كيف اختفى طابور الصباح ؟ بقلم : شذا برهوش
فدائي فدائي يا أرض الجدود , فدائي فدائي يا شعب الخلود على أنغام النشيد الوطني الفلسطيني وعلى أنغام هذه الكلمات وتحت زقزقة العصافير يقف مئات الطلبة الفلسطينيين مرددين هذا النشيد الوطني بمدارسهم ورافعين الراية الفلسطينية يتلوها هتافات الكشافة ثم تبدأ فعاليات الإذاعة المدرسية بين هل تعلم ومواضيع شيقة قد يختاروها من أنفسهم أو قد تجبرهم المناسبات للحديث عنها وقد يكتبونها هم بآرائهم وهذا نادر أو قد يلجأون لجوجل السحري ليقوم بالواجب ثم يقرع الجرس وتبدأ الحصص الدراسية.
استبدل اليوم الطابور الصباحي بطابور الجياع فيقف الأطفال كل منهم يحمل علبة صغيرة يمدها لنقاط إعداد الطعام راجياً أن يحصل على قطعة خبز أو كمشة أرز تكفي لعشرة أفراد وقد يصل لخيمته سليماً وقد لا يصل فحذائه ممزق والرمل يكاد ينخز بأصابعه والشوارع مهترئة ورائحة الموت تغطي كل المكان أما عن قرع الجرس فاستبدل بصوت الزنانة على علو منخفض وإنذار الزلازل الذي تدربنا عليه كثيرا بمدارسنا تم محاكاته بإنذار الصواريخ , والمدرسة بأسرها تحولت لملجأ وبدلأ من وضع الوسائل التعليمية أصبح غسيل الملابس يزين شرفة المدارس ومختبر العلوم لم يعد مكاناً للتجارب العلمية بل بات مطبخاً وعن حقيبة المدرسة اهترئت من كثر النزوح وماتت الكتب المدرسية تحت التراب , والطريق المزينة بشجر الزيتون اختلطت رمالها فباتت أشد وعورة ! والطالب والمعلم والمشرف يسجل قمراً من الأقمار الشهداء.
كنت أتمنى لو يقف الزمن على لحظة عودتي من المدرسة في يوم ماطر وماء المطر قد بلل قدماي وزيي المدرسي بات لا يصلح للخروج باليوم التالي , أدخل المنزل بلا إنارة من شدة العواصف ورائحة حساء العدس الذي تصنعه أمي تفوح المكان ثم يبتدأ الغذاء يتلوه حل الواجبات المدرسية والفقرة المفضلة الجلوس أمام المدفأة ورائحة الخبز المحمر مع اللبنة سيدة الموقف نتابع حكايا غوار وبرامج مسلية والسماء ما زالت تمطر على بيوت دافئة لا خيم مهترئة هذا كله لعمري عمر !
كيف سيعيش هذا الجيل الصغير وما هي مذكراته التي سيكتبها عندما يكبر وأي رواية سيحدثها لأبنائه كيف الحرب نخرت بأجسادهم واستبدلوا التكنولوجيا الحديثة بطرق بدائية على الرغم أننا بعصر النهضة كيف سنحدثهم إننا استخدمنا الحطب بدلاً من الغاز والشمع بدلاً من الإنارة والأخشاب بدلاً من الأحذية وسلكنا طرقاً نسمع بها لأول مرة هل سينسى حجم الدمار ؟ وأي دمية سيتذكرها وأي صوت من الأصوات سيطرب عليها ! وأي رسمة سيرسمها بعد عندما يسأل عن أحلامه.
لله جل صبرنا فهذه الأيام تعطينا من أشدها وهذه الطرقات تضيق علينا وهذه الأمنيات تخنقنا كوننا عجزنا بسن مبكرة وأرخينا أيدينا في وقت كان علينا أن نعطي أكثر فأكثر عل أطفالنا يرسمون الحرية عن قريب يحلمون بأحلام وردية ويكتبون بمواضيع التعبير قصص من طفولتهم الحالمة يرونها لأبناءهم في الكبر قصص قطف الزيتون والشتاء القارص وحكايا الجدة وصحن الحمص المزركش باللحمة وخبز الطابون الذي يزين سفرة يوم الجمعة ! هذه هي بساطتنا التي ينبغي أن نقف عليها طوابير كل صباح.