1:48 مساءً / 19 سبتمبر، 2024
آخر الاخبار

غزة إلى أين ؟ بقلم : د. عقل صلاح

ثلاثي التطرف الإسرائيلي إلى أين؟ بقلم : د. عقل صلاح

غزة إلى أين ؟ بقلم : د. عقل صلاح


يتناول هذا المقال السؤال الذي يمكن أن يتم طرحه ليس على غزة لوحدها، ولكن ينطبق على العديد من الدول بشكل عام وعلى فلسطين بشكل خاص، وذلك لأنها خاضعة للاحتلال منذ أكثر من سبعة عقود، وزاد الطين بلة الانقسام الفلسطيني الذي بدأ منذ عقدين تقريبًا، وتعتبر بؤرة صراع إقليمي ودولي منذ سنة 1917، وذات موقع جغرافي يعمق أهميتها الجيوسياسية؛ مع وجود العديد من الأزمات والصراع الدائم والعديد من الحروب الإسرائيلية على غزة منذ سنة 2008، يكون السؤال مشروعًا.


غزة إلى أين؟، هو سؤال الحرب الدائرة على القطاع، حيث نحاول البحث عن أجوبة لهذا السؤال الكبير الذي يبدو أنه يتصدر المشهد السياسي الدولي والإقليمي والمحلي الذي يسعى أن يكون له دور في غزة ما بعد الحرب، واحتمالات التصعيد المفتوحة في الشرق الأوسط. منذ توقيع اتفاقية أوسلو سنة 1993 والضفة تتعرض إلى سياسة ممنهجة تستهدف الأرض والشعب؛ وقد صنفت اتفاقية “أوسلو 2” سنة 1995 أراضي الضفة إلى 3 مناطق: “أ” ويفترض أن تخضع لسيطرة فلسطينية كاملة، وتقدر بنحو 21%، و”ب”، وتخضع لسيطرة أمنية إسرائيلية ومدنية وإدارية فلسطينية، وتُقدر بنحو 18%، و”ج” وتخضع لسيطرة مدنية وإدارية وأمنية إسرائيلية وتقدر بنحو 61%، من إجمالي مساحة الضفة، ويُحظر على الفلسطينيين إجراء أي تغيير أو البناء فيها إلا بتصريح رسمي إسرائيلي.


فالأرض تتعرض إلى مصادرة دائمة من أجل بناء المستوطنات والبؤر الاستيطانية وفتح الطرق للمستوطنات والاستيطان الرعوي، حيث يفرض “المستوطن الراعي” الواحد سيطرة كاملة على أكثر من مساحة جميع محافظات الضفة المحددة منطقة (أ) حسب تسميات أوسلو، ففي منطقة الأغوار المستوطن الراعي يسيطر على مساحات شاسعة؛ ومستوطن يرعى بقراته يدعى كوكي يسيطر على 25 ألف دونم من أراضي بيت دجن، ومستوطن آخر يسيطر على أراضي (برقة، وسيلة الظهر، والفندقومية، وبيت إمرين)، وغيرهم الكثير، بالإضافة إلى المساحات الأمنية الممنوع الوصول إليها القريبة من المستوطنات التي تمتد لبيوت الفلسطينيين في القرى حيث تتعرض هذه المنازل القريبة للحرق والتخريب المستمر من قبل المستوطنين، بالإضافة إلى المصادرة العسكرية، وقد وصل الحد إلى المدن كما حصل في منطقة الجبل الشمالي في نابلس المصنفة(ب) حيث تم منع البناء بها وفق قرار إسرائيلي في 7أيلول/سبتمبر2024، وفي غرب برقة، وهذا هو القرار الأول من سلسلة القرارات لتطبيق ما صدر عن الحكومة الإسرائيلية التي اتخذت القرار في آب/أغسطس2024، وأخطرت إسرائيل أهالي منطقتي “الرأس وعرارة”، في 8أيلول/سبتمبر2024، بوقف العمل والبناء في ملعب ومنازل بقرية رافات غرب سلفيت وبعضها مأهولة بالسكان، وهذا يعني حصر التواجد الفلسطيني في هيكلية المدن والقرى وعدم التمدد لخارجها؛ وهذا ينذر بتنفيذ أكبر عملية هدم للمنازل والمنشآت في منطقة (ج وب)، وهذا هو الإعلان العملي لضم الضفة، فمثلًا تم الاستيلاء على قمة جبل صبيح في بيتا وإعلانها أراضي “دولة” تمهيدًا لإقامة مستوطنة عليها.


ولا يفوتنا أن ننوه أن كل ما سبق جاء بعد أكثر من ثلاثة عقود على توقيع اتفاقية أوسلو، فبدلًا من قيام الدولة الفلسطينية قامت إسرائيل بسحب جميع صلاحيات السلطة وأبقت على السلطة في المدن وبصلاحيات خدماتية ذاتية بديلًا عن تحمل الاحتلال الأعباء الصحية والتعليمية، والأنكى من ذلك تمسكت السلطة بالتنسيق الأمني.


