ماذا يعني إقامة كنيس يهودي في المسجد الأقصى؟؟ بقلم: راسم عبيدات
مشروع تهويد وتقسيم المسجد الأقصى زمانياً ومكانياً، وتغيير طابعه ووضعه الديني والقانوني والتاريخي يتقدم خطوة خطوة. دعكم من الشعارات و”الجعجعات” والإسطوانات المشروخة للازمة بيانات الشجب والاستنكار العربي الرسمي والإسلامي، فهي ممجوجة ولا تساوي قيمة الحبر الذي تكتب به. بن غفير لم يقتحم الأقصى للمرة الأولى هو والعديد من الوزراء وأعضاء الكنيست الحاليين والسابقين والحاخامات، بل منذ توليه منصبه كوزير لما يعرف بالأمن القومي اقتحم الأٌقصى ست مرات، وفي كل مرة يؤكد على أن الأقصى، هو جبل الهيكل، وأقدس مكان عند اليهود، ويجب أن يدرج كأحد الأماكن المقدسة اليهودية. وفي عمليات الاقتحام تلك كانت تجري ممارسة الطقوس التلمودية والتوراتية والصلوات، فردية وجماعية، والعديد من طقوس إحياء الهيكل المعنوي.
الجماعات التلمودية والتوراتية تعتقد أن الظرف ملائم ومناسب لها لكي تنتقل من مرحلة استكمال كل ما يتعلق بطقوس إحياء الهيكل المعنوي من نفخ بالبوق إلى إدخال قرابين الفصح النباتية، من ورق الصفصاف وسعف النخيل والحمضيات المجففة، إلى محاكاة إدخال قرابين الفصح الحيوانية، إلى إحياء السجود الملحمي كأعلى شكل من أشكال الطقوس التلمودية والتوراتية، ودخول الكهنة بلباسهم الأبيض وأداء الصلوات والطقوس التلمودية والتوراتية فرادى وجماعات.
تلك الجماعات وحواضنها في المستويات السياسة والأمنية والدينية، من وزراء وأعضاء كنيست وقادة في الشرطة وأجهزة الأمن ورجال دين من حاخامات وكهنة، باتوا على قناعة بأن الظرف مهيأ لهم بسبب الانشغال وتسليط الضوء عالمياً وإقليمياً وعربياً وفلسطينياً على ما يحدث في قطاع غزة من عدوان وحرب إبادة ومجازر وحصار وتجويع، لكي يتقدموا خطوات على طريق التهويد الكلي للأقصى، والانتقال إلى إقامة ما يعرف بالهيكل الثالث بشكل عملي. بن غفير نفذ في ذكرى ما عرف بالتاسع من أب، الثالث عشر من آب الحالي، خراب الهيكل، وبمشاركة وزراء وأعضاء كنيست اقتحاماً واسعاً للأقصى. 2258 متطرفاً، رفعوا شعار “طوفان الهيكل في مواجهة طوفان الأقصى”، وكذلك شعار “نجدد البيعة لبناء الهيكل”، وفي هذا الاقتحام جرى النفخ في البوق ورفع علم إسرائيل، وعلم الهيكل، ومورست طقوس السجود الملحمي.
بن غفير وتلك الجماعات باتوا على قناعة بأن العرب والمسلمين في حالة من “الموات”، وبالتالي ردات فعلهم على أي تغييرات في وضع الأٌقصى دينياً وقانونياً وتاريخياً، لن تتعدى “سيل” من بيانات الشجب والاستنكار ومذكرات الاحتجاج والمناشدات والمطالبات من أمريكا والمجتمع الدولي لمنع إسرائيل من جرّ المنطقة إلى صراع واسع، وتهديدات فارغة بما يسمى بالصراع الديني، حيث أرض الواقع وما يتعرض له شعبنا في قطاع غزة من جرائم إبادة جماعية وتجويع وحصار، تقول بأن ردود الفعل العربية والإٍسلامية لن تغادر خانة الكلام والشجب والاستنكار. ومن هنا كان قرار بن غفير والقوى المتطرفة معه بالتصعيد في الأٌقصى لفرض وقائع جديدة، حيث أعلن بن غفير يوم الإثنين بأنه سيعمل على بناء كنيس يهودي في قلب الأٌقصى، في تحدٍ واضح لمشاعر العرب والمسلمين، في خطوة تعبر عن شراكة في المكان ونزع القدسية الإسلامية الخالصة عن المسجد الأقٌصى، ونقله من مقدس إسلامي خالص إلى مقدس مشترك إسلامي- يهودي، تتساوى فيه حقوق العبادة لأتباع الديانتين الإٍسلامية واليهودية، على طريق التهويد الكامل للأقصى وجعله مقدساً يهودياً خالصاً.
