شبكة فلسطين للأنباء – شفا الشبكة الفلسطينية الاخبارية | وكالة شفا | شبكة فلسطين للأنباء شفا | شبكة أنباء فلسطينية مستقلة | من قلب الحدث ننقل لكم الحدث .
قراءة في رواية “مملكة الله في السّماء” للكاتبة وفاء جميل العزّة، بقلم : قمر عبد الرحمن
رواية “مملكة الله في السّماء” للكاتبة وفاء جميل العزّة – الصّادرة عن دار الجنديّ للنّشر والتّوزيع 2019
بقلم : قمر عبد الرحمن – فلسطين
وصلتني هذه الرّواية قبل أيّام، في لقاءٍ عائليّ بواسطة ابنة خالتي العزيزة رانية من صديقتها الكاتبة وفاء العزّة، وأنا أفرح جدًّا حينما تصلني رواية أو كتاب بشكلٍ خاص. التقيت مرّةً واحدةً بوفاء في حفل توقيع مشترك في بيت لحم، وأهديتها روايتي كوفيد الأحلام، وكان لديّ فضولٌ كبير لقراءة روايتها.
الرّواية تصنّف من الرّوايات القصيرة 130 صفحة، لون الغلاف أزرق مريح للنّظر، إضافةً للون الورق الأصفر، الذي يشجّع القارىء على الاستمرار في القراءة، أمّا بالنّسبة لصورة الغلاف فقد جسّدت بطلة الرّواية سارة بفتاةٍ تنظر للبحر، للمستقبل الضّائع، للغياب، وربّما كانت تحسد النّوارس على حريّتها!
لغة الرّواية سلسةٌ جدًّا وبسيطة، والسّرد غير معقّد، إضافةً إلى أنّ الانتقال من فصلٍ إلى الآخر كان انتقالًا منطقيًّا طبيعيًّا، كما أنّ عقدة الرّواية بدت جلية خلال القراءة.
شعرتُ أنّي أتابع فيلمًا أو مسلسلًا قصيرًا، ففي كلّ فصولها تشويقٌ لافت جذبني لمتابعة القراءة، وعندما أتركها جانبًا كنت أفكّر كثيرًا في مجريات الرّواية وتفاصيلها الذّكية، فقد لخّصت قصّة سارة قصص حياة أغلب الجيل اليهودي المخدوع بأرض الميعاد، فقد ترعرعت سارة على معتقدات الدّولة الصّهيونيّة، وحلم الهيكل الوهميّ، اعتنى والدها بتربيتها بطريقةٍ مفرطة، لدرجة أنّه لم يسمح لها بالمرور بمراحل طفولتها الطّبيعيّة وشبابها كالأخريات من بنات جيلها كصديقتها راشيل، لأنّه تمنّى منذ البداية أن تكون ذكرًا ولم تكن! فعاملها بصفة الذّكر منذ ولادتها.
عاشت طويلًا في بريطانيا على أمل تحقيق حلم والدها فقط بالعودة لأرض الميعاد، رفضت أمّها طريقته القاسية في التّربية، لكنّها لم تفلح في تغييرها أو التأثير عليه. دفعت هذه التّربية الحادّة سارة إلى العنف والعنصريّة تجاه الآخرين وتجاه نفسها حتّى، ولم تتقبّل نصائح والدتها ولا صديقتها راشيل المقرّبة في أن تعيش حياتها كفتاةٍ عاديّة تحبّ، وتفرح بأنوثتها، وتتزوّج، وتشكّل عائلة، لقد كان حلم والدها يسيطر عليها، وشبح المعتقدات التّلموديّة يلاحق أفكارها وتفاصيل أيّامها.
سبقتها صديقتها راشيل مع عائلتها لإسرائيل “أرض الميعاد” كما يدّعون، حزنت سارة كثيرًا على فراقها، والصّلابة في تربيتها جعلتها تعاني أكثر عندما فقدت والدها ثمّ رحيل والدتها بفترةٍ قصيرة. وقرّرت بعد عناءٍ طويل السّفر لتحقيق حلم والدها بأرض الميعاد المزعومة، علّها انتهت منه وتفرّغت لما تريده كامرأةٍ عاديّة.
بدأت معتقداتها الرّاسخة تتبدّد منذ وصولها، ولإصرارها الصّامت على أنّ والدها كان على حقّ، ومن المستحيل ما صرفه من عمره أن يضيع سدىً، استمرت في البحث عن الحقيقة، عملت في المهمّات الصّعبة في الموساد لخبرتها القتاليّة الكبيرة ومهارتها في إتقان عدّة لغات، لكن زادت هذه المهمّات في ضياعها بين الحقيقة على الأرض وبين سراب المعتقدات التي زرعها فيها والدها، ومع الوقت والمهمّة الصّعبة التي أوكلها بها دانيال رئيسها في المكتب، بدأت الحقيقة الإنسانية تنجلي أمامها كالشّمس، لقد كانت سارة شجاعةً حقًّا في اعترافها الأخير لدانيال، وهذا ما ستكتشفونه عند قراءة هذه الرّواية.
وفي النّهاية.. أعتقد أنّ الكاتبة وفاء تستطيع أن تبدع أكثر، وأن تطوّر من أسلوبها اللّغويّ والكتابيّ في إنجازاتها الأدبيّة القادمة، فلقد كانت جريئةً جدًّا في اختيار الموضوع “مملكة الله في السّماء” ولكنّها وفي نفس الوقت كانت حذرةً جدًّا في الكتابة والصّياغة، بدون اللّجوء للأسلوب الرّمزي، وبدون استخدام الاستعارات والصّور الإبداعية في السّرد، وأن تكون حذرة خيرٌ من المجازفة على حساب سلامة الرّواية.
شكرًا عزيزتي وفاء على هذه الرّواية الممتعة والهامّة جدًّا، أتوقع أنّك ستبهرينا في المرّات القادمة.