أما المواطن الفلسطيني فيتعرض إلى أبشع الممارسات الاحتلالية ابتداء من التنكيل والاعتقال والملاحقة والإذلال على الحواجز التي تزيد عن 700 حاجز تقطع أوصال الضفة، ويجبر المواطن الفلسطيني على سلك الطرق الالتفافية الترابية بينما المستوطنون يسرحون ويمرحون في شوارع الضفة، بالإضافة إلى تشجيع وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريش المستوطنين على القتل والحرق وبناء المستوطنات، وإيتمار بن غفير وزير الأمن القومي الإسرائيلي الذي يسلح في المستوطنين ويقتل في الأسرى في السجون؛ والجيش الإسرائيلي الذي يدمر في البنية التحتية في محافظات ومخيمات شمال الضفة ويقتل المئات من أبناء هذه المحافظات؛ فالضفة تقتل من قبل المستوطنين المحميين من قبل الجيش، ومن الجيش نفسه الذي يمارس أبشع الممارسات بحق الشعب الفلسطيني.


فجميع هذه الممارسات وغيرها الكثير من سياسات إسرائيل هي من دفعت بشباب الضفة عام 2022 في تشكيل الكتيبة في الشمال، حتى السابع من أكتوبر الذي جاء رد فعل طبيعي على كل هذه الممارسات بالإضافة إلى تهويد القدس والاقتحامات المتكررة على المسجد الأقصى والاعتداء على الأسرى من قبل بن غفير منذ سنة 2022 وهو ينكل في الأسرى ويقتل بهم. وبما لا يضع مجالًا للشك أن الوضع الاقتصادي في الضفة ما قبل وبعد الحرب يشهد تراجعًا حادًا، فالبطالة والفقر والقروض والشيكات المرتجعة وارتفاع الأسعار، والفساد، وصلت إلى أعلى النسب منذ خمسة عقود؛ بالإضافة لعجز السلطة عن الإيفاء بالتزاماتها الحكومية والخدماتية والمالية وأصبح صرف جزء من الراتب خبر عاجل بسبب سياسة الاقتطاعات المستمرة من عائدات الضرائب منذ أربع سنوات، وزاد الطين بلة سموتريش الذي تفنن في الاقتطاعات من أجل تصفير العائدات، بل سيعمل على تسجيل ديون لإسرائيل على السلطة!.


أما غزة التي تتعرض لنفس النهج الإسرائيلي بل أصبحت أكثر استهدافًا منذ اليوم الأول لفوز حماس في الانتخابات التشريعية الثانية عام 2006؛ فعملت السلطة الفلسطينية على سحب غالبية السلطات التنفيذية والتشريعية من الحكومة العاشرة وأرفقتها إلى مؤسسة الرئاسة الفلسطينية، وبدأ الحصار على القطاع محليًا من قبل السلطة وكذلك إقليمًا ودوليًا. وإسرائيليًا، حيث تم إطباق الحصار على غزة على جميع الصعد والمستويات واستمر الحصار بظل الحروب المتكررة والمستمرة، وتم إغلاق المنفذ الوحيد على العالم الخارجي للقطاع، وتم منع غالبية السلع من الدخول وحتى الأموال تم منعها قطعيًا من الدخول للقطاع، ووصل الحد إلى إغلاق وتدمير الأنفاق التي تم حفرها من أجل منع وصول المواد التموينية للقطاع. فمنذ سبعة عشر سنة من القتل البطيء لغزة بسبب الحصار المطبق عليها إلا أن غزة فاجأت الجميع بقدراتها على الصبر والإعداد لمعركة العصر التي استطاعت شطب جيش إسرائيل وأمنها القومي ومازالت غزة تفاجئ الجميع بقدرتها على التحمل والصمود ومازالت توقع الخسائر الفادحة بالجيش والسياسة الإسرائيلية.


فنتنياهو ينتظر بفارغ الصبر قدوم المرشح للرئاسة الأمريكية دونالد ترامب الذي كان قد صرح في آب/أغسطس 2024، أن خريطة دول إسرائيل صغيرة جدًا وهو ينوي توسيعها؛ وهذا ما تناغم مع عرض خارطة تظهر إسرائيل من النهر إلى البحر في أيلول/سبتمبر 2024، وهذا ما تم تأكيده في اقتحامه لمنطقة الأغوار الفلسطينية في 11أيلول/سبتمبر 2024برفقة سموتريتش؛ فكل ذلك يأتي في الوقت الذي لم تحدد إسرائيل حدودها على الرغم من توقيع اتفاقيات مع المنظمة والأردن ومصر، وإسرائيل التي لا يوجد عندها دستورًا خوفًا من تحديد الحدود؛ فإسرائيل الآن بأمس الحاجة لتحديد الحدود ووضع دستور من أجل إنقاذ صورتها التي تشوهت بسبب حرب الإبادة والتجويع على القطاع وضبط الخلافات الداخلية والانقسامات في المجتمع الإسرائيلي وقضية تجنيد اليهود الحريديم وغيرها من القضايا المصيرية وكل ذلك من أجل إنهاء الحالة الإسرائيلية المزرية والمهزوزة بعد السابع من أكتوبر.


