شيفرة الاغتيال : حين تبتلع الفوضى رموز القوة ، بقلم : نغم نزار
في خضمِّ تلاطم الأحداث وانفجارِ الأهوال، تتكاثرُ المفارقات كأنها طلاسمُ مطلسمة من زمنٍ قديمٍ، تضجُّ بها عوالمٌ غير مرئية، متشبّعةٌ بدماءِ الرموز التي انطمرت تحت أنقاضِ الأوهام. تسربل الكونُ بعباءةٍ من الغموضِ والرهبة، وكأنَّ اللحظةَ قد تفجرت في شظايا الزمن السرمدي، تستجدي منّا قراءةً لما وراء السطور، وتدعونا إلى الغوص في طياتٍ من أفكارٍ قديمة متداخلة، لا يفهمها إلا من امتلكَ مفاتيحَ اللغة التي ضاعت بين دهاليز المعاني.
اغتيال
كلمةٌ ترتعشُ بين جنباتِ التاريخ كجرحٍ لا يندمل، لكنه ليس جرحًا عابرًا، بل ثقبٌ أسود يمتصُّ الضوءَ والظلال معًا، حيث الحقيقةُ تنصهرُ في بوتقةِ التزييف، وحيث الحدثُ يتداخلُ مع الأسطورة في مشهدٍ يغيبُ فيه العقل وتُستدعى الرموز. حسن نصر الله، ذلك الاسم الذي لم يكن مجرّدَ قائدٍ أو زعيم، بل كان في عيونِ مُناصريه طلسماً سحرياً يمارسُ حضورَه فوقَ مسرحِ الزمان والمكان.
لكن في لحظةٍ فارقة، وفي كواليس السياسةِ المظلمة، تُدبّرُ المؤامراتُ بأيدٍ خفيةٍ تتقنُ فنّ الاختفاء والتلاشي، فتَسقطُ الأوراقُ واحدةً تلو الأخرى، وتتسعُ الهوةُ بين الحقيقةِ والوهم، حتى تبتلعَ ما تبقى من معالمٍ كانت يوماً منارةً للآملين بالخلاص.
إنه القدر الغادر الذي يتلاعبُ بالخيوطِ كما يشاء، يسحقُ الأحلامَ على مذبح المصالح، حيث تُصبحُ المبادئُ ضحيةً في حربٍ لا ترحم، وحيث تتجلى ساديةُ التاريخ الذي لا يعرفُ غير التكرار. فاغتيالُ رمزٍ كحسن نصر الله، ليس مجرد ضربةٍ في جسدِ الواقع، بل هو زلزلةٌ في أعماقِ الوعي الجمعي، يستدعي منّا تفكيكًا لما وراء الحدث، استقراءً لما لم يُقال بعد، وتحليلاً للأبعاد الخفية التي لا تُفصحُ عنها الكلماتُ العارية.
هل هي النهايةُ الحتمية لكلّ من يحاولُ اللعبَ في أروقةِ القوى العظمى؟ أم أنها إعادةُ تشكيلٍ لنظامٍ عالميٍّ جديد، يولدُ من رحمِ الفوضى؟ وهنا تتكاثرُ الأسئلةُ كالكواكبِ في مجرّةٍ لا نهائية:
هل كان نصر الله رمزًا للأمل، أم للعنف المقنّع؟ هل كان يجسّدُ البطولةَ، أم أن البطولةَ كانت قناعًا يخفي تحته صراعاتٍ أعمق وأقسى؟
ثمّة في هذه اللحظةِ العصيبةِ ما يفرضُ علينا التأملَ الأعمق في تعقيداتِ المشهدِ، حيث لا يمكن قراءةُ ما حدث بمعزلٍ عن شبكةٍ متشابكةٍ من المصالحِ والأيديولوجيات، حيث تختلطُ الرموزُ بالظلال، وتُحاكُ المؤامراتُ بخيوطٍ غير مرئية، تتقاطعُ عندها إرادةُ القوى الكبرى بأحلامِ الشعوب.
إنها لعبةُ القدر الساخر، حيث يسقطُ القادةُ وتبقى الأفكارُ عالقةً في فراغٍ وجودي، تسائلنا عن جدوى البحثِ عن الحقيقةِ في عالمٍ تسوده الضبابيةُ والتناقضات.