4:44 مساءً / 24 نوفمبر، 2024
آخر الاخبار

دراسة في رواية بيادق ونيشان ، بقلم : جوان سلو

دراسة في رواية بيادق ونيشان ، بقلم : جوان سلو

دراسة في رواية بيادق ونيشان ، بقلم : جوان سلو

“في الشطرنج كما في الموت عندما تنتهي اللعبة يوضع الملك، والجندي في نفس الصندوق… أنيس منصور”

الإهداء أولى عتبات النص السردي، ينظر إليه كعنصر أساسي في مقاربة النصوص الأدبية، حيث تُعتبر خطوة مهمة لفهم أعمق للنص ودوافع الكاتب.


الإهداء ليس مجرد جزء تقني من الكتابة، بل هو تعبير عن مشاعر الكاتب وتجاربه الإنسانية، ويرتبط بشكل مباشر بشخصية المُهدى إليه. إهمال هذه العتبة يُعد تفويتاً لفرصة فهم بعض جوانب النص الخفية، حيث يعكس الإهداء مشاعر الكاتب تجاه الآخر ويسلط الضوء على العلاقات الاجتماعية والإنسانية التي تجمع بينهما.


في رواية بيادق ونيشان للكاتب يوسف حسين، والصادرة عن دار سكرايب للنشر بالتوزيع عام ٢٠٢٣ والتي جاءت في ٥٠٨ صفحة من القطع المتوسط. صدّر لنا الكاتب في روايته هذا الإهداء الصدام، حيث يكتب:
” لك هذه المرة أيها البيدق: ما يرقد أسفل جدران عقلك المهترئة ليس قبراً فرعونياً كالذي وجده آدم تحت أنقاض منزله، وإنما تفاهتك وسذاجتك. فلا داعي للتنقيب والبحث أكثر ، فلن تجد إلا نيشان خيبتك”.


يصدمنا الكاتب بهذا الإهداء الغريب، رغبة منه في أن يدفعنا لقراءة روايته التي جاءت كوحدة متكاملة بلا فصول. فقط رموز لبيادق ثلاث تفصل بين الأحداث. فمن خلال هذا الاهداء مارس معنا الكاتب لعبة أدبية واجتماعية تجاوزت حدود النص لتلامس الحياة الشخصية للكاتب، وقد صاغها بدقة ليعبر عن نوايا محددة، سواء من خلال اختيار الشخص المُهدى إليه أو صياغة الكلمات. من هذا المنطلق، يُعد الإهداء بوابة هامة للنص الأدبي، فهو يتنوع بين الشكر، التقدير، الامتنان، الرجاء، التهديد ، الخيبة. الحزن. الذكريات أو حتى التماس. كما أن هذه العبارات تحمل في طياتها دلالات وجدانية تُعزز من الحميمية بين الكاتب والمُهدى إليه.


وفقاً لما يراه الناقد الأدبي جيرار جينيت، يُسهم الإهداء في تقوية الروابط الإنسانية والاجتماعية، ويُساهم في خلق علاقات أخوية بين الطرفين. ومن هنا، يتجلى الإهداء كوسيلة لتعزيز الروابط العاطفية والإنسانية داخل النص الأدبي، ليصبح بذلك جزءاً لا يتجزأ من العملية الإبداعية.


في هذه الرواية أخبرنا الكاتب أن نلاحق شخصية آدم ، والذي يمثل كل الرجال في العالم والذي مارس لعبة الموت والحياة مع من حوله من أبناء وأصحاب كي يعلم نواياهم ولكن الخيبة من تصرفاتهم عكست نفسها في وجدانه ، فنرى البطل في كثير من المرات يعاتب نفسه أو يلومها لأنه أفرط في الثقة أحياناً وفي عدم استغلال الفرص أحيانا أخرى.


تبدأ الرواية بمشهد المحاكمة ، أنها محاكمة صورية لشخصية آدم ، أكثر من كونها محاكمة بين أبناء عصاة و أبٍ أفرط في دلال أبنائه حتى أرادوا سحب البساط تحت قدميه، ولكنه حين يأخذ الحكم لصالحه يلعب معهم لعبة الحياة والموت ، ليتوه في رحلة عجائبية بين الماضي والحاضر وهكذا تتشكل تفاصيل الرواية وتزداد الحبكة صعوبة حتى تنتهي الرواية بالخذلان.


بعد أن يعود آدم من المحكمة، يذهب إلى قصره ليطرد ابنه وابنته اللذان رفعا ضده قضية حصر إرث بسبب علاقته مع امرأة أخرى. ليعيش وحيداً في قصره، حتى يتم إعلان وفاته في اليوم السابع، ليفتح عينيه فيجد نفسه مقيدا بسلاسل نارية وسط جحيم يحيط به من كل الجهات ، يقف فوق رأسه ملك يحاسبه عن كل كبيرة وصغيرة في سيرة حياته. من ثم يبدأ بسرد ماضيه لهذا الملاك المعذب حتى ينال حساب القبر.

