شفا – بيان يوم التراث الفلسطيني 7 تشرين أول 2024
“تُراثُنا ليس مجرّد ماضٍ، بل إِرث وأثر نحمله في مواجهة الإبادة”
يوم التراث الفلسطيني، الذي يُحتفى به في السابع من تشرين الأول من كل عام، يحمل أهمية خاصة في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها فلسطين، بما في ذلك حرب الإبادة على شعبنا في غزة وسائر المدن والمخيمات والقرى الفلسطينية، فنحن نشهد أكبر عملية محو مقصودة ومدروسة لهويّتنا عبر تدمير المواقع الثقافية والتاريخية وخلق الصعوبات أمام قُدرتنا على الحفاظ على تراثنا، تتجلى هذه السياسات بوضوح في مدينة القدس من خلال محاولات فصل المدينة عن نسيجها العربي والفلسطيني، والسعي الحثيث إلى طمس الآثار الفلسطينية الكنعانية والمسيحية والإسلامية، واستبدالها بسرديات مزورة تدعم أساطير الاقتلاع والنفي.
أمام ما يُعانيه التراث الفلسطيني من حصار وتدمير ممنهج للمواقع الثقافية والتاريخية، يكتسب إحياء يوم التراث الوطني أهمية خاصة، ذلك أنه يعكس صمود شعبنا وارتباطه العميق بأرضه وتاريخه، ويبرز أهمية التراث كرمز للتصدّي والمقاومة. إن إحياء هذا اليوم في هذه الظروف الصعبة لا يُعد مجرد إحياء تقليدي، بل هو تعبير عن القوة والمرونة التي يمتلكها الشعب الفلسطيني في مواجهة التحديات.
فالتراث الفلسطيني يواجه تهديدات جدية بسبب السياسات الاحتلالية التي تسعى إلى محوه أو سرقته. سلطات الاحتلال لم تكتفِ بتدمير المواقع الثقافية، بل عمدت أيضًا إلى سرقة الرموز الفلسطينية، مثل الثوب الفلسطيني وعصفور الشمس وزهرة قرن الغزال، وتقديمها كجزء من سردياتها المزيفة. إن مثل هذه التصرفات تؤكد -دون شك- أن المعركة على التراث ليست أقل سخونة من المعارك الأخرى، بل هي جزء أساسي من الصراع على الهوية والوجود.
في ظل ذلك، يصبح الحفاظ على التراث وتوثيقه أمرًا ضروريًا أكثر من أي وقت مضى. فهو بالإضافة إلى كونه حفظًا للطقوس والتقاليد التراثية، يعد أيضًا تصديًا للمساعي التي تهدف إلى تزييف التاريخ وسرقة الهوية وتدمير معالمنا التاريخية والدينية، وذلك من خلال تعزيز الوعي بالتراث وتعليم الأجيال الجديدة ما يتضمنه من قيم، وهو مدعاة لمواصلة الشعب الفلسطيني تثبيت جذوره الثقافية في مواجهة جميع محاولات النفي والتشويه.
ويُعَدّ يوم التراث الفلسطيني فرصة لتأكيد أن هذا التراث هو مصدر فخر وإلهام، وأنه يبقى حيًّا وقويًّا رغم جميع المحاولات لتدميره أو انتزاعه، كما أنه يُعَزِّز التضامن والدعم من قبل المجتمع الدولي، ويُشَجِّع على تقدير الثقافة الفلسطينية ومساهمتها في الإنسانية بشكل أوسع.
الفعاليات التي تعكف الوزارة على تنظيمها مع الشركاء خلال شهر تشرين الأول، ستشمل تعزيز الوعي بالتراث الفلسطيني والتعريف به في كافة المحافظات. وسيتم تسليط الضوء على الدور الهام للتراث في تعزيز الروح الوطنية والوحدة بين أفراد المجتمع الفلسطيني، خاصة في ظل الأزمات، وستكون هناك مساحة للحوار بين المهتمين والفاعلين في مجال التراث الفلسطيني من حملته ومؤسّسيه ومفكّريه ومنظّريه، كما أن ذلك يأتي بالتزامن مع إقامة يوم دراسي بالشراكة مع المتحف الفلسطيني يتناول أبعاد الإبادة الثقافية في غزّة.
أمام ذلك، فإننا نجد أنفسنا أمام تحديات استثنائية وخاصة بعد مرور عام كامل على حرب الإبادة، وعلى رأسها مهمة حفظ وصون تراثنا الفلسطيني في أكثر الأوقات صعوبة. ففي هذه اللحظات الحرجة، تصبح هذه المهمة أكثر حيوية وإلحاحًا، فرغم الحصار والمنع والحرمان من ممارسة طقوسنا التراثية، نُصر على إحياء تراثنا بطريقتنا الخاصة والفريدة، إذ تُعد هذه المساعي تأكيدًا على أن رسالتنا ليست كلمات فحسب، بل هي حقيقة مبنية على فكرة الصمود والمقاومة. فرغم الظروف القاسية، سنواصل الاحتفاظ بثقافتنا وتراثنا كرمز لمقاومتنا وقدرتنا على التكيف والابتكار.
إن هذا الالتزام بالتراث يعكس قوة الإرادة والتصميم على الحفاظ على الهوية الفلسطينية، ويؤكد أن تراثنا ليس فقط ماضٍ يجب استذكاره، بل هو عنصر حي ومؤثر في تشكيل واقعنا ومستقبلنا.”