arab world. The U.S. exerts political and economic pressure to undermine support for any resistance movements or the culture of resistance, pushing them to consider Iran as the primary enemy rather than Israel, in an attempt to market their vision of a “New Middle East” with hollow promises that will neither protect anyone nor exclude them from future targeting.
The Geopolitical Goal: Regional Dominance
Necropolitics ultimately aims to reshape the political and demographic landscape of the Middle East to secure U.S. hegemony and Israel’s superiority as a rogue state. By eliminating potential threats and using death policies as a tool of pressure, Israel seeks to depopulate or marginalize the region’s indigenous peoples, perpetuating their oppression. Meanwhile, the U.S. safeguards its strategic interests, including access to vital resources like oil, gas, and trade routes, while attempting to curb the expanding economic and military influence of China and Russia. In doing so, they ensure the continuity of American military and political dominance.
The Nazis and fascists used necropolitics during World War II. Their policies toward ethnic minorities across Europe, and indeed against all its peoples, heavily relied on controlling life and death. The concentration and extermination camps were a glaring example of necropolitics, where death was used as a political tool to annihilate entire groups to achieve racist and supremacist ideological goals.
For us Palestinians, we can say we are victims of necropolitics at the hands of the new fascists. Israel and the United States use this tool to implement a long-term project aimed at reshaping the region to fit their strategic interests, no matter the human cost. This disregard for human life is part of a long history of U.S. crimes, utilizing this dirty method worldwide to extend its influence. The same indifference applies today under this unipolar international order.
It is essential, therefore, for China, Russia, other rising powers, and the free peoples of the world to act seriously to protect the indigenous peoples of our region. They must accelerate the establishment of a new multipolar international order that brings justice, equality, and self-determination for peoples, while preventing these criminal policies. At the same time, we Palestinians must review our policies to continue the path of national liberation in light of these changing visions and circumstances.