معاناة اللاجئين النفسية والاجتماعية: آلام الاقتلاع وتوصيات للتعافي، بقلم : سماح جبر
في عالمنا اليوم، يعيش أكثر من 100 مليون شخص كلاجئين أو نازحين قسرياً، وفقاً لتقديرات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR). يمثل اللاجئون الفلسطينيون نسبة كبيرة من هذا العدد، حيث يتجاوز عددهم 5.9 مليون لاجئ مسجل لدى وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا). هؤلاء الفلسطينيون يعيشون في ظروف صعبة في مخيمات بالضفة الغربية وقطاع غزة، وكذلك في دول الجوار مثل الأردن ولبنان وسوريا.
تعود مأساة اللجوء الفلسطيني إلى عام 1948، عندما تم تهجير أكثر من 700,000 فلسطيني من أراضيهم خلال النكبة. وعلى مر العقود، تفاقمت معاناتهم بفعل النزاعات المستمرة والاحتلال الإسرائيلي، مما أدى إلى حالة من عدم الاستقرار النفسي والاجتماعي التي تمتد عبر الأجيال. أضف الى ذلك فاجعة النازحين بلا توقف في غزة ومن نجا من غزة هائماً في هذا العالم البارد الذي أشاح بوجهه عنا على مدار 10 شهور.
اللجوء هو أحد أشد التجارب الإنسانية قسوة، حيث يُجبر الإنسان على مغادرة بيته وأرضه تحت وطأة الحرب أو الاضطهاد أو الكوارث. تتجاوز معاناة اللاجئ مجرد فقدان الممتلكات، لتصل إلى فقدان الشعور بالأمان والانتماء والمكانة. يعيش اللاجئون في ظروف قاسية، غالباً ما تكون بعيدة عن الكرامة الإنسانية، حيث يضطرون إلى التكيف مع حياة جديدة في بيئة غير مألوفة، ويواجهون التحديات النفسية والاجتماعية الناجمة عن صدمة الفقدان والاقتلاع. هذه الظروف الصعبة تضعهم في حالة من القلق المستمر وعدم اليقين بشأن المستقبل.
تتعمق المعاناة النفسية للاجئين نتيجة للحرمان من الدعم الاجتماعي والشبكات الأسرية التي كانت تساهم في استقرارهم النفسي. يواجه اللاجئون مشاعر العزلة والاغتراب، ويتعرضون للتمييز والإقصاء في المجتمعات المستضيفة، مما يزيد من معاناتهم النفسية ويضعف قدرتهم على التأقلم مع واقعهم الجديد. يتغير مفهوم الهوية لدى اللاجئ، حيث يُنتزع منه الانتماء إلى وطنه ويتحول إلى مجرد “لاجئ” في أعين العالم. هذه الهوية الجديدة تضع اللاجئ في مواجهة تحديات نفسية كبيرة، حيث يشعر بالغربة عن ذاته وعن ماضيه، ويعاني من فقدان المكانة والشعور بالدونية. أذكر أنني تناولت يوما طعاماً العشاء في مطعم في اسطنبول وكنت أتجاذب الحديث في أمور طبيه مع مجموعه من الزملاء فجاء شاب وسيم ذو ملامح عربيه لينظف الطاولة وخاطبني بلقبي كطبيبة، وعندما ابتسمت له دمعت عيناه وقال لي انه أيضا طبيب ولكنه الآن لاجئ من سوريا.
اللجوء لا يؤثر فقط على الجوانب النفسية للفرد، بل يمتد تأثيره إلى العلاقات الاجتماعية والعائلية. تعاني الأسر من التفكك والتباعد بسبب ضغوط الحياة الجديدة والظروف الاقتصادية الصعبة، ويضطر الأطفال إلى النمو في بيئات غير مستقرة، مما يؤثر على تطورهم النفسي والعاطفي. إن معاناة اللاجئين ليست مجرد حالة مؤقتة تنتهي بمجرد وصولهم إلى بلد آمن، بل هي تجربة طويلة الأمد تترك بصمات عميقة في نفوسهم وحياتهم.
تجربة اللاجئين تستحق الدعم والاهتمام، ويجب أن تُعامل معاناتهم بجدية وكرامة، وأن يُقدم لهم الدعم اللازم ليس فقط من الناحية المادية، بل أيضاً من الناحية النفسية والاجتماعية، ليتمكنوا من إعادة بناء حياتهم واستعادة مكانتهم وإنسانيتهم.
وللتخفيف من هذه المعاناة، يجب تقديم دعم شامل ومتكامل يلبي احتياجات اللاجئين المختلفة، وفيما يلي بعض التوصيات:
- توفير خدمات الصحة النفسية المتخصصة داخل المخيمات وفي المجتمعات المستضيفة. تقدم خدمات الصحة النفسية بشكل مستمر ومتاح للجميع، مع مراعاة الخصوصية الثقافية والاجتماعية لكل مجموعة من اللاجئين.
- تدريب العاملين في المجال الإنساني على تقديم الدعم النفسي الأولي للاجئين، وفهم الاحتياجات النفسية الخاصة بهم، والتعامل مع الصدمات النفسية بكفاءة وتعاطف.
- إطلاق برامج الإرشاد النفسي الجماعي لبناء شبكات دعم اجتماعي بين اللاجئين، مما يساعدهم على التعبير عن مشاعرهم، ومشاركة تجاربهم، وتخفيف مشاعر العزلة والاغتراب.
- التركيز على توفير الدعم النفسي للأطفال والمراهقين اللاجئين، من خلال برامج تعليمية وتعبيرية تُراعي احتياجاتهم النفسية، وتساعدهم على التعامل مع الصدمات وتطوير مهاراتهم الاجتماعية.
- تعزيز الوعي بالصحة النفسية بين اللاجئين، وتقديم معلومات حول كيفية التعرف على أعراض الاضطرابات النفسية، وكيفية الحصول على المساعدة.6. تقديم برامج تدعم بناء هوية إيجابية للاجئين، من خلال تعزيز الشعور بالانتماء والكرامة، وتقديم فرص للمشاركة في الأنشطة المجتمعية والثقافية.
- تقديم برامج دعم نفسي تستهدف العائلات ككل، لمساعدتها على التكيف مع الظروف الجديدة والحفاظ على تماسكها الأسري.
- التعاون مع المجتمعات المستضيفة لتعزيز التفاهم والاندماج بين اللاجئين والمجتمعات المستضيفة. يجب تنفيذ برامج مشتركة تعزز التفاعل الإيجابي وتقلل من النبذ والإقصاء والتوترات الاجتماعية.
- من الضروري إجراء تقييم دوري للخدمات النفسية المقدمة للاجئين لضمان فعاليتها واستجابتها لاحتياجاتهم المتغيرة، مع إجراء التعديلات اللازمة بناءً على التغذية الراجعة.
- كما يجب مراعاة أن آثار اللجوء تستمر لفترة طويلة، لذا من المهم تقديم دعم نفسي طويل الأمد يواكب رحلة اللاجئين نحو التعافي والاستقرار النفسي والاجتماعي.
تقديم هذا النوع من الدعم الشامل يمكن أن يخفف من وطأة المأساة التي حدثت في حياة اللاجئين، ويساعدهم على استعادة قدرتهم على بناء مستقبل جديد يحمل أملاً وكرامة.
اللجوء لا يؤثر فقط على الجوانب النفسية للفرد، بل يمتد تأثيره إلى العلاقات الاجتماعية والعائلية. تعاني الأسر من التفكك والتباعد بسبب ضغوط الحياة الجديدة والظروف الاقتصادية الصعبة.