شيئاً فشيئاً تتوضح الأمور فنعلم من خلال ذكرياته أنه فقد أباه واخويه في حادثة قطار، ومن ثم تقوم أمه المصابة بلوثة الفقد برعايته ، فيدرس في الجامعة ويعاني الفقر والعوز، وتتوالى الأيام ويستطيع جمع المال ويتزوج ويصبح ثريا، وكلما تعمق أكثر في ماضيه.


زاد وجعه وتعذيبه. تظهر براعة الكاتب في تحليله العميق للشخصيات والأحداث في الرواية.

حيث يمثل آدم تجسيدًا للصراع البشري أمام قسوة الحياة، حيث تتجلى آلامه ومعاناته كرمز للظلم الذي يمكن أن يواجهه الإنسان. فقدانه لكل أحبائه، وعدم قدرته على قبول العقوق من ولديه، يعكس عمق الألم الذي يمكن أن يعيشه الفرد.


أما آمنة، فهي تجسد الأمل والثبات على المبادئ رغم المعاناة. تعكس قدرتها على الصمود والتفاؤل في وجه التحديات القوة الإنسانية الحقيقية.

صفاء، كضحية أخرى، تبرز كيف أن الأشخاص الطيبين يمكن أن يتعرضوا لمآسٍ غير مستحقة، مما يدعونا للتفكير في مفهوم العدالة في حياتنا.


بينما هنية تبرز التحديات التي قد تتعرض لها النفس عندما تتبع مشاعرها دون اعتبار للعواقب، مما يذكرنا بمدى تعقيد القرارات الإنسانية.


في النهاية، الرواية تدعو القارئ للتساؤل عن الحكمة الإلهية وراء الأحداث، وكيف يمكن أن تتداخل الأقدار مع الإرادة البشرية. قد يكون الألم وسيلة للنمو، وهذا يمثل درسًا مهمًا في كيفية التعامل مع المعاناة بشكل إيجابي. تبرز الرواية الصراع المستمر بين الظلم والعدالة، مما يجعلها تجربة غنية تدعو للتفكر في الحياة وما تحمله من مآسي وأفراح.
ويبقى لإهداء رسالة مبطنة لا ندرك فحواها إلا بقراءة الرواية ، وقد نجح الكاتب في سرد محطات كثيرة ومثيرة عن شخصيات روايته العابقة والحوارات والذكريات، مستخدماً لغة رصينة ماتعة، تفك شيئاً فشيئاً أسرار لغزه في مقدمة كتابه .


فمن خلال لغته استطاع الكاتب أن يصف شخصياته و الأحداث واختيار شخصيات تناسب الأسماء. فصالح و الحج قاسم وفريد.. كانوا في كثير من اللحظات في الصف الصحيح والإيجابي. وكانت آمنة هي الحضن الدافئ والحصن الآمن لبطل الرواية آدم. وهكذا دواليك..


رواية “بيادق ونيشان” للكاتب يوسف حسين تعدّ من النصوص الأدبية المركّبة والمثيرة للاهتمام، حيث يتجلّى فيها دور الإهداء كعتبة أولى للنص، يُظهر تفاعلًا فريدًا بين الكاتب والمتلقي. الإهداء الغامض والجريء في هذه الرواية يعكس حالة من التصادم العاطفي والفكري، مما يُحفّز القارئ على الغوص في تفاصيل القصة لفهم المقاصد الخفية وراءه.

السيرة الذاتية للكاتب : يوسف حسين


‏-‏‎ ‎مؤسس ومدير دار اسكرايب للنشر والتوزيع – القاهرة‎

  • حصلت روايته “كيد الرجال” على جائزة مهرجان همسة للفنون والآداب في مصر ‏‏(2018).‏‎
    ‏-‏‎ ‎حصلت روايته “أديرا” على جائزة مهرجان همسة للفنون والآداب في مصر ‏‏(2019).‏‎
    ‏-‏‎ ‎حصلت روايته “لعبة الموت” على جائزة منف للرواية العربية عام (2019).‏‎
    ‏-‏‎ ‎صدرت مؤخرًا الطبعة الخامسة من روايته “إرم العهد الحديث” (2020).‏‎
    ‏-‏‎ ‎وصدرت له رواية “الأربعون الثانية”، في طبعتها الثانية (2021).‏
    ‏- كما صدرت له أيضًا رواية “الورقة الخضراء” (2022).‏
    ‏- وتعد رواية “بيادق ونيشان” أحدث أعماله الأدبية المنشورة (2023)، وقد وصلت ‏ضمن القائمة القصيرة لجائزة لكتارا 2024.‏

– جوان سلو – كاتب قصصي وروائي من سوريا

شاهد أيضاً

ثلاثة شهداء بينهم عسكري في الغارات الإسرائيلية المتواصلة على لبنان

ثلاثة شهداء بينهم عسكري في الغارات الإسرائيلية المتواصلة على لبنان

شفا – استشهد شخصان وأصيب آخرون، اليوم الأحد، في غارة شنتها طائرات الاحتلال الإسرائيلي على …