ومن البديهي في حال فاز ترامب في الانتخابات سوف يتناغم مع نتنياهو ويفرض حقائق قديمة جديدة والمتمثلة في فلسطين والإقليم؛ فسيعمل الثنائي الإرهابي على الإبقاء على التشريع الإسرائيلي الوجودي في الجولان السوري وسوف يوسع الحدود من الجانب الأردني حتى تصل إلى بلدة “الكرامة” الأردنية الموجودة قرب الحدود الفلسطينية شرقي نهر الأردن أو أبعد لتصل إلى منطقة الشونة، وتجاه الأراضي المصرية لتصل جميع مناطق رفح المصرية وعلى جميع المناطق المجاورة لحدود غزة بعمق يساوي مساحة غزة والسيطرة على الغاز الغزاوي؛ والمهم عند إسرائيل وترامب الحدود مع لبنان وبالتحديد وجود حزب الله في الجنوب اللبناني فستعمل إسرائيل وبدعم أمريكي غربي وخليجي على إعادة احتلال جزء يصل إلى ما يقترب من الليطاني وهنا تصبح حدود إسرائيل الجغرافية بعد إنهاء الوجود السياسي السيادي الفلسطيني والتوسع الإقليمي مقبولة بوجهة نظر ترامب واليمين المتطرف وتعيد إسرائيل أهميتها وقيمتها الجيوسياسية في الشرق الأوسط.


فهذه الخطة الخاصة بترامب ونتنياهو إذا ما كتب لها النجاح ستكون نهاية إسرائيل، عندها سيتشكل حلف في بلاد الشام مع النيل وهذا الحلف الذي سوف يتكون من جميع دول الطوق بعد التغيرات السياسية في هذه الدول عبر ثورة الشعوب التي سترفع راية الخلاص من الاحتلال، وبدلًا من أن توسع إسرائيل حدودها تكون قد عجلت في تدمير ما تبقى لها بعد السابع من أكتوبر، وسوف يتم تحرير جميع الأراضي العربية المحتلة وستقوم الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس وسيتم تخلص بلاد الشام من السرطان الإسرائيلي.


وعليه، مهما تم التآمر على القضية الفلسطينية، وبالتحديد على غزة إلا أنه لا يمكن هذه المرة أن تضيع تضحيات غزة كما تم التآمر على الانتفاضة الأولى والثانية؛ فقيادات المقاومة الحالية تعرف إسرائيل أكثر من الإسرائيليين وهذه القيادة لا تخاف على شيء بما أنها مشاريع شهادة، واليوم يوجد مئة رهينة إسرائيلية عند المقاومة لابد من إطلاق سراح أسرى المؤبدات من أجل إطلاق سراحهم من خلال صفقة، والتي ستحدث انقلابًا نوعيًا في السياسة الفلسطينية فلا يمكن لقادة فتح في السجون الذين سيتم شملهم في الصفقة القبول بالواقع الفتحاوي التنظيمي والسياسي الحالي، وسيكون الزلزال المدمر الذي يضرب البنية الفتحاوية؛ مما يصب في الوصول إلى إتمام المصالحة الفلسطينية وإجراء الانتخابات العامة الثالثة (تشريعية ورئاسية)؛ وتحصيل حاصل عقد المؤتمر العام لحركة فتح الذي كان من المقرر عقده في آذار/مارس 2023.


ونافلة القول، أن هناك من يقول أن إسرائيل غيرت الواقع المعماري والجغرافي للقطاع ودمرت البنية التحتية؛ هذا صحيح ولكن استطاعت غزة بالمقابل تدمير البنية التحتية الفكرية والتوراتية المتينة لإسرائيل واستطاعت غزة تدمير عنجهية الاحتلال، ودمرت صورته الأسطورية حتى غدت صورة كرتونية ووحشية بعد قتل عشرات الآلاف من الأطفال والنساء والشيوخ، وفي المقابل غزة التي تم حصارها من أجل إخضاعها وطمس القضية الفلسطينية استطاعت إعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية التي عادت للساحة الدولية بكل قوة، وأضحت محل نقاش ومطالبة دولية في إقامة الدولة الفلسطينية وإنهاء الاحتلال لفلسطين. وخلاصة القول إن المقاومة والكتائب ستبقى قائمة مادام الاحتلال قائمًا، ومن المؤكد أن إسرائيل هي التي تسببت في السابع من أكتوبر بسبب ممارساتها سابقة الذكر في الضفة والقطاع.
*كاتب وباحث فلسطيني مختص بالحركات الأيديولوجية.

شاهد أيضاً

‫ الاحتلال يخطر بالاستيلاء على 7 دونمات من أراضي بيت ليد شرق طولكرم

‫ الاحتلال يخطر بالاستيلاء على 7 دونمات من أراضي بيت ليد شرق طولكرم

شفا – أخطرت سلطات الاحتلال الإسرائيلي، بالاستيلاء على 7 دونمات و739 مترا مربعا، من أراضي …