المرونة النفسية ، بقلم : د. تهاني المطيري
جودة الحياة
في عالم مليء بالتحديات والتغيرات المستمرة وفي ظل تزايد الضغوطات اليومية التي نواجهها، أصبح الحديث عن المرونة النفسية أكثر أهمية من أي وقت مضى. هل تساءلت يوماً كيف يمكن لبعض الأشخاص تجاوز أصعب المواقف والعودة إلى حياتهم بكل قوة وإصرار؟، السر يكمن في قدرتهم على التكيف السريع والتعامل بفعالية مع الصعوبات. المرونة النفسية هي مفتاح السعادة والاستقرار النفسي، وهي ليست مجرد ميزة إضافية، بل أداة أساسية لتحسين جودة الحياة.
تُعرَّف المرونة النفسية بأنها القدرة على العودة إلى الحالة النفسية الطبيعية بعد التعرض لضغوط نفسية أو مواقف صعبة. الأشخاص الذين يتمتعون بالمرونة النفسية لديهم قدرة أكبر على مواجهة التحديات والتكيف مع التغيرات، ما يجعلهم أكثر نجاحاً واستقراراً وسعادة في حياتهم.
المرونة النفسية ليست مجرد قدرة على التكيف مع الأزمات أو التحديات، بل هي القدرة على استعادة التوازن النفسي بعد المرور بتجارب صعبة. فالأشخاص الذين يتمكنون من التعامل مع الصدمات والضغوط النفسية بطريقة فعالة أكثر استعداداً لمواجهة التحديات المقبلة.
الأبحاث تشير إلى أن المرونة النفسية تساعد الأفراد في الحفاظ على صحتهم النفسية والجسدية، وتقلل من خطر الإصابة بالأمراض المزمنة مثل الاكتئاب والقلق، كما أن المرونة النفسية تمكن الأفراد من تحسين علاقاتهم الاجتماعية والمهنية، ما يسهم في تعزيز جودة حياتهم بشكل عام.
ولتحقيق المرونة النفسية، يجب على الفرد اتباع مجموعة من الخطوات والممارسات التي تساعده على تنمية هذه القدرة. من أهمها، يجب على الفرد التعرف على مشاعره وتقبلها بدلاً من تجاهلها أو كبتها، فالتعامل مع المشاعر بشكل صحي يساعد على تفريغ الضغوط النفسية وتجنب تراكمها.
على سبيل المثال، التحدث مع صديق مقرب للتعبير عن مشاعره بشكل فعّال.
كذلك تقبل التغيير كجزء طبيعي من الحياة. فالأشخاص الذين يدركون أن التغيير هو أمر لا مفر منه يتمتعون بقدرة أكبر على التكيف مع المواقف الصعبة والتحديات المفاجئة، ويساعد هذا التقبل على التخفيف من حدة الصدمات وتمكين الشخص من البحث عن الحلول بدلاً من الانغماس في المشاعر السلبية.
التفكير الإيجابي يعد إستراتيجية أخرى لتعزيز المرونة النفسية، يمكن أن يسهم هذا النوع من التفكير في تقليل التأثير السلبي للضغوط النفسية، حيث يساعد الفرد على التركيز على الجوانب الإيجابية في الحياة حتى في الأوقات الصعبة. التفكير الإيجابي لا يعني تجاهل المشكلات، بل يعني التعامل معها بعقلية متفائلة تؤمن بإمكانية التغلب على الصعوبات.
أيضاً، يجب على الشخص تطوير مهارات التخطيط وحل المشكلات واتخاذ القرارات، حيث إن القدرة على التعامل مع المشاكل بفعالية تعزز من الشعور بالسيطرة والثبات والثقة بالنفس، ويمكن تحقيق ذلك من خلال التعلم من التجارب السابقة واستشارة الآخرين عند الحاجة، كذلك وضع خطط مستقبلية واضحة مع تحديد أهداف قصيرة وطويلة الأمد تساعد على توقع العقبات والتحضير لمواجهتها بشكل فعال. إلى جانب ذلك، يمكن للفرد تعزيز مرونته النفسية من خلال بناء شبكة دعم اجتماعية قوية، إذ إن الدعم الاجتماعي والعاطفي من الأصدقاء والعائلة يساهم في تخفيف الضغوط وزيادة الشعور بالانتماء ما يجعلهم أكثر قدرة على مواجهة التحديات بثقة. أخيراً، يعتبر الاهتمام بالصحة الجسدية جزءاً مهماً من تعزيز المرونة النفسية. ممارسة الرياضة بانتظام، اتباع نظام غذائي صحي، والحصول على قسط كافٍ من النوم، جميعها عوامل تساهم في تحسين الحالة النفسية. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للتأمل وممارسة اليقظة الذهنية أن تساعد في تحقيق التوازن النفسي وتقليل التوتر.
في الختام، المرونة النفسية ليست صفة فطرية بل مهارة يمكن تطويرها وتحسينها بمرور الوقت. فالأشخاص الذين يعملون على تعزيز مرونتهم النفسية يتمكنون من التعامل مع الضغوط بشكل أفضل، ما يجعلهم أكثر قدرة على الاستمتاع بحياة متوازنة ومستقرة.
في نهاية المطاف، يجب علينا أن نتذكر أن الحياة مليئة بالتحديات، ولكن بمرونتنا النفسية نستطيع أن نواجهها بقوة وثبات. فعلى الرغم من أن بناء المرونة النفسية يتطلب وقتاً وجهداً، إلا أن الفوائد العديدة التي يمكن أن يجنيها الفرد تجعل هذا الاستثمار في النفس أمراً يستحق العناء.