الذكاء الإصطناعي بين التبني والتأني، بقلم : د. فواز عقل
البشر لم يستطيعوا السيطرة على وسائل التواصل الاجتماعي ، فهل سيسيطرون على الذكاء الاصطناعي؟
يشكل الذكاء الاصطناعي مصدر قلق وتحدي للبشرية بشكل عام في كل المجالات ولطلبة الجامعات في التخصصات والمهة المختلفة.
ويعتقد البعض أن الذكاء الاصطناعي يخلق فرص جديدة للطلاب والباحثين للوصول الى معلومات جديدة وضرورية والتي تزيد من جودة الابحاث العلمية وجودة ونوعية التعليم،،
ويطرح المختصين أسئلة حول مستقبل وفرص العمل والمهارات والمهن المطلوبة للقرن الحادي والعشرين وستظهر مهن ووظائف وتخصصات جديدة تتلائم مع حاجات الفرد والمجتمع وستختفي مهن ووظائف وتخصصات لعدم ملائمتها للفرد والمجتمع.
لذلك لا بد من تحولات جديدة في نظام التعليم مثل التحول من توحيد التعليم الى تفريد التعليم ومن وضعية التعليم الى وضعية التعلم والتحول من ثلاثية الحفظ والتلقين والتذكر الى رباعية الحوار والخبرة والتجربة والمشاركة، والتحول من إنهاء وتغطية المنهاج التي هي عدو للفهم وعدو لنظام التعليم الى منهاج مفتوح مرن مواكب قابل للتغيير والتعديل، وتقول بعض الدراسات ان صلاحية المعارف والمناهج ستقتصر مستقبلاً على 5 سنوات ان لم يكن أقل، وإن عقل الانسان اكبر بكثير من ان يحتويه كتاب او منهاج مهما كان مصدره.
والتحول كذلك الى استخدام كلمات وبرامج ومصطلحات جديدة مثل قارن، حلل، قيم، برر، حدد، لخص، وضح، اقترح، فسر، توقع، اعرض، ناقش، افحص، انقد، عبر، لأنه لا يمكن التغيير من خلال ادوات وكلمات وبرامج متكررة.
ورغم المبالغات في السلبيات والايجابيات والمخاطر التي تواجه البشر إلا ان الذكاء الاصطناعي سيكون له أثر كبير على التعليم والتعلم كما يراه الداعمون والمرحبون به الذين يقولون استعدوا للثورة التعليمية و يدعون الى التبني لأنه يساعد على :
⦁ التخفيف من مخاطر الغش في الامتحانات والبحث العلمي
⦁ المساعدة على تعليم اللغات من خلال المحادثة
⦁ المساعدة على حل الواجبات
⦁ مساعدة الباحثين للوصول الى المعلومات بسرعة وتلخيص المقالات بسرعة
⦁ المساعدة على تحسين مهارة الكتابة عند الطلاب
⦁ توفير فرص لتطوير المواد التعليمية والمنهاج وتصميم الاختبارات والدورات التفاعلية
⦁ المساعدة على انجاز المهام الادارية للمعلمين
⦁ توفير استشارات حول وضع الاسئلة لكثير من المواد
⦁ المساعدة على توفير فرص و زيادة تفاعل الطالب مع المحتوى التعليمي.
أما أصحاب النظرة السلبية والداعين الى التأني فيقولون ان الذكاء الاصطناعي سيؤدي الى تراجع التدريس الوجاهي لصالح التعليم خارج المدرسة والمنزل مما يؤدي الى ضعف التواصل الاجتماعي بين الطلاب والمعلمين والمدرسة والمجتمع.
وسينحصر دور المعلم المعرفي مما يؤدي الى غياب المعلم وجاهياً والذي سيؤثر على نقل القيم الاجتماعية واعتقد ان الذكاء الاصطناعي لا يستطيع تقليد البشر والتعامل مع الجوانب العاطفية والفلسفية في تفكير الانسان، و قد يؤدي الذكاء الاصطناعي إلى تغيرات جذرية في المجتمع، كالتوظيف و التعلم و اختفاء مهن و ظهور مهن جديدة و تدهور العلاقات الاجتماعية، و مع ظهور الذكاء الاصطناعي نجد أنفسنا أمام مستجدات فيها الكثير ما يبشر بزمن فيه الخير للبشر في مجالات عديدة و يحمل في نفس الوقت جوانب مرعبة مخيفة تضع البشر أمام أسئلة كثيرة،و ظهر مؤخرا مخاوف جديدة تتعلق بفقدان الوظيفة حيث أظهر تقرير البنك الدولي أن ظهور الذكاء الاصطناعي سيؤثر على 40% من الوظائف حول العالم، وفي تقرير للمنتدى الاقتصادي العالمي 2020/2025 سيفقد العالم 85 مليون وظيفة خصوصا الوظائف التقليدية، و مع تطور الذكاء الاصطناعي و قدرته على توليد نصوص جديدة لجأت بعض الجامعات إلى رفض برامج الذكاء الاصطناعي و منع الطلاب من استخدامه لمنعهم من الغش في الإمتحانات ، هذا قرار جيد للوهلة الأولى و لكنه مخالف لعملية التغييرات المتسارعة في الذكاء الاصطناعي، و بدل من رفضه قامت بعض الجامعات بتطوير برنامج خاص لتعلم الطلاب و تقديم تجربة فريدة لهم بدل تقديم معلومات جاهزة و عدم اعطاء الطالب الجواب النهائي حيث تقدم له طريقة للوصول للحل ، حل المسائل بدون تقديم الحل النهائي عن طريق دمج نظريات علم التعلم و الذكاء الاصطناعي.
