نظام تأنيث التعليم في المدراس الحكومية الفلسطينية ما بين تأييد منهجي ومعارضة جندرية، بقلم : عائشة صنوبر
لا شك أن التعليم هو القاطرة الوحيدة عملياً لأي تقدم أو تطور في أي أمة مهما سمت ، وهو السبيل لتحقيق الرفاه المبني على الوعي ، حيث يخلق التناغم الإيجابي والتقارب المتماهي وجدانياً بين أبناء الشعب الواحد المتوحد تعلمياً ، فهو ينمي الولاء والانتماء بشكل ذاتيّ في نفوس أبنائه المريدين ، ولم لا وقد كانت أولى تعاليم الوحي هبوطاً على رسولنا الأكرم ، والذي دوّن ذلك بالقلم هي (اقرأ باسم ربك الذي خلق ، خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم ) .
وعلى مدى سنين ممتدة و طويلة ، كانت تأخذ قضية التعليم والتربية في العالم عامة ، وفلسطين خصّيصاً حيزاً كبيراً من تفكير المسؤولين وانشغالاتهم ، ومطالبات أصحاب القرار و الرأي والمفكرين، ليس هذا فحسب، بل إنها تعد بيئة جاذبة لشكاوى أولياء الأمور المنهمكين في تدني تحصيل الطلبة (وكأنها التعليم ) ، وحدوث مشكلات سلوكية سيكولوجية إرشادية، وظواهر ومظاهر سلبية متعددة بنسبة عالية في مدارس الذكور عنها بمدارس الإناث ، حتى تعددت التساؤلات والإستفهامات حول التفاوت الطردي ، وأحيانا العكسي ، بين مدارس الذكور والإناث ، الأمر الذي نادى البعض من أهل العقد بضرورة إيجاد حلول وازنة ، ومن ضمنها تأنيث التعليم في المراحل الدراسية المختلفة ، حيث شهدت السنوات الأخيرة تقدماً واضحاً للمرأة في عالم أبتثية التعليم وحضورها ، فأصبح عدد الإناث في مجال التعليم الكمي في تزايد مستمر ، نتيجة للتوجه والاعتقاد السائد بأن المعلمة هي الأقدر على التعامل مع الطلبة لمكنوناتها الفسيولوجية والعاطفية التي تجتاز الذكور ألفة ، فكان التوجه عربياً وعالمياً لتأنيث التعليم بالمفهوم البيداغوجي ، حيث يرى المهتمون بمجالات التعليم والنمو أن تأنيث التعليم كسياسة تنموية وتربوية من الظواهر الاجتماعية والاقتصادية التي تعكس مدى أهمية العنصر الأنثوي في تنشئه وتنميه وتكوين الاجيال والمجتمعات ، فضلاً عن اعتبار تأنيث التعليم يأتي كسياسة تربوية صارمة في بعدها الإنساني ، من شأنها أن تمكن المرأة وتعطيها دورها الريادي والطبيعي في قيادة النشء ، فاشراك المرأة في هذه المهمة يأتي امتداداً لدورها في تربية الاطفال وعياً ، كما أن المرأة اكثر دراية باحتياجات الأفراد في مختلف الاعمار من عدة نواحي بنائية ، و التي وهو شأن يعطيها الأفضلية عن الرجل في عمليه الاعداد والتكوين (والرضاعة التربوية ) .
إن تأنيث مدارس الطلاب ، من الظواهر الاجتماعية التي تعكس الاهتمام بدور المعلمة؛ لما لها من قدرة سميّة في إيصال المعلومات الممزوجة بحنان المرسل وعطفه الغلّاب ، كما أنها تدير الفصل بتلقائية المعطي بلا مقابل ، فهي المجبولة على تحمل الإشتباكات الرّعناء لطلبة يتصرفون كما يليق بشياطينهم ، فهي القادرة على تكوين علاقة حيوية مع الطلبة الذكور كأبناء ، إضافة إلى أنها أكثر ميولاً سيكولوجيا لمهنة التعليم والتربية من الرجل الصارم ، فعلى الصعيد الوطني ومنذ قدوم السلطة الوطنية الفلسطينية سعت وزارة التربية والتعليم الى تطوير الهياكل الإدارية في قطاع التعليم في فلسطين ومن أهم هذه السياسات تأنيث التعليم لما لهذه السياسية من أهمية في تطوير التعليم داخل الاراضي الفلسطينية بحيث تناسب بيئة العمل الفلسطيني والتي تتعرض باستمرار لمضايقات إسرائيلية ممنهجة جراء ممارسه الاحتلال المقصودة في استهداف التعليم الفلسطيني ، والتي من ضمنها ضرب البنى التحتية للمنظومة التربوية والتعليمية الفلسطينية كلها ، واعتقال مختلف كوادرها ، ما يعطي أهمية قصوى لدمج المرأة الفلسطينية بشكل مصقول في هذا السياق التحرري ، لسد حالات النقص التي قد تتعرض لها المنظومة التربوية والتعليم وهي تتعرض ، كما يعزى سبب تواجد المرأة في القطاع التربوي الفلسطيني الى الوضع السائد خلال الانتفاضة الثانية والذي منحها الكثير من الادوار للقيام بها ، إضافة لسياسة وزارة التربية والتعليم والتي شهدت اندفاع عن صوب سياسة تأنيث التعليم ومجارات لمسوغات