إن إقامة الكنيس في الأقصى تعني أنه سيكون مكان مصلى باب الرحمة، بعد أن يتم فتح باب الرحمة، الباب الذهبي، فهم يعتقدون بأن باب الرحمة، هو باب الهيكل الأول، وهو موجود منذ 1300 ق.م، وسيأتي المسيح المخلص، والذي سيسير من جبل الطور ويعبر من هذا الباب، باب الهيكل الأول، نحو الهيكل الذي سيتم بناؤه في قلب الأقصى. وهذا يعني بأن الاقتحامات للأقصى ستشرعن تحت حماية الجيش والشرطة ليس من باب المغاربة فقط، بل من خلال باب الرحمة على طريق تهويد كامل المنطقة الشرقية من المسجد الأقصى، أي ثلث مساحته.
خطوة بن غفير هذه والتي لم تجر مجابهتها بخطوات عملية عربية – إسلامية ترتقي إلى حجم المخاطر الجدية التي باتت تتهدد الأقصى، دفعت الوزير في حكومة نتنياهو، وزير ما يعرف بالتراث اليهودي عميحاي إلياهو إلى الإعلان بأن وزارته ستعمل على تمويل جولات تلمودية وتوراتية في الأقصى لعشرات الألآف من اليهود والسياح الأجانب، بما قيمته 500 ألف دولار أمريكي، حيث تقدم لهم في تلك الجولات والشروحات سردية ورواية يهودية تلمودية توراتية، تعزز الوجود للبلدة القديمة في القدس، أي تهويدها، وكذلك تقديم رواية تاريخية نقية خالية من رواية النقيض العربي – الإسلامي بشكل كلي، أي نفي كون الأقصى مكاناً مقدساً إسلامياً، ونفي الوجود العربي في القدس.
هذه التطورات التي تحصل فيما يتعلق بخطوات متتالية على طريق تهويد الأقصى، هي ضمن خطة حكومية، وليست تعبيراً عن نهج أو رؤيا لهذا الوزير أو ذاك، فالحديث يجري عن تمويل من وزارة، وتكثيف لعمليات الاقتحام وزيادة أعداد المقتحمين، وتلقينهم لرواية وسردية يهودية، تثبت الحق اليهودي في المسجد الأٌقصى.
الأيام القادمة ستضعنا أمام تحديات أخطر بالنسبة للأقصى، خاصة إذا بقيت الردود والمواقف العربية والإسلامية باهته، وغير مقرونة بفعل أو عمل. فما ينتظر الأٌقصى هو الإقدام على ذبح واحدة من البقرات الخمس الحمراء المستوفية العمر الشرعي وهو عامان والتي تم استولادها جينياً في ولاية تكساس الأمريكية، وجرى وضعها في مكان سري بالقرب من بيسان، وكانت تجري رعايتها بشكل مستمر وعلى مدار الساعة، وكان يخطط لذبح واحدة منها على جبل الطور في قطعة أرض استولى عليها المستوطنون هناك، ولكن التطورات التي حصلت ما بعد معركة السابع من أكتوبر، واتضاح حقيقة المواقف العربية والإسلامية، بالبقاء في خانة الكلام ثم الكلام ، بات بن غفير وغيره من شركائه من القوى اليهودية والصهيونية الدينية على قناعة راسخة، بأنه لو جرى ذبح البقرة الحمراء في هذا الظرف في ساحة الأٌقصى، وفي ظل انشغال العالم بالحرب الدائرة في قطاع غزة، لن يتحرك العرب والمسلمون لدعم وإسناد أقصاهم، ولذلك ذبح البقرة في ساحة الأقصى ونثر رمادها على أكبر عدد من الحاخامات لتجاوز اعتراض موقف الحاخامية الكبرى بعدم الصعود إلى جبل الهيكل دون التطهر من بند نجاسة الموتى، فالتطهر من بند نجاسة الموتى، يعني بأننا سنقف أمام “تسونامي” من المستوطنين والمتطرفين يومياً في ساحات الأٌقصى بدلاً من 100 – 150 مستوطناً يقتحمون الأقصى الآن يومياً يصل العدد إلى 1000 – 1500 مستوطن يومياً، وهؤلاء سيحتاجون إلى مكان واسع لممارسة طقوسهم وصلواتهم التلمودية والتوراتية، وهذا لن يتحقق إلا بالاستيلاء على كامل المنطقة الشرقية من الأقصى، وإقامة الكنيس اليهودي مكان مصلى باب الرحمة على طريق هدم مسجد قبة الصخرة وبناء الهيكل الثالث المزعوم.