رغم أنني لست خبيرا في الذكاء الاصطناعي و لكنني بحكم تخصصي في التعليم و التعلم أعرف و أفهم كيف يتم تشكيل و إعداد جيل المستقبل، و مرة أخرى لا أحد ينكر أهمية الذكاء الاصطناعي و تخصصات الحاسوب المختلفة لما لها من دور كبير في تشكيل المستقبل و تأثير على حياة البشر في كل المجالات و لكنني أعرف كذلك أنه هذه العلوم الجديدة رغم انها من متطلبات العصر إلا أنها ليست كافية ولا يمكن لها بمفردها أن تتعامل مع مشاكل البشر و بناء المستقبل إلا إذا تم الرجوع للعلوم الاجتماعية و الإنسانية (مثل علم الاجتماع، علم النفس، الفلسفة و الفنون و الآداب) و التي من خلالها ممكن حماية القيم الإنسانية و فهم السلوك الإنساني و التفاعل الاجتماعي و دعم النشاطات العقلية كالتافكير الناقد و التفكير الإبداعي و التحليل و التساؤل و الإقناع و تقبل الآخر و الحوار لذلك لا بد من الجمع و التوازن بين هذه التخصصات بحيث لا يكون تخصص على حساب الآخر بما فيه من مصلحة و خير البشر .
و مع هذا هنالك أسئلة كثيرة تشغل كاهلي و كاهل اخرين من التربويين:
1-هل يمكن للبشر التأقلم مع هذه التغييرات المتسارعة و ما الثمن؟
2-هل سيتم إعادة النظر و التفكير في الأدوار التعليمية و الوظيفية لمواكبة المتغيرات و المستجدات شبه اليومية؟
3-هل سيضع البشر مدونة سلوكية أخلاقية مهنية لضمان استخدام الذكاء الاصطناعي لحماية البشر من الأخظار المتوقعة خصوصا في البحث العلمي و الامتحانات و التعليم و التوظيف؟
4-ما هي التحديات الأخلاقية التي ستظهر في المستقبل القريب أو البعيد بعد ظهور الذكاء الاصطناعي؟
5-كيف سيؤثر الذكاء الاصطناعي على التخصصات و الوظائف في مجال العلوم الاجتماعية و الإنسائية؟
6-هل سينحصر التعليم و الشهادات و المهارات لخدمة وظائف و مهن و خدمة القطاع الخاص و خدمة حاجات رجال الأعمال؟
7-هل سيتم إعادة تعريف مكونات العملية التعليمية (الأهداف، المنهج، المعلم، الطالب، التقويم، البيئة المدرسية)؟
8-هل سيعاد النظر في عملية التقويم و الامتحانات خوفا من الغش و الاتجاه نحو الامتحانات الشفوية لتخفيف ما يعرضه الذكاء الاصنطاعي على الطالب؟
9-هل البشر مستعدون لمواجهة الثورة التعليمية التي سيفرغها الذماء الاصطناعي؟
10-هل ظهةر الذكاء الاصنطاعي و توليد النصوص و المعارف سيقود حتما إلى تحديد صلاحية الشهادة أولا و المعرفة ثانيا؟
11-كيف ستتطور الامكانات الهائلة لهذه التكنولوجيا في المستقبل؟
12-ما هي التأثيرات التي سيفرضها الذكاء الاصناعي على القيم و الأخلاق و التعلم و الوظيفة؟
13-هل أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي بكافة مجالاتها جزء لا يتجزء من حياتنا اليومية؟
14-هل أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي بيئة خصبة للإشاعات و الأخبار المضللة و تشويه الافكار و الأشخاص بعد تزايد الاعتماد عليها للحصول على المعلومة و التواصل مع الآخرين؟
وأردد دائما : ما ذكره محمد عبده : ان مستقبل اي امة يكون باستعدادها لكل زمان بما يناسبه ، وما قاله شمس التبريزي : لا تتعلم ما لا تعلم حتى تعمل بما لا تعلم،، ولا يجوز ان ينام الانسان بنفس العقل الذي استيقظ به
وما قاله بير تراند راسل أن الانسان لا يولد جاهلا وليس غبياً وما يجعله غبيا هو نظام التعليم
و أقول، نحن التربويون أصحاب البوصلة أصحاب اليقظة نصنع البوصلة ولا ننتظرها للزمن التالي.
- – د. فواز عقل – باحث في شؤون التعليم والتعلم