التطورات العالمية والتي تدعو الى ضرورة تأنيث التعليم (يوسف،2021) كما أنه يمكن حصر الأسباب التي ساعدت على انتشار ظاهرة تأنيث التعليم في فلسطين سببين هما أسباب مباشرة وهي ما تسعى إليه وزارة التربية والتعليم العالي على سبيل الذكر لا الحصر سد النقص في إعداد الخريجين الذكور من التخصصات العلمية وأسباب غير مباشرة وهو ما فرضته طبيعة الحياة وأنماط التطور في ميادينها المختلفة و بالرغم من أن تجربة تأنيث مدارس الذكور أخذت بالاتساع أظهرت بعض المؤشرات الايجابية منها الدافعية وزيادة النشاط ،وربما رفع التحصيل لدى أغلب الطلبة ،وزيادة التواصل مع أولياء الأمور إلى أنها في المقابل أظهرت بعض السلبيات لعدم التزام الطلاب بالنظام ومحاولة خلق الفوضى والميل للعنف وضعف الشخصية لبعض المعلمات وعدم جدية بعض الطلاب ومحاولة بعضهم تقليد المعلمة(بليل ،2021)
وترى (ميناوي ،2017) على الرغم من هذه الايجابيات من قضية “التأنيث في التعليم” يظهر التباين في المواقف، ما بين مؤيد لقيام المعلمة بالتدريس في المرحلة الأساسية الدنيا للذكور وإبراز جدارتها في إحداث نقلة نوعية في التعليم في حال أسندت إليها تلك المهمة، وما بين معارض للإقدام على تلك الخطوة، ففي السنوات الأخيرة ظهرت العديد من الأبحاث لدراسة “أثر غياب المعلم الرجل على شخصية الطالب الذكر في الصفوف الدنيا في بريطانيا”، ومن البديهي أن المعلم الذكر يملك مهارات وخبرات يحتاجها الطالب لا تملكها المعلمة، ولا تستطيع إيصالها، فلا يجب الإستهتار بخبرة وقدرة الرجال في تربية الأجيال أما علماء الدين الإسلامي كتبوا، وتحدثوا عن التعليم وآدابه، وحذروا ونهوا عن كثير من المسائل بهذا الموضوع “فصل الفتيان الذكور عن المعلمين الرجال”، كما تكلموا عن مدى أهمية تربية الطالب الذكر بين الرجال ليكتسب من شخصياتهم، ونبهوا إلى أهمية فصل الذكور عن الإناث في التعليم حتى وهم أطفالاً صغاراً في المراحل الأساسية الدنيا من الدراسة.
مجتمعياً يرى أستاذ علم الإجتماع في جامعة البلقاء التطبيقية الدكتور “حسين الخزاعي أن ثقافة المجتمع حتى الآن لم تكسر الحاجز الإختلاطي بين الذكور والإناث خاصة في مرحلة المراهقة، فالمجتمع يخاف، أن يولّد الإختلاط المشاكل والتحرش أو إلهاء الطلاب عن الدراسة”.
كما يرى البعض أن تأنيث التعليم لا يصب في مصلحة الذكور المتعلمين بل على العكس، فآلاف الخريجين من الذكور الشباب بشهادات معلمين ومنهم من درس الماجستير بعد البكالوريوس أو حصل على دبلوم التأهيل التربوي، لا يجدون وظائف تعليمية في وزارة التربية والتعليم العالي الفلسطينية. والتوجه الجديد بتأنيث التعليم لا يصب في مصلحة تخفيف البطالة، فبدلاً من أن يفتح للشباب وظائف جديدة، ستغلق وظائف موجودة، وبدلاً من توظيف رب الأسرة سيتم توظيف زوجته، أو أخته، ويحرم هو من الوظيفة.
وبناء على هذا التباين في الآراء وجدت الباحثة ضرورة رصد الاثار التعليمية والنفسية الناجمة عن تأنيث التعليم في مرحلة المراهقة لطلبة المدارس المرحلة الممتدة من الصف السابع الأساسي وحتى الثانوية العامة ، ولماذا يقف البعض معارضاً والبعض الآخر مؤيداً لهذا التوجه .
ومن هذا المنطلق فلقد اهتم التربويون بظاهرة تأنيث التعليم فأجريت العديد من الدراسات حول هذا الموضوع من جوانب مختلفة حيث أجرت (يوسف،2021) دراسة هدفت التعرف على أثر التوجه نحو تأنيث التعليم على تحصيل ومهارات واتجاهات الطلبة في المدارس الأساسية الحكومية في محافظة نابلس من وجهة نظر المعلمين،توصلت الدراسة من خلالها أهمها أن تأنيث التعليم ساهم بشكل كبير في زيادة التحصيل الدراسي للطلبة وتحسين المهارات الحياتية والسلوكية، وساهمت في تشجيع الطلبة على خوض المنافسة وغيرت من سلوكياتهم نحو الأفضل، وقللت من الغياب والتنمر والعنف لديهم، وأرجع الكثير السبب إلى أن وجود المعلمة يمنح الشعور بالأمان في ظل حاجة الطلبة إلى عاطفة الأمومة التي ينفصلون عنها في أوقات الدوام ، كذلك أكدت (بليل ـ2021) بدراستها أن تأنيث التعليم وتأثيره على شخصية المتعلم في المدرسة كما له تأثير على العلاقات الاجتماعية.
