باغتني بشكل مؤلم قبل فترة بسيطة مقال لصديق يتحدث باستطراد عن واقع المرأة مع استخدام التكنولوجيا، وطرح على السطح عدم قدرة المرأة على استثمار هذا الحيز الواسع-الانترنت-المجاني المؤثر في توصيل همومها وآلامها…. باقتضاب هذا لغز المقال.
يكمن حل هذه الأحجية حول مجموع التساؤلات التي طفت على السطح وطلبت الإجابة المقنعة من معشر النساء، لربما لقبيلة الرجال أو للمجتمع، أو لمجموع المفكرين والمساندين لحقوق المرأة، هى بإجراء دراسة تحليلة أو نظرة عميقة للواقع المرير الذي تعيشه المرأة الفلسطينية خاصة، ولبنيتها – ليست الجسدية الهزيلة- بل الفكرية والروحية والعاطفية والاجتماعية والسياسية والثقافية.
تعيش المرأة في حال انفصام شديد مع الواقع وفي حالة تمرد مع الذات سواء في ظل التطور التكنولوجي المتسارع، أو مع أنماط الحياة والتوجه إلى التحضر، أو اختلاف درجات الوعى والاهتمام لدى الأجيال الحالية.
لنكن أكثر إيضاحاً وواقعية يوجد لدينا أجيال متنوعة منها من عاصر النكبة والنكسة والانتقاضة الأولي لتبرز لدينا المرأة المناضلة التي صبت جام طاقتها في الكفاح والنضال والتعايش مع الواقع وتربية أسرتها ولديها عزوف عن استخدام التكنولوجيا، وجيل نسائي عاصر الانتفاضة الثانية والانسحاب وعاش مرحلة انتعاش ما بعد الانسحاب لتضربه انتكاسة في ظل استمرار الحصار، ليبرز جيل متعكز، وجيل آخر تنمو براعمه على استخدام، Facebook, twitter، كوسيلة للترفيه، وقضاء الوقت. الصفات المشتركة بين الأجيال النسائية المتعاقبة والمتنوعة هي فقدان بوصلة إدارة الحياة بجميع نواحيها، رغم اختلاف الأزمان والأمكنة والتقدم إلا أن نهج التربية وهو مربط الفرس لم يتغير، مازالت الفتاة تنمو في صغرها وفي حضنها عروستها بالنسبة لها ابنتها لتمارس دور الأم، من نعومة أظافرها تبدأ تنشئة الفتاة على ثقافة الاتكالية والاعتماد الكامل على الرجل في التدبير والتفكير والحل، تنشئة تقضم منها حقها في التعبير عن نفسها، واكتشاف ذاتها، وإبراز طاقتها وموهبتها وقدرتها على الوقوف جنباً بجنب بجوار نصفها الآخر ليبنيا معاً مجتمع يحترم حقوق الآخرين.
تكتشف المرأة للأسف خلال فترة ركودها بعد تخرجها وانتظارها إما الزوج… ثم الزوج… ثم الزوج… ثم فرصة العمل، إلى أنها مرت بمراحل تكرير وتكرير وتكرير مؤلمة – أسرة، عائلة، مجتمع، بيئة محيطة، عادات تقاليد، جامعة، عمل، نظام تربوي- لتنتج بالنهاية منتج فاقد الشخصية والقدرة على اتخاذ القرار ونسج الآمال، ثائرة هي بداخلها بانتظار الربيع النسائي، رغم الاعتقاد الشائع أن الانترنت مساحة شاسعة حرة مجانية، لكنه لربما سقط سهوا أو عمداُ أنه محصورا بثقافة مجتمع أكل عليها الدهر وشرب في نظرته وتربيته وذكوريته الخاطئة عن المرأة.
المرأة تخوض الآن حرباً -ربما غير ناضجة لغياب الملهم- على صفحاتها بأسماء وهمية إلكترونية في محاولة للتمرين على الوقوف مع النفس والتعبير عن طموحاتها، وإعطاء نفسها فرصة لم يمنحها إياها بعد الآخرين، تطالع وتقرأ وتراجع أفكارها وأفعالها، وترسخ إيمانها بقرب حلول الربيع النسائي لتنتفض وتنفض هذا الغبار المثقل عن صدرها في محاولة للتنفس بحرية.
تحاول يائسة وبإصرار وبشجاعة وبخفاء أن تُقَوم ما طَلُح من عادات المجتمع وتنشأ تربية جديدة تؤمن بأن المرأة ليس دورها فقط أن تنجب وتُرَبي الأطفال، والمرأة خلقت شريكة فامنحنونا هذا النضوح الفكري والعاطفي والاجتماعي والروحي من طفولتنا ولا تسلبونا إياه، وقد صدق سيدنا علي ابن أبي طالب حينما قال رضي الله عنه: لا تجبروا أولادكم على عاداتكم فقد خلقوا لزمانٍ غير زمانكم، ولنبدأ بتغيير أفكارنا حيث أن الله لا يُغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم… نحن نصفكم الآخر لا تسخروا من محاولاتنا ولا تجلدونا وشجعونا وألهمونا وأوهبوني الفرصة والإيمان بأننا نستطيع فنحن حقاً نستطيع.
وقد قال ستان سلافسكي قديماً أعطني خبزاً ومسرحاً أعطيك شعباً مثقفاً، ونحن نقول أعطني فرصتي أعطيك قدرتي، فمن يخالفنا فليتقدم بآرائه ويعترض