الذكاء الوجداني: الأبعاد والاهمية، بقلم : د. محمود حسين
في البداية، من الضروري أن نستعرض البيئة التي ساهمت في ظهور نظرية الذكاء الوجداني، حيث قد يساعد ذلك في تحديد الفوائد الحقيقية لهذه النظرية. لا يخفى على أي شخص يتعامل مع الأطفال والمراهقين والشباب التحديات المتنوعة والمتعددة التي تواجه التربية، وذلك بسبب التغيرات السريعة والحركة المتسارعة التي يتميز بها عصرنا الحالي. نحن نعيش اليوم في زمن يُعرف بصراع الحضارات، بالإضافة إلى صراعات الثقافات واللغات والأديان، ولا يمكننا أن نكون بعيدين عن هذه القضايا.
يعد الذكاء الوجداني جانبا مهما للنجاح في الحياة والمهنة والصحة النفسية، فالصحة الوجدانية تنبئ بالنجاح في الدراسة والعمل والزواج والصحة الجسمية، حيث تشير الدراسات الحديثة إلى أن الذكاء الوجداني يتنبأ بـ80 % من نجاح الإنسان في الحياة. لكن مفهوم الذكاء الانفعالي أو الوجداني يعد حديثاً على التراث السيكولوجي وما يزال يكتنفه بعض الغموض، حيث إنه في منطقة تفاعل بين النظام المعرفي والنظام الانفعالي.
يحتاج كل فرد إلى فهم مشاعره ليتمكن من التعامل معها بشكل جيد. تُعتبر هذه المشاعر الإيجابية التي تنشأ من التجارب بمثابة مكافأة ذاتية للدماغ، مما يشجع العقل على اتباع أساليب تعليمية تساعد في تطوير التفكير وممارسة أنماط مختلفة من التفكير مثل الابتكار والاستكشاف والإنجاز، حيث يكون الدماغ في هذه الحالة في حالة من الأمان.
إذا كانت الانفعالات المصاحبة للخبرة سلبية ومؤلمة كالتهديد والقلق والخوف، فإن المادة الكيميائية التي يفرزها الدماغ تجعل الفرد متحفزا للرد بالمقاومة (مقاومة دخول المعلومة أو تعلّم المهارة)، وذلك للمحافظة على نفسه، ويؤدي ذلك إلى مزيد من التوتر والقلق، وبالتالي يتدنى الانتباه والتركيز والتعليم. ومن هنا، كان الذكاء الوجداني أساس التنمية العقلية والاجتماعية والمعرفية للطفل.
ظهر مصطلح الذكاء الوجداني في مطلع الثمانينيات حينما بدأت شركة أمريكية عملاقة في امتحان نسبة ذكاء موظفيها أو ما يطلق عليه IQ.. والغريب أن الأشخاص الذين نالوا أعلى درجاته لم يكونوا بالضرورة الأنجح مهنيا أو اجتماعيا.. وبدأ العلماء طرح فكرة الذكاء الوجداني، واحدا تلو الآخر حتى جاء “دانيال جولمن” بكتابه الأكثر مبيعا “الذكاء الوجداني” Emotional intelligence ليجمع أساس هذا العلم في كتاب واحد.
ذهب المتخصصون إلى أبعد من ذلك، حيث أكدوا أن كل إنسان منا في حاجة إلى 80% من الذكاء الوجداني ليصل إلى النجاح وذلك مقابل 20% فقط من الذكاء العقلي. وقد ظهرت بعض الدراسات الحديثة التي تقول بأن شاغلي مناصب الإدارة العليا بالمؤسسات يحققون ارتفاعا في كفاءة الأداء بنسبة 128% إذا ما تمتعوا بالذكاء الوجداني، وذلك في مقابل 12% لشاغلي مناصب الإدارة المتوسطة مثل مندوبي المبيعات.
الذكاء الوجداني هو القدرة على تمييز مشاعرك ومشاعر الآخرين حتى تتمكن من إدارة العواطف جيدًا مع نفسك ومع الآخرين، أو بمعنى آخر هو القدرة على الملاحظة، والتقييم، وإدارة النفس والعلاقات بشكل مميز.
وإذا ما تناولنا هذا التعريف بشيء من التفصيل فيمكن أن نجمل الذكاء الوجداني في أربعة نقاط رئيسية:
1- الدراية بالنفس: أي كيف يميز الإنسان مشاعره ويجعلها شيئًا محسوسًا يضع يده عليه، وكيف يعرف نقاط قوته وضعفه، وكيف يقيم دوافعه وسلوكه ويسأل نفسه لماذا فعلت كذا أو كذا؟ فيجد إجابة شفافة دقيقة.. وتحتاج في ذلك إلى ثقة بغير غرور في إمكاناتك وقدراتك.
2- إدارة نفسك نحو التغيير: فما الذي يفيد في أن تعلم عن نفسك كل شيء ولا تستفيد من هذا العلم في شيء. هل تستطيع أن تجعل منك إنسانا: شفافا مستقيما تتمتع بالأمانة ويثق بك الآخرون؟ هل يمكن أن تكون أكثر مرونة وتفاؤلا لترى نصف الكأس المملوء ومع ذلك تسعى دائما للوصول إلى الإنجاز الحقيقي.. إذا استطعت فأنت تتمتع بذكاء وجداني حاد.
3- الدراية بالآخرين.. باحتياجاتهم.. بمشاعرهم.. بدوافعهم.. باهتماماتهم.. وذلك حتى يتحقق معهم الاتصال الراقي المنشود.
4- إدارة علاقة ناجحة: وهنا لا بد من أن تستفيد بمعلوماتك لتعلم المطلوب منك في هذه اللحظة، هل مطلوب أن تتعاطف؟ تساعد الآخرين؟ أم مطلوب منك أن تدير خلافك بنجاح وتستوعب من أمامك بابتسامتك الساحرة. هل مطلوب منك أن تحفز.. تطلق الطاقات، تتجانس مع فريقك، مديرا كنت أو عضوا، لإنجاز الأهداف المشتركة، تلك الأهداف التي وضعتموها سويا على مائدة واحدة.