وعلى تحقيق الأهداف التعليمية، وتأثير على الأنشطة والأساليب التعليمية ،وتأثير كبير الأثر على المناخ التعليمي وتضيف (البريكي،2020) دراسة حول تأنيث التعليم في إطار التربية الإسلامية بين الواقع والتطوير مستخدمة المنهج الوصفي حيث أشارت الدراسة إلى أن هناك نتائج ايجابية وأخرى سلبية ناجمة عن تأنيت التعليم في المرحلة الثانوية من حيث تأنيث الهيئة التدريسية ولكن دلت النتائج أن الطلاب الذكور يفضلون المعلمون الذكور .
وفلسطينياً في ضوء إجراء ورقة مذكرة سياسات تربوية في مركز البحث والتطوير الفلسطيني التابع لوزارة التربية والتعليم حول كيف يُفسر اختلاف الجنس التباين في تحصيل الطلبة في دراسة التقويم الوطني 2022 كانت النتائج المدارس التي تقودها الإناث ، أعلى تحصيلًا مقارنة بالمدارس التي يقودها الذكور ، فالطالبات الاناث يتفوقن على الطلبة الذكور في اختبارات دراسة التقويم الوطني 2022.
كذلك متوسطات التحصيل العام للصفوف والمواد التي شملتها دراسة التقويم الوطني2022 جاءت منخفضة بشكل عام. • وعليه تقودنا هذه المذكرة القائمة على أثر جنس مدير المدرسة على التحصيل الدراسي إلى نتاجات فكرية هي :
يعتبر تأثير تأنيث التعليم مؤثراً بشكل كبير في الانجازات التعليمية حيث تؤثر بشكل إيجابي على تحقيق الإنجازات التعليمية ورفع مستوى التحصيل الأكاديمي حيث يشير الواقع الميداني التربوي الفلسطيني أن القيادة المدرسية النسائية قادرة على : –
خلق بيئة تعليمية إيجابية: يتمتع الكادر النسائي بصفات مثل التعاطف والتعاون والمهارات الاتصالية التي تعد أساسية في خلق بيئة تعليمية إيجابية. فيشعر الطلاب بالدعم والتشجيع، مما يجعلهم أكثر عرضة للانخراط في دراستهم وتحقيق مستويات أعلى من النجاح الأكاديمي.
ثانياً: تعزيز الدور النموذجي للنساء في المجتمع: حيث يمكن للقيادة النسائية في المدارس أن تعزز الدور النموذجي للنساء في المجتمع وتحفز الفتيات على الاستمرار في التعليم وتحقيق النجاحات التعليمية وخاصة في القرى والمدن الفلسطينية النائية والمهمشة .
وأخيراً تعتمد صوابية تأنيث التعليم في ظل الأزمات على السياق الثقافي والاجتماعي للمجتمع المعني. ومع ذلك، قد تواجه هذه الخطوة تحديات مثل المقاومة الثقافية والسياسية، وعليه يتطلب تأنيث التعليم التوازن والتفاوض بين الجميع لضمان تحقيق أقصى فائدة منه. وعليه أن دور تأنيث التعليم في التعافي من الأزمات التعليمية والسلوكية يعتبر حاسماً للتأثير على النتائج النهائية.
يمكن للتعليم أن يساعد في تقديم الدعم النفسي والاجتماعي للطلاب، وتقديم بيئة تعليمية مشجعة وداعمة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يساهم التعليم في تعزيز مهارات التحليل والتفكير النقدي التي يمكن أن تساعد الطلاب على التعامل مع الضغوطات والأزمات بشكل أفضل.
من خلال توفير برامج تعليمية متطورة ومتنوعة، يمكن للتعليم أن يلعب دوراً كبيراً في تعزيز التعافي الشامل للطلاب فالمعلمة أم ، زوجة ، أخت ،رفيقة ، كما تشير الدراسات التربوية النفسية للإناث تظهر قدرة استثنائية على التعافي من الأزمات بشكل عام.
إنهن يظهرن قوة ومرونة كبيرة في مواجهة التحديات والصعوبات التي قد تواجههن. يمكن للإناث استخدام توازنهن العاطفي والعقلي للتأقلم مع جميع أنواع الضغوط والمشاكل، والعمل بشكل بناء نحو حل المشاكل بدلاً من الانهيار تحت ضغوط الحياة.
يجب أن يدرك الأفراد الإناث أن التحديات هي فرص للنمو والتطور، ويمكنهن استخدامها كفرصة لبناء قوة داخلية وثقة في النفس. والتأثير على المحيطين بشكل إيجابي فاعل ومنتج.